في رأس بوتين..قناعة اختلاف روسيا عن أوروبا
بمناسبة حلول عام 2014، تلقى أعضاء الحكومة الروسية وكبار الموظفين وإطارات حزب «روسيا الموحّدة»، حزب فلاديمير بوتين، هدية «استثنائية» بالعام الجديد. كان مصدر الإرسال هو قصر الكرملين، وكانت الهدية هي بالتحديد مجموعة من كتب الفلسفة تضمّ أعمال المفكرين الروس في القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
فما الذي كان يدور في رأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ وفي رأس بوتين، بالتحديد أيضاً، عنوان كتاب «ميشيل التشانينوف» الذي يحمل شهادة التأهيل العليا ــ أغريغاسيون ــ عمل لفترة أستاذاً في جامعة السوربون قبل أن يصبح رئيس تحرير مجلة «الفلسفة».
وبعد أن يشير المؤلف إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «يستخدم كثيراً المرجعيات الفلسفية» في خطاباته العامّة، يؤكّد أنه «ليس فيلسوفاً»، وتكوينه العلمي والثقافي هو من النمط الشائع بالنسبة إلى الشبيبة في إطار المنظومة السوفييتية «السابقة»، لكنه اعتبر دائماً أن استخدام المرجعيات الفلسفية أو الفكرية يمكن أن يعطي لتصريحاته وخطاباته أهميّة أكبر.
لكن السمة الأساسية التي يرى المؤلف أنها تترك بصماتها على سلوكية فلاديمير بوتين تكمن في أنه «يحسب دائماً على المدى الزمني الطويل».
ويشرح المؤلف أن استخدام بوتين مرجعيات المفكرين والفلاسفة الروس القدامى الكبار يندرج في البحث عن «نقاط استناد إيديولوجية» بعداً ذا دلالات وطنية . هكذا اختار أن تكون «نقاط استناده» هي بالتحديد الفلاسفة والمفكرين الروس في القرنين التاسع عشر والعشرين. بهذا المعنى يريد بوتين أن يظهر في شخصيّة من يكتب «تاريخاً وطنياً» روسيّاً.
وعبر الرجوع إلى أفكار المفكرين والفلاسفة الروس الكبار، يتم التعبير «ضمناً» عن إرادة إيجاد «نموذج ــ موديل ــ روسي»، وبحيث يكون في الوقت نفسه تعبيراً «حضارياً» له خصوصياته.
ويشير المؤلف إلى أن فلاديمير بوتين رسّخ في «رأسه» فكرة تقول بـ«التعارض العميق بين روسيا وأوروبا الغربية»، وهو يجد مرجعيته الفكرية من أجل ذلك لدى «نيكولاي دانيليفسكي» الذي عاش في القرن التاسع عشر.
والذي كان قد نشر كتاباً تحت عنوان: «روسيا وأوروبا: نظرة على العلاقات الثقافية والسياسية من العالم السلافي إلى العالم». ومن النظريات التي كان يرددها أن الغرب، بمعنى أوروبا الغربية، مآله «الانحدار».
ويشرح أن الخطّة التي يبنيها بوتين «في رأسه» من أجل «الوقوف بوجه أوروبا»، هي العمل على بناء «مجال أوروبي ــ آسيوي» يجري التعبير عنه بـ«أوراسيا»، ذلك بحيث يحيط بروسيا ويحميها، وتكون هي في الوقت نفسه بمنزلة «الرئة» التي يتنفّس منها المجال المعني.
أمّا الإطار الجغرافي الذي يمكن أن يشمله «المجال الأوروبي ــ الآسيوي»، فيجد حدوده «في رأس بوتين» بمناطق واسعة، يمكن أن تضم بعض بلدان آسيا الوسطى وبلدان أوروبا الوسطى والشرقية مثل بلغاريا وبلاد القوقاز، مثل هذا التطلّع الجغرافي إليه أيضاً، كما يشرح المؤلف مراميه «الجيوسياسية البعيدة»، إذ يرى بوتين أنه ينبغي على روسيا أن تصبح في قلب هذا المجال بمنزلة «قطب جذب ومنافسة حقيقي» مع أوروبا الغربية، وكذلك مع الصين.
يبقى أن المفكر الروسي الذي يمثّل المرجعية الأساسية لدى فلاديمير بوتين هو «إيفان اليين» ــ مواليد عام 1883 وتوفي عام 1954 ــ الذي كان معادياً للثورة البلشفية وللشيوعية، بل جرى إيداعه السجن عام 1918 بسبب أفكاره. وكان قد شرح في مؤلفاته العديدة أنه لروسيا «مهمّة تاريخية»، كما رسم صورة ذلك الذي سوف يقود البلاد نحو تحقيق تلك المهمةّ في حقبة ما بعد الشيوعية.
في المحصّلة النهائية يرى المؤلف أن بوتين يعبّر «عمّا يدور في رأسه» في مجموعة من الأفكار التي يحاول إيجاد مرجعياتها لدى مفكري وفلاسفة روسيا الكبار.
وعلى رأس تلك الأفكار تأكيد دور القيادة في إطار منظومة ديمقراطية أصيلة وليست مستوردة، وأهمية أن يكون الإنسان محافظاً على القيم وعلى ضرورة أن تدعم الأخلاق العقائد، وأن لا ينسى الشعب الروسي مهمته التاريخية في مواجهة العداء القديم الذي أظهره الغرب حيال روسيا.
بيان الإمارتيّة
التعليقات مغلقة.