لقاء الأكل والسياسة في موسكو

33

النظام السوري سيناقش نفسه في هذا اللقاء، وسيخرج بتوصيات تفيد أن هذه المعارضة لا تمثل أحدا، أو البدء بمشاورات جديدة تقود نحو حل للأزمة.

عمار ديوب - كاتب
الكاتب عمار ديوب

بعد الكلام لأسابيع متتالية عن دور روسي جديد لحل الأزمة السورية، والذي سميّ مبادرة ثم لقاء تشاوريا، تمخض ذلك عن لقاء موسع مع مجموعات سورية هامشية، وبدأت اجتماعات في موسكو، ولكن دون خطة ودون برنامج للنقاش، ومقابل ذلك كثر الحديث عن وجبات طعام ومرطبات كثيرة، وربما لـ”يستسيغوا” بعضهم بعضاً؛ المهم يسود وهمٌ أن هذا الاجتماع سيكون هاما.

الموافقة الأميركية على التشاور في روسيا، جاءت باهتة قبل أسبوعٍ بقول جون كيري ندعم هذا التشاور ولكن دون أي متابعة روسية أميركية، وهذا يعني أن موافقة كيري هو مجرد كلام دبلوماسي وليس موقفاً سياسيا؛ وشكل موقف الائتلاف الوطني الرافض للقاءات موسكو حقيقة الموقف الأميركي والتركي والسعودي؛ أي أن هذا اللقاء لتمضية الوقت، ووسيلة ضغط لصالح روسيا على أميركا للبحث عن توافقات بخصوص العلاقة الروسية الأميركية المتأزمة.

أهمية لقاء كهذا تنبعُ جزئياً من المأساة الكارثية الحاصلة في سوريا، من دمار مستمر وتيارات جهادية متعاظمة، وتهجير عشرة مليون إنسان، وغياب أي أفق بحل عسكري، وكذلك تخلي أميركا وأصدقاء سوريا عن الضغط على النظام، وإعلانهم الحرب على داعش، وتؤكد المعطيات يومياً أن هناك تنسيقاً مع النظام في هذه الحرب. ولكن هذه الأهمية لا تسمح بنجاح تفاوض “الأكل”، فالنظام السوري صرّح، من قبل، أنه لا يوافق على أي حلٍّ يناقش موضوع الرئاسة، وأي معارضة لا تناقش هذه القضية بالتحديد ستسقط فوراً، والروس طبعاً سيعيدون موقفهم نفسه في جنيف، الصادر قبل عام، حيث أيّدوا النظام بحجة أن القضية الرئيسية التي تواجهها سوريا، هي الجماعات الإرهابية وضرورة تكريس كل الجهود من أجل الحرب على الإرهاب، وتأجيل الكلام عن الهيئة الانتقالية بسلطات تنفيذية كاملة كمدخل لحل الأزمة السورية، وهذا كان سبباً مركزياً في إفشال ذلك المؤتمر.

أخذ المعارضون الذاهبون إلى روسيا الوثيقة التي توصّل إليها اجتماعهم في مصر، ولكن غياب الائتلاف الوطني سيجعلها بلا أي قيمة كما قلنا آنفا. ونضيف أن كافة القوى العسكرية المقاتلة ضد النظام غير ممثلة بقوى المعارضة كذلك؛ وبالتالي فإن النظام السوري سيناقش نفسه تقريبا في هذا اللقاء، وسيخرج بتوصيات تفيد أن هذه المعارضة لا تمثل أحداً، أو البدء بمشاورات جديدة بقصد تشكيل حكومة، وهذا أكبر الآمال، تقود الوضع السوري نحو حل للأزمة. ولكن هل هذا سيحل أي شيء؟ لا قاطعة. هذا لن يكون إلا لصالح دعم النظام وتفتيت المعارضة أكثر فأكثر، لذلك فإن لعنة الفشل ترافق هذا التشاور منذ طرحه الروس.

إذا ما لم يحصل تلاق روسي أميركي مجددا، وعلى أرضية بيان جنيف، أو أن تكون الهيئة الانتقالية هي الأساس في أي مبادرة جديدة تخص سوريا، فلن يتم التوصل إلى حل. المشكلة تتعقد في أن هذا الأمر غير ممكن حالياً بين روسيا وأميركا، ولا بين أوروبا وروسيا، وذلك بسبب مشكلة أوكرانيا بشكل خاص، وبالتالي لا حل للأزمة السورية في الأمد القريب.

بقراءة السياسة الأميركية، نتبيّنُ أنها سياسة تترك المنطقة لمزيد من الاستنزاف سيما أن الثورات العربية – باستثناء تونس – تعقّد مسارها، وذهبت نحو حروب أهلية ومذهبية وقد تنفجر عرقياً كذلك بين الأكراد والعرب لاحقاً، وهناك توقعات مفادها أن هذا الاستنزاف سيندلع في مرحلة لاحقة بين الترك والإيرانيين، لكن هذا مؤجل في الوقت الحالي. يعزز هذه القراءة بقاء تنظيم داعش في العراق وسوريا وتمدده إلى أماكن جديدة في هاتين الدولتين، وأن كل انتصار على داعش يأخذ عدة أشهر، ووراء الانتصار البطيء والحرب على داعش يحصل التقارب الأميركي الإيراني، والتباعد بين الأميركان والسعودية.

السعودية ودول الخليج تجد مصلحتها المباشرة مع الأميركان، ويبدو أن الرسائل التي أرسلتها لأميركا كي تأخذ الحسابات الخليجية بعين الاعتبار لا تُعتمد، ولكن ذلك لا يوقف العلاقات تلك، فهي تتجاوز الخلاف على سوريا وعلى الموقف من إيران، فهي علاقات تاريخية ونفطية، ولن تتخلى عنها أميركا كذلك، ولكن الولايات المتحدة تريد التوصل إلى إبرام الاتفاق النووي وهي القضية الرئيسية المعنية بها حالياً، وهي الخطر المحدق بإسرائيل وبالخليج ذاته وبمصالح أميركا في المنطقة بأكملها؛ ولهذا بالتحديد، تعطي أميركا دوراً لإيران في العراق بشكل واضح، وتصمت عن سيطرة الحوثيين على اليمن، وعن قوات حزب الله في سوريا، وتتحالف معها في العراق.

أميركا تستفيد من الخلاف الإيراني السعودي على الأراضي السورية، حيث تدعم هذه الدول أطراف الصراع، ويحدث كذلك تأجّج للخلاف التركي الإيراني، ويأخذ الصراع شكلاً مذهبياً، وهذا بالضبط ما تريده أميركا؛ فهذا سيدمّر الدول وثرواتها وسيدخلها في سباق التسلح الواسع، وستكون أماكن ممتازة صالحة للاستثمار المستقبلي لشركاتها الكبرى في العالم.

تعقيد الوضع السوري في إطار تداخل هذه السياسات، يمنع حدوث انفراج سياسي، ويؤكد حدود الحل السياسي الجاري في موسكو. سيتخم المحاورون في روسيا من الأكل والمشاريب، ولكن الحصيلة ثرثرات تمحوها شمس روسيا التي تحدث عنها معاذ الخطيب يوماً، ولكن فهمه اللاحق لصقيع روسيا منعه من المشاركة في المهزلة المسماة مشاورات سورية – سورية في روسيا.

 العرب اللندنية

عمار ديوب – كاتب سوري

التعليقات مغلقة.