الجمهورية السورية أم العربية السورية؟ /خطيب بدلة

28

349بمناسبة المجادلات العنيفة التي جرت في المهاجر السورية، أخيراً، حول تسمية سورية الجمهورية السورية، أو الجمهورية العربية السورية، يجدر بنا أن نذكر أننا، في بداية الثورة، كلما طُرِحَ علينا سؤالٌ كبير، يتعلق بمستقبل سورية، نقول: هذا ليس وقت الأسئلة البايخة، والحكي الفارغ.. دعونا نُسْقِط النظامَ أولاً، وبعدها يحلها الحَلَّال.
في الأشهر الأولى من الثورة، وبمبادرةٍ غريبة من نوعها، وخطيرة جداً من الناحية الأمنية، أخذنا، نحن، مجموعة لا تقل عن مئتي شخص من كتاب محافظة إدلب، وفنانيها وقضاتها ومحاميها وصيدلييها ومدرسيها، نلتقي في مطعم في مدينة إدلب، تمتلكه النقابات المهنية، اسمه “أورينت هاوس”، مرة كل أسبوع، علناً، وفي وضح النهار.
كنا نَنْصُبُ، في وسط المطعم، منصةً نضع في خلفيتها شعاراً لتَجَمُّع مثقفي إدلب ونقابييها، ونتناقش في أمور الثورة السلمية. وفي أثناء ذلك، نضع حول أعناقنا نوعين من الأعلام القماشية، الأول عَلَم الجمهورية العربية السورية ذو اللون الأحمر، والثاني عَلَم الاستقلال ذو اللون الأخضر الذي بقي معتمداً كعلم لـ “الجمهورية السورية” منذ الاستقلال حتى قيام الوحدة العربية بين مصر وسورية (اللي ما يغلبهاش غَلَّاب).
استمر هذا الوضع أسابيع قليلة… وذات يوم، وقف أحد أعضاء التجمع، وهو رجل بطيء الفهم والاستيعاب، وخاطبنا بلا استئذان، قائلاً:
– أنتم جبناء، لا يليق بكم أن تكونوا ثواراً ولا معارضين. ففي كل أسبوع، نلتقي مرة هنا، ونقول كلاماً فارغاً، ونصدر بيانات فارغة المضمون، ثم نغادر، من دون أن نذكر، ولو مرة، ضرورة “إسقاط النظام”!
حصل هرج ومرج في المكان، وحاول عدد لا يستهان به من الأعضاء أن ينفردوا بالرجل، ويشرحوا له، همساً، أن إسقاط النظام هدفنا المشترك البديهي. ولكن، دعنا الآن نستثمر سكوت شبيحة النظام ومخابراته عن اجتماعنا العلني، ونكمل مشوارنا بصمت.. ولكن من دون جدوى، وأخذ ينط ولا يحط، مثل طفل مدلل، يريد أن يفرض على أهله شراء بوط “أديداس” مرتفع الثمن، بينما هم لا يمتلكون ثمن كيلو خبز للإدام، ويقول:
– ما بدي ما بقبل، بدي إسقاط النظام، ها، ها، بدي إسقاط النظام!
تقدم أحد الأصدقاء مني، وهمس في أذني، قائلاً: الله يوفقك يا أبا مرداس، أنت رجل محبوب، وكلامك مسموع لدى الجميع، حلها.
قلت له: طيب.
وحملتُ الميكروفون، وقلت للرجل، متخذاً هيئة الأب العطوف، حينما يخاطب ولده الغاضب: خلاص يا أستاذ فلان، اهدأ حبيبي، اهدأ، ولَكَ علينا أن نسقط لك النظام في أقرب وقت، إن شاء الله!
انفلت بعض الحاضرين بالضحك، بينما أنا أنظر إلى وجه الرجل، ظاناً أن كلامي سوف يُسْكِتُه، وإذا به يصيح ملء حنجرته: تكبير!.. وإذا بالحاضرين يصيحون: الله أكبر، الله أكبر!.. ووجدنا أنفسنا نندفع خارجين من المكان، ونحن نهتف ونصيح الله أكبر.. والناس ينضمون إلينا، وصاحبنا، الرجل الذي لا يرضى عن إسقاط النظام بديلاً، اعتلى كتفي رفيق له بالطريقة نفسها التي كان أنصار الأسد يعتلون أكتاف بعضهم البعض في مسيرات التأييد، وراح يصيح، والكل يردد وراءه:
الشعب يريد إسقاط النظام!
ومضت الأيام.. وبدأ حلمنا بإسقاط النظام يتضاءل، بسبب الأنياب الليثية التي أبرزها النظامُ والمنظمات الإرهابية التي قدمت من إيران والعراق ولبنان لنصرته، وبسبب الأجندات المختلفة المتصارعة على الأرض السورية، كما هو معروف للجميع.
وأما أنا، فقد وصلتُ إلى قناعة مفادُها أن أكبر خطأ ارتكبناه، نحن الثوار السوريين، هو إضاعة الوقت في الحديث عن إسقاط النظام، ولم نكلف خاطرنا بمناقشة المسائل الأساسية الكبرى التي تعطي للثورة ملامحها، وترسم شخصيتها، وتوصلها إلى إسقاط النظام فعلاً، وهي المتعلقة بدستور الدولة المقبلة، بعَلَمِها، باسمِها، بمصادر التشريع فيها، وبكل آليات تداول السلطة فيها.

عن العربي الجديد

التعليقات مغلقة.