ترانيم الجمعة الحزينة / إبراهيم خليل

30

ابراهيم خليل فجأة يصرخ المخرج ( ستوب ), تصطدم السيارة بالحشد, تتوقف العبوة عن التكتكة, يخرس جميع الموبذانات, يتوقف الزمن وتتجمد جميع الابتسامات والضحكات والكلمات, يستيقظ ثعبانا ” الضحاك ” ويبدآن بالتهام الرؤوس, ويدور محرك السيارة من جديد لتنطلق ناقلة حمولتها إلى العالم الآخر… ينتهي المشهد”.

لم يكن الدخان الأسود الذي ينبعث من الإطارات المحترقة كعادته كل عام فيغطي سماء الحسكة هو أسوأ ما في نوروز هذه السنة المفردة وفق التقويم الغريغوري.

ولم يكن حضور الأطفال والرضع في المشهد رادعاً لطالب الجنة عن إشهار ريشته السوداء وتلطيخ المشهد كله باللون الأحمر القاني وتحويل الجمل والكلمات الراقصة في الساحة إلى مجرد حروف مختلطة يصعب التعرف إلى معانيها.

ولم يكن عبور الصراط الرابع من عمر ثورة السوريين ضد النظام هو الأشد إيلاماً وإن كان كافياً لتنبيه الكرد أن لا أحد بمنأى عن نيران الفوضى والاضطراب وأن ” سوريا ليست تونس ولا مصر ” كما زعم منذ أربع سنوات عجاف رئيس سوريا الشاب رائد التطوير والتحديث, وناس هذا القول المأثور حينها بين التصديق والتكذيب.

مع غياب الشكل الكلاسيكي لدولة القومية العروبية, ونزوح نسور النظام وبغاثه إلى الجنوب لترميم دولة تنهار ومواجهة شعب كف عن الصراخ بأن ” الشعب السوري واحد”, وضع الكردي قدميه على أعتاب الأرض الجديدة حاملاً بين يديه بارودة وقلماً, وفي عقله مخطط الإلدورادو, وفي قلبه إسلاماً محمدياً مطعماً بالزردشتية في محيط محنط منذ قرون يموج بإسلام أموي قبيح الصوت والصورة.

لكن النظام الأخطبوطي مستعد, في سبيل البقاء, للتحالف حتى مع الشياطين ولذلك تراه, حين تقصر يده, يمد سياط لحيته فيجلد من يشاء حين يشاء وحيث يشاء قبل أن يظهر على الشاشات ويبكي بدموع من ضوء وحبر.

أمام شعلة النوروز المنصوبة في وسط الساحة, تنبهر ضيفة مسيحية بالمشهد, تراقب حركات الفتيات الكرديات في حلقة الرقص وأيديهن في أيدي الشبان الكرد, فجأة تتألق عيناها ببريق غريب وتهمس في أذن زوجها :

– بصراحة, يمكن التعايش مع هؤلاء الناس.

تعاون المسيح والبغدادي معاً على إنسائها ثأر هذه السنة المفردة بالذات من القرن الفائت, وغسلت نيران نوروز دماء أسلافها المعلقة برقاب الكرد محولة إياها إلى مجرد ذكرى تشبه ذكرى حريق روما على يدي نيرون.

السيارة تتقدم بصوت خفيض لا يكاد يسمع وسط قوالب الخطابات المعدة والمكرورة منذ السقوط الدرامي لجمهورية مهاباد ووسط هتافات نارية تجعلك تشعر أن ” خاني ” من الغاوين” وأن ” مم وزين ” من أساطير الأولين وأن” بكو عوان ” هو الوحيد الذي بعثه الشيطان من مرقده ليخط بالسيف حدوداً بين الأخ وأخيه.

الجميع منشغل, الشاب غارق حتى أذنيه في عيني فتاته, الأم منشغلة بشد آذان الصغار لئلا يبتعدوا أو يتشاجروا, الأب منغمس حتى أذنيه في تحليل سياسي يتناول المفاضلة بين البارزاني وأوجلان.

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 16 بتاريخ 2015/4/1

التعليقات مغلقة.