زعماء الكرد قبل 1919 وأمثالهم الآن .. هل من مدَّكر .!؟

26

خليل مصطفى

عـُقد مؤتمر السلام ( الصلح ) في باريس يوم 18 / 1 / 1919 بعد الحرب العالمية الأولى، تلبية لرغبة الدول المنتصرة (أمريكا وفرنسا وبريطانيا) بغرض توزيع الغنائم. حضره ممثلو 32 دولة شاركت في الحرب، بينما غابت عنه الدول الخاسرة وكذلك الدول التي لم تدخل أو لم تساهم في الحرب. وخلال المؤتمر أعلن الرئيس الأمريكي (ويلسن) عن مبادئه الـ (14)، وأرفقها باقتراح إنشاء جمعيِّة دولية، سُميت فيما بعد باسم عصبة الأمم. أجمعت الدول المشاركة فيه على اقتراح الرئيس الأمريكي ويلسون، بهدف قطع دابر العداء والحروب بين الدول، ولإرساء قواعد التفاهم بلغة الحوار والمنطق بين الشعوب، لتثبيت الأمن والسلام، اتفق المؤتمرون لتكون مدينة جنيف السُّويسريِّة مقراً لعصبة الأمم.
وبالنسبة للكرد فقد تعلقت آمالهم بنتائِج المؤتمر وبدء تحركهم، وبما أنه لم يكن للكرد دولة أو حكومة، ولم تنبري أية دولة لدعمهم, لم يسمح لممثليهم الانضمام إلى المؤتمر، بل شارك بشكل غير رسمي وفد كردي صغير ترأسه الجنرال شريف باشا. والأسباب: لم يكن للكرد قيادات عشائرية أو سياسية أو منظمات، تدرك معاني الإخلاص لقضيتهم (المصالح العليا للقضية الكردية)، بل إنها (القيادات) لم تحاول التعرف على أساليب التحاور مع الدول الكبرى، فأمراءهم وقياداتهم كانوا في حالة تصارع (سلمي ودموي) للاستحواذ على ألقاب الزعامة)، وعليه لم يكونوا على درجة من الوفاق أو التوحد طيلة الأعوام الـ 4 للحرب العالمية الأولى. بل كانوا يتوهمون بأن الدول الأوروبية والغربية ستأتي إليهم لتحاورهم .!
حديثاً ومنذ بداية انتفاضة آذار قامشلو 2004 توجه بعض من النخب الكردية المثقفة – وأنا منهم – لرموز وقادة الأحزاب الكردية السورية عبر نداءاتهم  المقروءة والمسموعة ، يطالبون بلم الشمل وتوحيد المواقف ودمج الأحزاب، ولكن ردود الرموز والقادة ( المؤمنين بالديمقراطية وحرية النضال) أسكتت المطالبين، وجعلت غالبية أصحاب النداءات ( بعد آذار سورية 2011 ) تهاجر أرض الوطن، تاركة الساحة للزعامات وأتباعهم المثقفين الذين كانوا نائمين خلال انتفاضة آذار قامشلو.! وطيلة الصراع الدائر ولا زال في الداخل السوري، لم تهدأ أصوات مثقفي الكرد الداعية لتوحيد صفوف العاملين على تحقيق المصالح العليا للكرد، ولكن لم تكن للمنادين آذان تسمع وعيون تقرأ.!
وبالعودة للزعامات والقيادات الكردية (أثناء الحرب العالمية الأولى) فأولئك كانوا متوهمون أن الدول الأوروبية آتية إليهم لتحاورهم، وتعطيهم حقوقهم (مجاناً), وزعماء كرد سوريا المعاصرون، وهم في معمعة الحرب الدائرة حالياً يحلم كل منهم بالذِّهاب وحده للجلوس مع أي ممثل للدول الكبرى, دون اتفاق مسبق مع أقرانه الآخرين (بمِنْ فيهم الشرائح المستقلة)، على مطالب الكرد الاستراتيجيِّة، للجلوس حول طاولة المفاوضات مع الأطراف السورية الأخرى.
وللعلم, فأن الدول الكبرى تودّ رؤية كرد سوريا يحضروا المفاوضات ككتلة واحدة، ليطالبوا علناً ممثلي كافة أطراف المعارضة والحكومة السوريين العرب بالاعتراف دستورياً بحقوقهم ككرد في سوريا، ويتم توقيعهم على الاعتراف بحضور ممثلين عن الدول الإقليمية والكبرى. ولكن المؤسف أن الزعامات في الأحزاب الكردية السورية، لا تزال تعشق الحرية والديمقراطية نظرياً، إلا أنها عملياً لا تزال تمارس وتنفذ فيما بينها لعبة التنابذ والتصارع.!؟
أخيراً ما يظهره علناً زعماء كرد سوريا المعاصرة، أنهم وبأساليب حديثة يكررون حالة أسلافهم (أعوام الحرب 1914 ــ 1918)، مع فارق جد كبير أنهم ينتمون للنخب المتعلمة، ويزعمون بأنهم ملوك الإبداع الفكري، ورواد محنكون في السياسية. بينما هم في الحقيقة الواقعية صور فوتوكوبية عن أسلافهم من زعامات الماضي. والدليل عدم مبالاتهم بحالة تشتتهم وتنافرهم، وتنافسهم التكالبي لقنص امتيازات المراكز والمناصب، ليتمتعوا بملذات الحياة وكأنهم سيعيشون أبداً. أمَّا المصالِح العُليا للكرد فهي في قاع أولويات نشاطاتهم العلنية والسرية.
مصيبة الكرد السوريين تكمن إذاً في قادتهم وزعاماتهم, فصور زعمائهم وقادتهم قبل مؤتمر الصلح ( السلام ). نراها اليوم فهل مِنْ مُدَّكِرْ.!؟

خليل مصطفى /قامشلو

مع كل المقالات

التعليقات مغلقة.