لمن تقرع الأجراس

25

 ابراهيم خليل

 

 

 

 

 

 

إبراهيم خليل

“داعش”, وهي اختصار على الطريقة الغربية لمسمى ” الدولة الإسلامية في العراق والشام “, آخر صرعة ظهرت حتى اليوم في عالم الإرهاب وهي الجيل الأخير والمحسّن من مجاهدي الفتوحات الإسلامية جماعة ” لا حكم إلا لله “.

تحارب هذه المنظمة الناشئة والقوية أكثر من دولة وعلى أكثر من جبهة مزودة بسلاح حديث وعقيدة قديمة وها هي بعد أن فتحت الرقة ودير الزور السوريتين عبرت الحدود يوم 9 / 6 / 2014 لتستولي بطرية خاطفة وغريبة على الموصل ثاني أكبر مدينة في العراق وتلاحق فلول ستين ألف ( مقاتل ) من قوات المالكي فروا من أمامها, ثم لتتزود ببترولها وسلاحها وتباشر حملتها الإيمانية التالية وهي تحرير إقليمي كوردستان في العراق وسوريا من ( الكرد المرتدين وعبدة الشيطان ).

أدار أمير المؤمنين الجديد “أبو بكر البغدادي” عجلة التاريخ من جديد, وهاجم جبل سنجار وأقضية زمار وربيعة وجلولاء وأخيراً كوباني برجال يحبون الموت كما نحب الحياة وشعاره هو ذاته الشعار الثالوثي القديم ( الإسلام أو الجزية أو القتل ) في كل مكان يحتله, وليذهب إلى الجحيم أربعة عشر قرناً من التطور البشري الفكري والمادي الذي يستنكره البغدادي ومع ذلك يستغل ويستثمر منتجاته العلمية والتقنية في حربه المقدسة.

في جميع المدن والقرى التي دخلتها هذه المنظمة قبيحة الاسم قتلت ونحرت وسبت وهجّرت وهتكت الأعراض بطريقة يبدو معها هولاكو حمامة مغولية وهتلر فراشة جرمانية. ضحاياها هم جميع المسلمين اللا داعشيين دون استثناء بالإضافة إلى كل بائس خلقه الله مسيحياً أو إيزيدياً أو صابئياً لأن الحكم في النهاية لله, والله قد أمر في نسخة منقحة من القرآن – لا توجد إلا في حوزة البغدادي – أن تطهر الأرض من رجس جميع الآخرين ولا يبقى على سطحها من بشر سوى الدواعش الأطهار المطهرين حملة الرسالة المحمدية.

وليست ببعيدة عن ذاكرتنا المحلية حوادث تفجير محلات الكرد والمسيحيين في الحسكة وآخرها حين قام أحد الدواعش الغيارى الذين أوكل الله إليهم هداية عباده ونشر دينه في الأرض – وبمناسبة أن الدنيا كانت رمضان والناس كانت صائمة – بوضع عبوة ناسفة في محل خاص ببيع المشروبات الروحية بجوار تجمع سرافيس النقل الداخلي في شارع الخابور, وكانت حصيلة القتلى في هذه العملية الجهادية آنذاك رجلين وامرأة مسلمة بالإضافة إلى سقوط عدد من الجرحى وبث حالة من الذعر بين الأهالي.

وباعتبار أن الجهادي الداعشي لم يكن من المجاهدين بالنفس “انتحارياً ” فقد لاذ بالفرار على دراجته النارية مفوتاً على نفسه أجر الشهادة في سبيل الله ولا مبالياً بالضحايا واليتامى والثكالى الذين خلفهم وراءه, وكل ما همه في الموضوع أنه لقن بائع الخمر المسيحي العجوز درساً لن ينساه المسكين حتى في قبره.

طبعاً – ومن باب العلم بالشيء فقط – ليس في القرآن كله من الجلدة إلى الجلدة ولا في الحديث النبوي من البخاري إلى عمرو خالد ما يبشر باستخلاف البغدادي في القرن العشرين ولا ما يشرعن عملية همجية كهذه وغاية ما أمر به الله المسلمين في كتابه بالنسبة للخمر هو ” الاجتناب ” وهي كلمة متسامحة تعني نهي المسلم الورع عن شرب الخمر ولا تعني قتل شاربها أو تدمير محله حتى وفق أشد التأويلات تطرفاً.

إن استهداف الإيزيديين في سنجار والمسيحيين في الحسكة والموصل ودفعهم إلى الهجرة بهذه الصورة المخزية بحجة أنهم لا يشهدون الشهادتين ولا يصومون رمضان ولا يتوجهون للقبلة ويشربون الخمور ويكشفون عن النحور وصمة عار في جبيننا جميعاً, وإذا أجزناها اليوم فسنجيز غداً استهداف شاربي الدخان والمتة والشاي والزنجبيل والكوكاكولا لنتحول إلى أمة من الرهائن ويصح فينا قول القائل : ” إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض ” ولكن بعد فوات الأوان.

المعركة اليوم معركة مصير وليس لأحد أن ينأى بنفسه عنها تحت ذرائع الاختلاف السياسي والأيديولوجي أو حتى القومي والديني لأن طوفان التطرف الديني الجارف والأعمى لن يوفر أحداً… إنه جرس إنذار فليسمع كل ذي أذنين.

التعليقات مغلقة.