الذكرى السنوية الأولى لشهداء عاموده جرح لم يندمل
حليم يوسف
– قراءة شخصية للحدث
تبدو الكتابة عن ستة شهداء في بلاد تتساقط فيها بشكل يومي عشرات الشهداء، بينهم أعداد كبيرة من الأطفال، أمرا مثيرا للتساؤل. وقد يبدد التوقف عند خصوصية المسألة هذا الاستغراب بمعرفة الأسباب، ومنها أن الحدث وقع في عاموده، بلدتي التي قضيت فيها النصف الأول من العمر الشقي الذي لا تزال سنواته تتدحرج بين غبارها الموزع بين كل عواصم العالم. والسبب الآخر يتجسد في بعده التراجيدي، على اعتبار وقوع الحدث في منطقة خارجة عن سيطرة النظام وبأيد كردية. بالاضافة الى الجوانب الأخرى المتعلقة بالبعد السياسي والاجتماعي المتداخل في مدينة ضغيرة يرتبط فيها الجميع تقريبا بصلات قرابة ونسب، ضمن نسيج اجتماعي شديد الخصوصية، يتسم بالتنوع والانغلاق في آن.
حدثان جعلاني أهتز من الأعماق
كان الحدث الأول بمثابة جرس انذار يحيل الجميع الى الشعور بأن عاموده ليست بخير. وذلك باقدام بعضهم على تمزيق صورشهداء الكرد المنتشرة في شوارع عاموده، وذلك بعد انسحاب قوات النظام منها. تدافعت في مخيلتي يومها صور حية لأبناء عاموده، لأصدقاء عشت معهم طفولتي كملك شيخ بكر، أو كانوا أطفالا كبارا كفارس علي الذي ترك وراءه بيدر قصائد في صيف عاموده الحار و اتجه الى ثلوج الجبال، أو عشنا معا طلابا في جامعة حلب كعبدالله شويش الخلوق، الهادئ, أو فصيح الوسيم، البشوش، طالب الأدب الفرنسي، الذي ترك لنا عمره معلقا في الحد الفاصل بين كوليجا و عاموده ورحل. هؤلاء والعشرات غيرهم ذهبوا حالمين بعاموده أخرى و عادت الينا صورهم، لتسكن في ذاكرة بلدتهم المتعبة، وهم عادوا الينا شهداء يسكنون في ذاكرتنا الجريحة على الدوام. ولطالما تساءلت عن سرهذا الكم الهائل من الشر، من الحقد، من جلد الذات ومن الجحود الذي يحمله بعض أبناء هذه المدينة لبعضهم الآخر. الى أن جاء الحدث الآخر في السابع والعشرين من حزيران الماضي كتحصيل حاصل لاحتقان متصاعد يعصف بشوارع هذه المدينة، التي لم تكن مهيأة لأي حدث دموي. الا أن ماحدث هو اضافة أسماء ستة شهداء، على الأقل، الى ذاكرة عاموده الجريحة أصلا. والمفارقة هذه المرة تجسدت في الطرف الذي صدر منه اطلاق الرصاص الحي والمتمثل في قوات الأسايش وفي قوات حماية الشعب التي قدمت وتقدم عشرات الشهداء في معاركها الطاحنة ضد القوى الظلامية التي تسعى الى ضم المناطق الكردية الى اماراتها الاسلامية.
الحدث بعد عام على وقوعه
ربما ظن المسؤول الذي أمر باطلاق النار، وان كنت أرجح أنه كان أمرا ارتجاليا، ذلك اليوم بأنه سيوجه ضربة قاصمة الى الخصوم والمعادين لسياسة حزبه والى المهاجمين الشرسين على هذه السياسة، الا أن من أطلق الرصاص، وقد قلت ذلك وقتها، انما أطلق النار على مستقبل المشروع السياسي لحزبه وعلى مصداقية هذا المشروع في تلك المدينة الهامة. واذا صحت مقولة المؤامرة، ان وجدت، فان اللجوء الى السلاح في مثل هذه المواقف، عدا عن أنه عمل مدان، فهو مساهمة مباشرة في انجاح هذه المؤامرة وايصالها الى تحقيق أهدافها. وبذلك يكون الخاسر الأكبر هو من اقتيد الى الفخ، وليس العكس. وهو حزب الاتحاد الديمقراطي و التشكيلات العسكرية والأمنية التي أسسها بقصد املاء الفراغ الأمني وحماية الناس من هجمات القوى الظلامية. كما أن المتابع للمشهد السالف الذكر لن يحتاج الى بذل المزيد من الجهد لرؤية هذا الاستخدام الكثيف للحدث من قبل كل من له ثأر قديم ليس مع الاتحاد الديمقراطي فحسب، بل مع العمال الكردستاني أيضا. وجاء الحدث فرصة ذهبية لهؤلاء لبيع البطولات في بازار الدم المراق باسم السياسة حينا وباسم المثقفين حينا آخر. وامتطى كل من هب ودب ظهر هذا الحدث التراجيدي لتطويعه لخدمة مشاريعهم الشخصية والحزبية، عن طريق استثمار هذا الدم الى أقصى حد. ولا زالوا يعتاشون من لعق هذه الدماء كلما دق الكوز بالجرة
