مَن الذين لم ينقذوا كوباني؟ داريوس الدرويش

42

للإجابةkobanê_ عن السؤال أعلاه، لا بدّ من تحديد العوامل التي ساهمت في إنقاذ كوباني، وهي معروفة للجميع بقدر ما. يمكن اعتبار اتّفاق دهوك ومقاومة مقاتلي وحدات حماية الشعب عاملين محوريّين تدور حولهما باقي العوامل، ومنها عمليّات الدعم الجويّة الغربيّة للمدينة والمناصرة الإعلامية والدعم الإغاثي لها… الخ. هذان المحوران يعتمد أحدهما على الآخر، فلو سقطت المدينة من دون مقاومة، وبالتالي من دون إعطاء الوقت الكافي لإتمام الاتّفاقات السياسيّة، لما كان هناك وجود للعوامل الأخرى، وذلك لانتفاء الموضوع (ما يُتّفَق عليه). وأيضاً لو لم يُنجز اتّفاق دهوك (أو وعود بإنجازه من جانب حزب الاتحاد الديمقراطي للأميركيين في باريس) لكان من العبث الاستمرار في المقاومة من دون أسلحة متطوّرة توازي ما لدى «داعش»، أو على الأقل ذخيرة كافية لاستمرار المقاومة، وذلك بسبب الحصار المفروض من «داعش» على ثلاث جهات، ومن تركيا على الجهة الرابعة. أضف أنّ التغطية الإعلامية المكثّفة وزيادة الوعي المرافق لها ساهمتا في إحراج الأطراف الكرديّة في دهوك ودفعها للاتّفاق، وإلى خلق المبرّر الشعبي لقوى التحالف لتوجيه «أموال دافعي الضرائب» إلى كوباني ومساعدتها.
من وراء الكواليس، يمكن الحديث عن شعور مسؤول بالخطر على سقوط كوباني من جانب حزب الاتحاد الديمقراطي الذي عقد لقاءات في باريس مع الخارجية الأميركية سبقت مفاوضات دهوك وعمليّات إسقاط الأسلحة من الطائرات الأميركيّة للمقاتلين في كوباني. تُرجم هذا الموقف عمليّاً إمداداً للمقاتلين في كوباني بالإغاثة العسكريّة أوّلاً، ومن ثمّ بالمدفعيّة الثقيلة التي نقلت المعركة من مرحلة تقاوم فيها سقوط المدينة بيد «داعش» إلى إحراز تقدّم عسكري على الجبهات فيها، أضف أنّ قبول (أو طلب) البارزاني التدخّل الأميركي في كوباني كان محوريّاً في إنجازها، ومن الممكن القول، بناءً على توجّهات السياسة الأميركيّة تجاه الكرد، إنّه لولاها لما حصل التدخّل أساساً.
لكن، وفي شكل غريب، من الممكن استثناء طرفي اتّفاق دهوك المباشرين من هذه العوامل، والمقصود هنا «المجلس الوطني الكردي» و «حركة المجتمع الديمقراطي». فالمجلس الوطني، وإن كان طرفاً موقّعاً على الاتّفاق، فالمجريات اللاحقة له لا توحي بأنّه طرف فعلي فيه، بل يمكننا الذهاب أبعد، حيث لم يعد يبدو حتّى حليفاً للبارزاني (كما كان يُنظر إليه سابقاً). فاختيار إقليم كردستان عدم إرسال «بيشمركه روجآفا» على رغم توافرها كخيار، وهي قوّات كرديّة سوريّة جرى تدريبها وتسليحها في كردستان العراق، والاكتفاء بإرسال قوّات كرديّة عراقيّة، يعني في ما يعنيه، أنّ النتيجة هي استثناء للمجلس من التمثيل العسكري ضمن القوّات المقاتلة في كوباني وربّما من التمثيل السياسي لاحقاً، ويعني أيضاً أنّ مشاركته المتوقّعة في الجهود العسكريّة كنتيجة لاتّفاق دهوك لم تحصل، بل استعيض عنها بمشاركة إقليم كردستان في هذه الجهود. هذا الاستثناء شامل لكل الأحزاب المنضويّة في هذا المجلس، اللهمّ إلا إذا تم تعيين بعض الأحزاب وكلاء كرداً سوريّين عن كردستان العراق في «الإدارة الذاتيّة».
تبدو «حركة المجتمع الديمقراطي» أيضاً خارجة عن امكانيّة اعتبارها من العوامل المساعدة في إنقاذ كوباني، إن لم تُصنّف ضمن العوامل المحبطة للإنقاذ. التصريحات التي أطلقها الرئيس المشترك للحركة في الأيّام الماضيّة، والتي تنصّل فيها من المسؤوليّة عن قبول قوّة عسكريّة من المجلس الوطني الكردي في كوباني وتحميله المسؤوليّة عن حكومة المدينة، وكأنّه ليس الطرف المنفرد بتشكيل تلك الحكومة المستهدفة بالشراكة في الاتّفاق، لا توحي أنّ صاحبها سيسهّل عمل الآليات المؤسّسة في دهوك، وتُظهر كذلك عدم قبوله بالشراكة السياسيّة المتساوية التي يطرحها الاتّفاق. وهي دعوة للعودة إلى المربّع الأوّل حين كان المجلس أساساً يلعب (نظريّاً) دور المعارضة للإدارة الذاتيّة وأسلوب حكمها.
كذلك، فإنّ تعامل الأسايش (جهاز الأمن في مناطق الإدارة الذاتيّة والتابع عمليّاً للحركة نفسها) عبر اعتقال أعضاء أحزاب كرديّة منضويّة في المجلس الوطني الكردي بعد الاتّفاق، والاحتفاظ بمن جرى اعتقالهم سياسيّاً قبل الاتّفاق، يعطي دلالة أكثر حدّة على محاولات إفشاله على رغم توقّع النتائج المحتملة الناجمة عن هذا الإفشال، والتي قد تصل إلى خسارة كوباني عبر انقطاع الدعم عنها.
ما بين ضعف وعطالة أحدهما وتبجّح الآخر بقوّته، تتعرّض الجهود الرامية لمقاومة «داعش» في شكل عام، وبالأخص في كوباني، للخطر. فالطرفان يستندان إلى القراءة السلبيّة (غير الفاعلة) لواقع أنّ الحرب في كوباني قد تستغرق سنوات باعتبارها حرباً ضمن الاستراتيجيّة الأميركيّة ضدّ «داعش»، والاطمئنان المبالغ به إلى أنّ الغرب لن يسمح بسقوط المدينة مهما كانت أوضاع الديمقراطيّة والمشاركة السياسيّة في الداخل.

عن الحياة

التعليقات مغلقة.