سوريا المنسية… هذا حالها
سوريا التي كان يقال إنها “منسية”، تمر حاليا بالكثير من التطورات التي يمكن الربط بينها وإن لم تكن العلاقة مباشرة.
بداية، تمر سوريا، أو بالتحديد مناطق سيطرة الحكومة، بسلسلة تطورات بعضها يحصل لأول مرة؛ فهناك تدهور غير مسبوق في الأوضاع الاقتصادية السورية؛ حيث رفعت الحكومة الدعم عن الكثير من المواد المعيشية، أو معظمها. وانهار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي لقعر جديد. الرئيس بشار الأسد رفع أو ضاعف الرواتب، لكن التضخم أكل كل الزيادة، فاتسع هامش المتضررين وانخفضت شريحة إضافية إلى خط الفقر الذي كان سلفا يشمل أكثر من 90 في المئة من السوريين. كما جمعت المعاناة التجار وبعض “تجار الحرب” وما تبقى من الشريحة الوسطى والفقراء.
لهذه الأسباب وغيرها، شهدت مناطق سيطرة الحكومة أو ما يعرف بـ”معاقل النظام”، تجدد الاحتجاجات أو موجات جديدة من التحركات. لأول مرة، هناك تحرك في الساحل السوري، تضمن ظهور بيانات على وسائل التواصل الاجتماعي وتوزيع بعضها في قرى ومدن ساحلية ذات غالية علوية. تناولت المطالب فيها أمورا معيشية، وبعضها سياسي. وردت السلطات باعتقال أو توقيف عدد من الأشخاص، وهناك حديث عن حوالي 70 شخصا تم توقيفهم.
تزامن هذا مع تجدد الاحتجاجات في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية. سبق وأن ظهرت هذه التحركات في السنوات السابقة، بحيث إن هناك “وضعا خاصا” للسويداء شمل جوانب عسكرية وإدارية وخدمية، لكن هذه المرة هناك موجة جديدة على وقع تردي الحياة المعيشية وانسداد في الأفق السياسي.
يضاف إلى ذلك، ارتفاع صوت النقد في أوساط الموالين في دمشق وأخواتها، سواء في الشوارع أو منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا على الأرض، أو مناطق الحكومة. أما في المنطقتين الخارجتين عن سيطرتها، فهناك حراك من نوع آخر. المطالب ليست معيشية، على اعتبار أن الوضع أحسن أو أقل سوءا مما هو عليه في دمشق. التحركات تتعلق بـ”اللعبة الكبرى”. واصلت القوات الجوية الروسية التحرش بنظيرتها الأميركية، وصل إلى حد إسقاط مسيرات. هذا التصعيد هو نتيجة الصدام غير المباشر في الحرب الأوكرانية. واضح إلى الآن، أنه يرمي إلى لفت الأنظار أكثر من كونه يرمي إلى المواجهة العسكرية المباشرة. واشنطن وموسكو ليستا مهتمتين بالحرب المباشرة بينهما في الساحة الوحيدة التي يتجاور فيها جيشاهما في العالم.
هناك تصعيدان عسكريان إضافيان: تبادل قصف بين مناطق النظام ومناطق المعارضة شمالي البلاد، أو تبادل قصف تركي– سوري. وهناك أيضا بين وقت وآخر غارات إسرائيلية ضد “مواقع إيرانية” في سوريا.
هذه التطورات، المعيشية والعسكرية في سوريا، تعيد طرح السؤال عن مصير التطبيع العربي الذي بات يسمى بـ”إعادة الانخراط العربي مع دمشق”، لإعطاء إيحاء بأنه شَرْطي وليس خاليا من المطالب. هذا المسار العربي- السوري خضع لأول اختبار في الاجتماع الوزاري العربي الأخير بالقاهرة.
مضمون النقاشات بين الوزراء العرب والوزير السوري فيصل المقداد، أظهر الفجوة الكبيرة والبطء الشديد للتقدم فيه. وافق المقداد على مضض، أن يسلمه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي نسخة من الورقة العربية- الأردنية باسم “خطوة مقابل خطوة”، وتضمنت المطلوب من دمشق والمعروض عليها. وبين ما تطلبه وعودا بتخفيف العقوبات الغربية في حال قدمت سوريا إصلاحات سياسية في الانتخابات البرلمانية العام المقبل وعقدت قبل اجتماعات اللجنة الدستورية. تسلم المقداد الورقة شرط أن لا تكون ملزمة.
واقع الحال، أن لا أحد يتوقع انقلابا قريبا في الأوضاع المعيشية في سوريا. ثمار الانخراط العربي لم تنضج بعد، والعقوبات ستبقى قائمة. سلسلة الاحتجاجات ستستمر وستتسع. وقعر المعاناة سيزيد. ودائرة الشلل ستشمل أطرافا جديدة… في انتظار المعجزة أو المفاجأة.
إبراهيم حميدي
المصدر: المجلة
التعليقات مغلقة.