السبيل الى المعالجة
ما من سبيل بالطبع الى ارجاع من استشهد الى الحياة من جديد، ولا يعني هذا عدم البحث عن حل نسبي يعيد بعض الحقوق الى أصحابها ويخفف من النتائج الكارثية لهذا الحدث المؤلم الذي كان يجب ألا يقع
ويمكننا البحث عن الحل على مستويين. أولهما المستوى القانوني، وذلك بتشكيل محكمة خاصة، مستقلة، مؤلفة من قضاة مختصين ونزيهين، بالتوافق بين أهالي الضحايا والأطراف الأخرى، لتكون محل ثقة الجميع. وتتشكل الى جانبها هيئة حكماء مؤلفة من بعض الوجوه المعروفة والخيرة من أهالي عاموده، تساعد المحكمة وتساهم في تسهيل عملها. ويقوم الطرفان بتقديم الأدلة التي بحوزتهما، وخاصة فيما يتعلق بموضوع البدء باستخدام العنف الذي يكتنفه الكثير من الغموض و التضارب في الروايات. وما ستصدر عن المحكمة من أحكام ونتائج تكون ملزمة للجميع. والمستوى الآخر، هو الجانب الأخلاقي والسياسي للمسألة وبغض النظر عن الأسباب التي أدت الى هذه النتيجة، فان المسؤولية الأساسية تقع على عاتق حزب الاتحاد الديمقراطي على اعتباره الحامل السياسي الأساسي لقوات الأسايش وقوات حماية الشعب، وهو من تصدى بشكل رئيسي الى حمل مسؤولية ادارة شؤون المنطقة وحمايتها. اذ أن الاعتراف بالمسؤولية بحد ذاته يعتبر الخطوة الأولى على طريق الحل. وبالتوازي أو قبل العمل على المستوى القانوني، ولتخفيف الاحتقان بين الأطراف يتوجب على الاتحاد الديقراطي القيام ببعض التدابير الضرورية، ومنها تحديد المسؤولين عن المسألة واحالتهم ومن معهم من المنفذين الى المحكمة الخاصة. وكذلك محاسبة المسؤولين عن منع أهالي الضحايا من اقامة مراسيم الدفن الطبيعية حينها. اعادة الاعتبارالى من فقد حياته واعتبارهم شهداء الكرد، مثلهم مثل بقية الشهداء الذين فقدوا حياتهم في المواجهات مع الظلاميين. الاعتذار الى أهالي الضحايا واعادة ما يترتب على ذلك من حقوق الى كل من أصابه الضرر جراء وقوع الحدث. وما ذكرت آنفا، لا يعفي المحرضين على التصعيد من المسؤولية الجسيمة التي يتحملونها جراء دفعهم الأمور الى ما وصلت اليه.
أمنية وختام
كنت أتمنى أن يتم احياء الذكرى السنوية الأولى لهؤلاء الشهداء من قبل جميع القوى السياسية الفاعلة على الساحة الكردية وفي مقدمتها حزب الاتحاد الديمقراطي. وأن تتحول هذه الذكرى الى خاتمة الاحتكام الى العنف والالغاء في الخلافات الكردية – الكردية. عدا عن تحولها الى مناسبة لمراجعة شاملة لحيثيات الحدث وازالة الأسباب التي أدت الى وقوع فاجعة كبيرة في مدينة صغيرة، كقلب. ويخطئ من يظن أن اهمال الأمر سيؤدي الى تجاوزه، حيث أن ترك الملف مفتوحا لن يزيد الوضع الا تأزما، وسيزيد من الاحتقان الذي يسود العلاقات الاجتماعية بين أبناء المدينة الواحدة. وهذا ما يؤدي الى مزيد من الاصطفاف السياسي المتسم بالعداء الشديد بين الأطراف. ان ترك هذا الجرح مفتوحا في خاصرة هذه المدينة لن يزيده الا ألما وتقيحا ولن يندمل لوحده، وستظل الجراثيم والذباب تعتاش عليه، طالما بقي مفتوحا. وهذا ما نشهده في هذه الأيام العصيبة.
………………………………………………………………..
أسماء الشهداء الستة
علي رنده ـ شيخموس محمد علي ـ برزاني قرنو ـ سعد عبد الباقي سيدا ـ آراس مجدل بنكو ـ نادر محمودخلو
زاوية الكاتب حليم يوسف الاسبوعية في جريدة كردستانى نو -السليمانية- المنشورة بالكردية في عدد اليوم
التعليقات مغلقة.