سوريا بعد عشرة أشهر من سقوط الأسد: الاستفراد بالسلطة يهدد البلاد من جديد

36

د. عبدالكريم عمر

 

مرّت عشرة أشهر منذ سقوط نظام بشار الأسد، الحدث الذي اعتبره الكثيرون بداية لمرحلة جديدة في تاريخ سوريا الحديث، مرحلة تُبنى على قيم العدالة والمواطنة والشراكة الوطنية بعد عقود من القمع والاستبداد.

 

لكن الواقع بعد أشهر من التغيير كشف عن تحديات عميقة، ليس أقلها أن السلطة المؤقتة التي تولت زمام الأمور بدأت في إعادة إنتاج أنماط الحكم الأحادية، مما يهدد بانهيار ما تبقى من أمل في بناء سوريا مستقرة وموحّدة.

 

منذ الأيام الأولى لسقوط النظام، بدأت السلطة المؤقتة باتخاذ إجراءات أحادية الجانب، اعتبارا من مؤتمر النصر الى مايسمى بالمؤتمر الوطني مرورا بالاعلان الدستوري ومن ثم الحكومة المؤقتة واختتمت بما يسمى انتخابات مجلس الشعب، دون أي مشاورات واسعة مع القوى السياسية والمجتمعية الفاعلة. لم تُفتح قنوات جدية للحوار الوطني، ولم تُشكل مؤسسات حكم تشاركية تعكس التعدد السوري. وبدلاً من إطلاق مسار تأسيسي شامل، اختارت هذه السلطة السيطرة المركزية والإقصاء التدريجي ، وهو ما فتح الباب لأزمات متتالية.

 

إن الإجراءات الانفرادية التي مارستها السلطة المؤقتة كانت الشرارة التي أدت إلى موجة من التوترات والانتهاكات. ففي الساحل السوري، وقعت مجازر مروعة بحق مدنيين، وُثقت على نطاق واسع، ويُعتقد أن دوافعها كانت انتقامية أو تهدف إلى فرض السيطرة بالقوة، مما عمق الجراح بدل مداواتها.

 

أما في السويداء، فقد شهدت المحافظة انتهاكات خطيرة، وتضييقا على النشاط المدني والسياسي. ورغم أن أهالي السويداء لعبوا دورًا مهمًا في النضال ضد النظام السابق، إلا أنهم وجدوا أنفسهم مستبعدين ومتهمين بـ”التمرد” لمجرد مطالبتهم بحقوقهم وشكل من أشكال الإدارة الذاتية التي تحترم خصوصية مجتمعهم.

 

إذا استمرت السلطة المؤقتة في رفضها لمبدأ الشراكة، فإن خطر المواجهة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يصبح أكثر من مجرد احتمال. فالمناطق التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ترفض منطق الإقصاء، وتتمسك بالديمقراطية  ونموذج اللامركزية التشاركية. وأي محاولة لفرض سلطة مركزية جديدة على هذه المناطق دون توافق، قد تؤدي إلى انفجار عسكري جديد، يُدخل البلاد في دوامة صراع لانهاية له.

 

إن أخطر ما تواجهه سوريا اليوم هي العقلية التي تدير بها السلطة المؤقتة البلاد. الاستقرار لا يمكن أن يتحقق من دون الاعتراف الحقيقي بالتعدد السوري، وبتوزيع السلطة على أسس عادلة، وبالقبول بمبدأ الشراكة لا السيطرة. فمشكلة هذه السلطة لا تكمن فقط في قراراتها، بل في بنيتها الذهنية التي ترى في كل اختلاف تهديداً، وفي كل دعوة للمشاركة محاولة انقلاب.

إن إعادة إنتاج الاستبداد بشكل جديد، حتى لو كان تحت شعارات الثورة، لن يؤدي إلا إلى نتائج كارثية. والتاريخ السوري، القريب والبعيد، مليء بالشواهد على أن من يحكم البلاد دون تفويض شعبي وشراكة وطنية، لا يدوم طويلاً، ولا يبني سوى جدران الانقسام.

 

 

التعليقات مغلقة.