لماذا كوباني… وليس نحن!/ هوشنك أوسي
هزّت مقاومة المقاتلات والمقاتلين الكرد في كوباني العالم، نتيجة صمودهم لأكثر من شهر أمام هجوم تنظيم «داعش» الإرهابي، وشغلت هذه المقاومة الرأي العام العالمي، وتابعتها أغلب قنوات التلفزة والصحف الغربيّة في أميركا وأوروبا، وأثارت اهتمام كتّاب الأعمدة والمحللين والخبراء. وفي الوقت عينه، ركّزت تركيا ورئيسها، بالتعاون مع «الائتلاف السوري لقوى المعارضة» وقطاع واسع من الإعلام العربي، على مسألة التشكيك في مقاومة كوباني، واجترار أسطوانة «المؤامرة»، عبر طرح سؤال: «لماذا كل هذا الاهتمام بكوباني وتجاهل المدن السوريّة الأخرى؟!. لماذا تسليح المقاتلين الكرد، وليس الجيش الحرّ؟»، وصولاً إلى استنتاجات وأحكام ما أنزل الله بها من سلطان.
وفي سياق هذه الحملة المحمومة، تجهبذَ الكثير من المثقفين والإعلاميين العرب، في مسألة «الطعن» بصدقيّة المقاومة الكرديّة، ليس فقط في مواقع عملهم، بل بإغراق صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بمواد وآراء، من هذه القماشة. كما نحى بعض قيادات «الائتلاف» السوري، هذا المنحى، لدرجة أن ممثلهم في تركيا انزلق به الحال في برنامج حواري مشترك، على قناة «الجزيرة»، فقال: «إن أميركا، عبر تسليحها للمقاتلين الكرد، تحاول تشكيل حوثيين جدد في شمال سورية»!.
ومع وجود استثناءات قليلة، يمكن القول: إن مجمل المقالات والتحليلات والبرامج الحواريّة العربيّة، أثناء تناولها حدث كوباني، لم تكتفِ بمغازلة ذهنيّة «المؤامرة» على العرب والمسلمين والسنّة والثورة السوريّة وحسب، بل انزلق إلى التضليل عبر تشويه الحدث الكوباني الكردي السوري، والتقليل من أهمّيته!. واشتعلت حميّة فانتازيا التحليل لدى هؤلاء إلى الحدود القصوى، في انسجام وتماهٍ مع الخطاب السياسي التركي، الرامي إلى التعمية على ضلوع وتورّط أنقرة في دعم «داعش» الإرهابي، عبر إثارة البلبلة والغبار على مقاومة كوباني!.
تحتجّ تركيا ومعها «الائتلاف» السوري، على الاهتمام بكوباني، باعتبارها «خاوية من المدنيين، وأهلها نزحوا إلى تركيا»، ويتغافل أو يتعامى هؤلاء عن وجود مئات المدنيين الذين ما زالوا فيها!. وإذا افترضنا جدلاً أن المدنية خاوية من المدنيين، فهل هذا يجيز إبادة نحو 3000 مقاتلة ومقاتل كردي، متحصّنين في كوباني ويدافعون عنها، على أيدي «داعش»؟!. أوليس هؤلاء بشراً ينبغي إنقاذهم؟! أم أن من مصلحة تركيا وأعوانها في المعارضة السوريّة إبادة هذه القوّة العسكريّة الكرديّة، عن بكرة أبيها، خشية أن يترتّب على انتصارها في كوباني نتائج سياسيّة ذات أبعاد محليّة وإقليميّة ودوليّة، لمصلحة كرد سورية؟!.
يمكن الإجابة عن تساؤل: لماذا كوباني؟ بالأفكار التالية:
1 – القلق الأميركي من وصول الأسلحة إلى «داعش»، مشروع وله ما يبرره. ذلك أنه لا يوجد كيان عسكري، موحّد، منضبط، خاضع لقيادة ثابتة وواضحة، لدى المعارضة السوريّة، يمكن مساءلتها أو مخاطبتها. فـ»الجيش الحرّ» اسم مجازي لمجموعات وميليشيات إسلاميّة مسلّحة، لا يمكن أحداً أن يحصي عددها وأسماء كتائبها وتباين ولاءاتها. فتسمية «جيش»، إذاً، لا تنطبق، كمفهوم عسكري، على مجموعة الكتائب الإسلاميّة المنقسمة على نفسها، التي تطلق على نفسها «الجيش الحر». بينما وحدات الحماية الشعبيّة الكرديّة (YPG) معروفة التنظيم والقيادة، وشديدة الالتزام والانضباط، وهي أقرب إلى الهيكلة العسكرية، على رغم أن تسميتها لا توحي بذلك. بالنتيجة. وبالتالي ما دام أن الأسلحة الأميركيّة التي في حوزة الجيش العراقي، الممتلك للقيادة، قد وصلت إلى يد «داعش»، فمن يضمن عدم وصولها إلى هذا التنظيم الإرهابي، في حال تم تزويد «الجيش الحرّ» بها؟!.
