طّريق أعضاء المرجعيّة الكُرديّة إلى W.C محفوفٌ بتملّق بعض الصّحفيين والمشهد ذاته يتكرّر عند كل اجتماع / فريد إدوار
“يأخذ كل عضو من أعضاء المرجعية مكانه بين الكراسي المُتراصة أمام الطاولة المُستطيلة، وانشغل البعض منهم بالورقة البيضاء التي أمام ناظريه متطأطأ الرأس يحاول أن يوحي للآخرين بأنه مُنهمكٌ بوضع حلولٍ للقضيّة الكُردية التي عجزت دول العالم عن حلّها”.
“يأخذ كل عضو من أعضاء المرجعية مكانه بين الكراسي المُتراصة أمام الطاولة المُستطيلة، وانشغل البعض منهم بالورقة البيضاء التي أمام ناظريه متطأطأ الرأس يحاول أن يوحي للآخرين بأنه مُنهمكٌ بوضع حلولٍ للقضيّة الكُردية التي عجزت دول العالم عن حلّها”.
«أخيراً انتهى اجتماع الكونغرس» هكذا تفوّه أحد المُراسلين الصّحفيين الذي طال به وبزملاءه المُراسلين الآخرين الانتظار، بعد أن أمضوا 8 ساعاتٍ متواصلة في الغرفة المُجاورة لقاعة اجتماع أعضاء المرجعية الكُردية في مركز “محمد شيخو” بمدينة قامشلو.
سياراتٌ مُفيّمة وأخرى تحمل لوحات مرورية لا تدل على أنها صادرة من فرع المرور التابع للحكومة السورية، ومرافقون يتأبّطون أسلحة كلاشينكوف، يتوسّطهم أعضاء المرجعية الكُردية الذين وصلوا للتّو مكان الاجتماع.
مصورون صحفيون يتصارعون على احتلال نقطةٍ استراتيجية تُمكّنهم من توثيق كل حركةٍ تصدر من هؤلاء المُتحصّنين بـ (حصانةٍ قانونية) قد لا يعلم البعض منهم ماذا تعني أصلاً.
وبدلاتٌ سوداء وربطات عنقٍ أنيقة تُزيّن واجهة أشخاصٍ يُمثّلون أنفسهم أولاً، وقد يُقرّرون فيما بعد مصير نحو 3 مليون كردي، نصفهم باتوا نازحين على أبواب دول الجوار يعيشون من إعاناتٍ مدفوعة الأجر مُسبقاً.
وبإشارةٍ من رئيس الجلسة، يأمر المرافقون وعناصر الأساييش (الأمن الكُردي) جميع المُراسلين والمصورين الصّحفيين بمغادرة القاعة والعودة بعد 5 ساعاتٍ أُخر لحين انتهاء المناقشات.
يأخذ كل عضو من أعضاء المرجعية مكانه بين الكراسي المُتراصة أمام الطاولة المُستطيلة، وانشغل البعض منهم بالورقة البيضاء التي أمام ناظريه متطأطأ الرأس يحاول أن يوحي للآخرين بأنه مُنهمكٌ بوضع حلولٍ للقضيّة الكُردية التي عجزت دول العالم عن حلّها.
فيما راح آخرون محسوبون على أطرافٍ سياسية مُختلفةٍ في نمط التّفكير، يتبادلون الابتسامات والأحاديث المُصطنعة التي ربما لن تُجدي نفعاً أمام قراراتٍ قد اتُّخذت مُسبقاً حول مصير الاتفاق الكردي- الكردي والصّيغة النّهائية لفحواه.
وإلى الجانب الآخر من الطاولة، ثمّة حسناءٌ صامتة لا تلتفت لأحد ولا تُحادث من هو جالسٌ بجانبها ، ويبدو أنها غارقةٌ في التّفكير وتسأل نفسها: ما الذي جاء بها إلى هذا المكان أو دفعها أصلاً للانضمام لشلّةٍ أقل ما يمكن أن يصفهم المرء بـ «مُقامري السّياسة».
مرّت ساعةٌ وساعتان وثلاث ثم أربع وخمس ساعات والوضع ما يزال على حاله، يخرج أحد المُجتمعين ويلحقه آخر لإفراغ ما شربوه من سوائل ومشروبات، وفي كل مرّة يلحق بهم أحد المُراسلين المُتملّقين للسّؤال عن أجواء الاجتماع، بينما يحاول السياسي المُحنّك إبعاده عن وجهه بأية إجابة عابرة، خوفاُ من أن يفقد السيطرة على نفسه ويطرح مشروباته وسط الطريق إلى W.C.
بينما انغمس الصحفيون ومندوبو الفضائيات والوكالات الإخبارية الأخرى المُنتظرين في غرفةٍ لا تتّسع سوى لثلث عددهم، في الضحك والأحاديث التي تنوّعت ولامست كل شيء، إلا للعمل الصحفي.
وفي الفسحة السّماوية حيث البرد يلج لجسدك دون إذنٍ مُسبق، راح أحد عناصر حماية أعضاء المرجعية يحكي لرفقائه عن مخاطر مهامهم وعدد ساعات النوم القليلة التي يحسدون غيرهم عليها، بسبب ملازمتهم لمن يحميه.
يدخل أحد أعضاء المرجعية لغرفةٍ تحتوي هاتفاً أرضياً ويتحدّث مع زوجتهِ بنبرةٍ مفعمة بالاعتذار عن التّأخير، وبين حينٍ وآخر يهزّ رأسه ويهمس قائلاً: نعم جلبت كل ما طلبتي .. أنه داخل السّيارة لن أتأخّر.. لا تنسي أن تُشعلي سخان الماء، ومن دون أن يودّعها، يضع سماعة الهاتف ويوضّب هندامه من جديد ويطمأن على وجود ربطة عنقه في مكانه الصّحيح، ثم يُغادر الغرفة ويتوجّه للانضمام للمجتمعين.
الساعة تُشير للحادية عشرة وأربعون دقيقة قبل منتصف الليل، جاءت البُشرى للصّحفيين وصار بإمكانهم الدخول للقاعة لإنهاء ما بدأوه قبل 8 ساعات، لكنهم تفاجأوا بأن أعضاء المرجعية كانوا على عجلةٍ من أمرهم أكثر من الصحفيين الذين ملّوا الانتظار.
في الخارج وعلى الطريق العام، حين بدأت زحمة السيارات واستعداد المرافقين الأمنيين بفتح الأبواب لأصحاب الحصانات القانونية لمغادرة المكان، مرّ رجلٌ في عقده الخامس برفقة شابٍ صغير يبدو أنه ابنه، يحمل كلٌ منهما بضع ربطاتٍ من الخبز.
يسأل الرجل أحد حراس المبنى عما يحدث في تلك السّاعة المُتأخّرة من الليل، فيُجيبه الحارس وعينيه تلاحقان مؤخّرة السيارات التي غادرت للتّو: أنه اجتماع أعضاء المرجعية الكُردية.
يبتسم الرجل ويُكرّر مُتعجّباً: مرجعية كُردية..!! ثم يمضي في طريقه وهو يُتمتم لابنه كلمات تاهت معانيها في آخر اجتماعات المرجعية الكُردية.
نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpressفي العدد 16 بتاريخ 2015/4/1
التعليقات مغلقة.