قامشلو: عودة العمل بشكل كبير في سوق صناعة وتجهيز المونة الشتوية
يعد تحضير المونة الشتوية جزءاً من التراث الشعبي ومن أقدم العادات والتقاليد المتوارثة في “الشرق الأوسط” و”سوريا”، وفي روجآفا “مناطق شمال وشرق سوريا”، وكانت تُحضّر على مدى قرون طويلة كمصدر غذاء صحي للأهالي، والاكتفاء بكل ما قد يحتاجونه في موسم الشتاء، وتشمل هذه المؤَن مجموعة متنوعة وكبيرة مثل: “الأجبان، المربيات، المخللات، المكدوس، الزيتون، الباميا، الملوخية، دبس الفليفلة، ودبس البندورة”.
وخلال سنوات الأزمة السورية، والخناق الاقتصادي في سوريا، وفي روجآفا مناطق “شمال وشرق سوريا” بشكل خاص، أصبحت القدرة على تجهيز المونة الشتوية تتلاشى بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى الأهالي، والتي كانت سابقاً جزءاً أصيلاً من عاداتهم وثقافتهم.
إلا أن هناك من وجده مصدر رزق يمكن الاعتماد عليه في ظل الظروف المعيشية الصعبة، عن طريق تحضير هذه المونة في البيت ومن ثم بيعها في الأسواق والمحال التجارية المتنوعة أو عبر طلبيات خاصة للزبائن.
السيدة “حليمة محمد” 55 عام من سكان حي هيمو في مدينة قامشلو، تعمل في مجال تحضير المونة المنزلية منذ حوالي أربعة عقود، وتعد إحدى النساء اللاتي حافظن على هذا التقليد السنوي، والتي ورثتها من الأمهات والجدات وتمسكت بها إلى اليوم.
وتحدثت السيدة “حليمة” لموقعنا Buyerpress الإلكتروني، أن تحضير المونة بالنسبة لها هواية أكثر من كونه عمل، وتقول: “بكل الأحوال هو شاق، أحرص على التفاصيل الصغيرة من الإعداد والتحضير والتجهيز وصولاً للمرحلة النهائية، كل هذا بسبب شغفي وحبي الكبير لهذا العمل”.
وترى حليمة، أن عملية التحضير تتطلب جهدا ووقتا ومراقبة، وخلال السنوات الأخيرة، أصبح الإقبال على منتجاتها كبيراً وتجد صعوبة في التوفيق بين عمل “البيت” والعمل في تجهيز “المونة”، مشيرة إلى أن معظم زبائنها من الطبقة الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود.
ولفتت “حليمة” إلى أن هذا العام، لديها إقبال جيد على المربيات بأنواعها المختلفة ودبس الفليفلة والبندورة.
وبالنسبة للأسعار فتقول حليمة: “تختلف الأسعار بحسب نوعية الطلب، أسعاري مناسبة جداً لأصحاب الدخل المحدود، وأقل أيضاً مقارنة بأسعار السوق، فمثلاً ثمن الكيلو الواحد من مربى المشمش لدي بـ 25 ألف ل.س، الكيلو الواحد من مربى الباذنجان بـ 20 ألف، والكيلو الواحد من مربى الورد بـ 35 ألف.
أما أسعار المونة الأساسية مثل معجون الفليفلة “المحمرة” فتبيعه حليمة بـ 25 ألف ل.س، والكيلو الواحد من دبس البندورة بـ 15 ألف ل.س.
وتُرجع السيدة حليمة ارتفاع الأسعار إلى موجات الجفاف التي أثرت على توفر كمية الفاكهة والخضار في المنطقة بشكل عام، مما أدى إلى نقص كمية الإنتاج، ورغم ذلك تمارس “حليمة” عملها، ولا تحتاج لعرض بضاعتها في أي مكان، فهي تعمل بحسب الطلب ولديها زبائن معروفون.
كما تعتبر أن هذا العمل مصدر رزق لها ولأطفالها، وتوفر الدعم المادي لأسرتها في ظل التحديات الاقتصادية الصعبة التي تعانيها المنطقة.
وختاماً، أكدت السيدة حليمة بأن مئات السيدات يعملن في صناعة وتجهيز المونة الشتوية بغرض البيع، وتقول عن نفسها بأنها باتت خبيرة في كل أصناف المونة، وساعدها على ذلك وجود الوسائل الحديثة في تسهيل عمليات التحضير، فمثلاً امتلاكها لآلات الطحن الكهربائية بدلاً من الطريقة اليدوية سهل لها العمل كثيرا، ومع ذلك معظم الأهالي يفضلون تناول الأطعمة المحضرة منزلياً ويدوياً نظراً لجودتها ونظافتها.
وتظل المونة ركناً أساسياً في حياة مواطني روجآفا “شمال وشرق سوريا”، حيث تحرص المرأة على تحضيرها مسبقاً خلال فصل الخريف استعدادا لفصل الشتاء، إلا أن التدهور الاقتصادي وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، دفع الكثير من العائلات إلى الاستغناء عنها أو تقليل كمياتها لتبقى المونة شاهدا على تراث غني يواجه تحديات البقاء.
التعليقات مغلقة.