دهوك وسقوط ورقة – حسين بدر

29
سقوط ورقة التوت
الكاتب حسين بدر

في مقدمة رائعته الأدبية ” الخيميائي ” , يًعرف الكاتب العالمي باولو كويلو الخيميائي , بأنه الذي يعرف أسرار “الإنجاز العظيم” ويستخدمها, الأمر الذي أثار انتباهي إلى الإنجاز السياسي العظيم الذي حققه قادة الكرد في مينة دهوك ، بعد نقاشاتٍ وحواراتٍ دامت لأكثر من أسبوع , و التي تمخضت عن مولودٍ سًميّ “اتفاقية دهوك ” هذا المولود الذي أَعلن عن تأبينه في بيان ولادته المُتلفز بتاريخ 22/10/2014, و كان المؤبنون هم أنفسهم المبشرين بالولادة بُعيد عودتهم إلى الوطن, كما حصل مع أخته اتفاقية هولير التي تم التوقيع عليها بتاريخ11/6/2012 , بين المجلس الوطني الكردي و مجلس شعب غرب كردستان, حيث جاءت بمبادرةٍ مشكورة من رئيس إقليم كردستان ورعايته السيد مسعود البارزاني, وتشكلت على إثرها الهيئة الكردية العليا, مهمتها رسم السياسة العامة وقيادة الحراك الكردي في تلك المرحلة واعتماد مبدأ المناصفة في هيكلية كافة لجانها, والتوافق في اتخاذ القرارات, كما تفرعت عنها لجان عديدة؛ (خدمية , دبلوماسية ,تخصصية ) إلا أنها بقيت دون تفعيل ولم تحرك ساكناً, علماً أن هذه الاتفاقية قد لاقت ترحيباً منقطع النظير لدى أبناء الشعب الكردي، وتلبيةً لدعوة الهيئة المذكورة التي أطلقتها في أول اجتماع لها, خرجت مئات الآلاف من أبناء شعبنا الكردي عصر يوم الأحد 29/7/2012, في تظاهرات احتجاجية سلمية عمّت جميع المناطق الكردية في سورية, تعبيراً عن وحدة الموقف والصف الكرديين، و فيما بعد أُتهم آنذاك مجلس شعب غرب كردستان بالاستفراد واستغلال اسم الهيئة من طرفه دون أي اعتبار لرأي شريكه الآخر, وعدم التزامه بروح ونص الاتفاقية, مما أدى الى تعطيل عمل الهيئة ولجانها منذ أذار 2013, وكذلك أُتهم باستفراده في موضوع الدعوة الى اجتماعٍ تأسيسي لإقامة إدارة مرحلية انتقالية للمناطق الكردية والمشتركة و(التي سميت فيما بعد بالإدارة الذاتية وأعلن عنها بتاريخ 21/1/2014), والتي اعتبرها المجلس الوطني إبان الإعلان عنها بأنها غير شرعية ولا تمثله, ووجد فيها تكريساً للفرقة وإقصاء الغير المختلف عنه.

لقد كان المُلام في تعطيل ووأد اتفاقية هولير ووليدتها (الهيئة الكردية العليا), هو الشريك الآخر المتمثل بمجلس الشعب لغرب كردستان و غطائه السياسي (PYD) , ولكن الآن وبعد مضي أكثر من أربعين يوماً على توقيع اتفاقية دهوك, والتي تم التوقيع عليها أيضاً برعاية مباشرة من جناب السيد مسعود البارزاني, ومباركة كلٍّ من السليمانية وجبال قنديل , كُشِف النقاب عن الوجه الحقيقي لبعض أحزاب المجلس الوطني الكردي ومراميهم, ومدى جديتهم واستعدادهم للعمل المشترك وتحمل المسؤولية بعيداً عن خطاباتهم الممنهجة, حيث تفوح منها رائحة الكراسي النتنة التي تزكم الأنوف في زمن العولمة. مَنْ المُلام في عدم التوصل إلى تحديد أسماء ممثلي المجلس الوطني في المرجعية السياسية المتفق عليها بين الطرفين .؟! مَنْ المسؤول عن إبعاد وإقصاء ممثلي كلٍ من كوباني الصامدة وعفرين المحاصرة في هذه المرجعية ؟! مَنْ المسؤول عن إقصاء المرأة في هذه المرجعية وهي ” نصف المجتمع ومربية النصف الآخر “حسب تبجح الكثيرين من الساسة الكرد في كلماتهم الرومانسية الرنانة بمناسبة ودون مناسبة ؟!

بُعيد عودتهم الظافرة, لاحت في الأفق أطياف حربهم ( حرب الكراسي ), والتنازع على اقتسام الغنائم التي سوف تجود عليهم بها هذه المرجعية وملحقاتها في زمن الحرب ضد داعش وأخواتها، زمن دموع ثُكالى من نساء الكرد على الحدود , وآهات وعذابات النازحين واللاجئين في مخيمات اللجوء هنا وهناك ، ودخلوا في ماراثون المقايضات ومفاوضات البيع والشراء , فتشابكت الأيدي في حركة ِ مدٍ وجزرٍ للأعلى و للأسفل على غرار وسطاء البيع ( الدلال ) في سوق المواشي ( العلوة ), على مبدأ ” بتوفي .. لا ما بتوفي معي “وكأن القضية سلعة تًباع وتشترى بمفهوم ميزان الربح والخسارة, ودون أي اعتبار لمشاعر ومصلحة الملايين من الكرد المعذبين المترقبين على أحر من الجمر، كل هذا يثير مشاعر الامتعاض الممزوج بالمخاوف الجدية لدى الشارع الكردي, إن مسيرة الأربعين يوماُ من الانتظار دون جدوى بعد التوقيع على اتفاقية دهوك أسقطت ورقة التوت عن قادة الأحزاب الكردية, وكشفت القناع عن المستور وعن عورتها السياسية الحزبوية الضيقة.

 

 

 

التعليقات مغلقة.