2 – تنظيم «داعش»، حين احتل الرقّة وإدلب وريف حلب…، ارتكب تلك المجازر المروّعة التي ارتكبها بحقّ الإيزيديين الكرد وعشيرة الشعيطات العربيّة في دير الزور، كما «حظي» بحاضنة شعبيّة لن يحظى بها في كوباني. وهذا كله يجعل المدينة الكرديّة السوريّة معرّضة لإبادة جماعيّة من قبل «داعش». وبالتالي، لا الأتراك و»الائتلاف» ولا «الجيش الحرّ» يمكنهم ضمان عدم ارتكاب مجازر في كوباني!.
3 – «داعش» لم تهبط من السماء، بل كانت لها بدايات مهّدت لبلورتها، منذ مطالع الثورة السوريّة. وقد أتيت على ذكر بعض هذه الإرهاصات في مقال نشرته «الحياة» يوم 4/10/2012، بعنوان «مخاطر أخونة الثورة». وهذا من دون أن ننسى اعتراض «الائتلاف» على إدراج واشنطن «جبهة النصرة» على لائحة المنظمات الإرهابيّة، بحجّة أنها تقاتل نظام الأسد، وأنها جزء من «الجيش الحر»، ما شكّل مفاجأة وصدمة للسوريين والغرب، وقدّم هديّة عظمى لنظام الأسد، كي يؤكد ويوثّق للعالم زعم ادعاءاته بأن بديله هو تنظيم «القاعدة»، وأن «الإرهاب التكفيري» هو المعارضة، وبالعكس!.
4 – لا سيما بعد المجازر بحق الايزيديين، تتركّز الأضواء على الأقليّات القوميّة والدينيّة في الشرق الأوسط، التي كانت دوماً محط قمع واضطهاد، من الأغلبيّات القوميّة أو الدينيّة الحاكمة. فالسلطنة العثمانيّة سحقت العلويين والكرد والأرمن والسريان…، باسم الدين والقوميّة السيّدة. وكذلك فعل نظام صدّام، إذ نسب مذابحه بحق الشيعة والكرد إلى حماية العروبة والطائفة السنّيّة الحاكمة. ونظام الأسدين الأب والابن ورّط الطائفة العلويّة في قمعها للشعب السوري، وقد وقفت الطائفة السنيّة في حلب ودمشق إلى جانب هذا النظام نتيجة تشابك المصالح، قبل وبعد الثورة. وبالتالي، فكوباني الكرديّة، المقموعة في نظام الأسدين، والمهمّشة من المعارضة السوريّة، من الطبيعي أن تثير قلق العالم. وبالمعنى ذاته، لو كان هجوم «داعش» يستهدف محافظة السويداء السوريّة، لكان العالم وقف إلى جانب هذه المحافظة، ذات الغالبية الدرزيّة.
5 – لا الجيش الأسدي ولا «الجيش الحرّ» ولا الجيش العراقي صمد في وجه داعش لمدّة أيّام. بينما المقاتلات الكرديّات والمقاتلون الكرد، استطاعوا المقاومة والصمود، على رغم ترسانة الأسلحة والمفخخات والانتحاريين التي يمتلكها تنظيم «داعش». وعلى رغم ما سلف، يبقى التوكيد قائماً على ضرورة تسليح الكتائب المعتدلة من «الجيش الحر»، أو قيام واشنطن بتشكيل «جيش حر» بمعزل عن محور تركيا – قطر، ومنع أي تأثير لهذا المحور عليه، بحيث لا تكون قيادته ومقرّاته ضمن الأراضي التركيّة.
وفي تقديري أن الكرد السوريين ومقاتليهم ليسوا مسؤولين عن عدم تسليح الغرب «الجيش الحرّ». وليسوا مسؤولين عن فشل «الائتلاف» في إقناع العالم بضرورة التدخّل العسكري لإسقاط الأسد. وهم بالتالي لن يرفضوا تسلحيهم وتقديم العون والمساعدة لهم، ريثما يتم تسليح «الجيش الحرّ»!. وإذا كانت أنقرة حريصة، إلى هذه الدرجة على تسليح المعارضة السوريّة، وتريد إسقاط نظام الأسد، فلتفتح مخازن أسلحتها لـ»الجيش الحرّ»، بمنأى عن رغبة واشنطن والناتو!. وإلاّ، فإن رفض تركيا الاهتمام الدولي بكوباني و»تجاهل» المدن السوريّة الأخرى، كما تزعم، هو كلمة حق يراد به باطل، ومؤشّر جديد يضاف إلى المؤشرات السابقة، على ضلوع أنقرة في الهجوم على هذه المدينة الكرديّة السوريّة!.
عن الحياة
التعليقات مغلقة.