للنظام السوري ضرباته «الاستباقية» أيضاً
استطاع النظام السوري جرّ المجتمع الدولي جرّاً للتدخّل العسكريّ في سوريّا لضرب تنظيم «داعش». فبعد أن داوم على وصف كلّ الذين حملوا السلاح في وجهه بـ «العصابات الإرهابيّة المسلّحة»، وإلصاق تهمة القتل الطائفيّ والوحشيّ بهم في مناطق متفرّقة من البلاد، لم يعد بإمكانه تسويق مساوئ الذين انتفضوا لإنزاله عن صدور السورييّن، كلّ السورييّن، سوى بتربية تنظيم وحشيّ مثل تنظيم «داعش« وتسويقه عالميّاً، بالمشاركة مع جهابذة المالكي وإيران.
النظام السوري يعرف بأنّ المجتمع الدولي يعرف بأنّه هو وراء إدخال وتقوية شوكة تنظيم «الدولة الإسلاميّة«، من خلال حوادث ووقائع وأرقام باتت معروفة من الجميع. وبالتالي يعرف بأنّه بقي غير مرغوب به، حتى في الحرب التي تضرب «داعش« في العراق وفي سوريّا الآن.
وفي علم الحفاظ على الكرسيّ الذهبيّ، لا بدّ من تطبيق المؤامرات على الجميع، قبل أن تُحاك وتنفّذ المؤامرات على صاحب الكرسيّ. بمعنى أنّ النظام، ينتظر ما ستؤول إليه مباحثات صنع التحالف الدوليّ ضد «داعش«. ولم يتفرّج على تلك الضربات على شريك أخّر سقوطه سنتين على الأقل. بل إنّه سيتحرّك جاهداً في الفترة الزمنيّة التي تستغرقها تلك المفاوضات، والتحضيرات، اللازمة للقضاء على «طاعون» هذا العصر.
ولأنّ النظام يشكّ في نوايا المجتمع الدوليّ في بقائه عند بدء الضربات ضد «داعش«، فإنّه سيعمل على تفتيت كلّ البدائل التي من الممكن الاعتماد عليها في قيادة المرحلة التي تلي سقوطه.
ضرب قيادات الفصائل المعارضة
رغم أنّ النظام يعرف بأنّ الفصائل المقاتلة ضد جيشه، والميليشيات المتعاونة معه، تختلف عقائدها ربّما بشكل جذريّ، إلا أنّه متفهّم إلى أنّها اجتمعت، ولو متفرّقة، على الإطاحة به.
ولأنّ النظام يعرف بأنّ واشنطن ستحاول إزالة العار الذي لبسته، طوال عامين، في ترك المعارضة السوريّة المسلّحة، تقاتل لوحدها أكبر فصيلين للإرهاب في العالم، أي تنظيم الدولة الإسلاميّة والنظام السوريّ، يستطيعان إشعال الشرق الأوسط برمّته، وقد أشعلا جزءاً لا بأس منه في العراق وسوريّا وقد يمتدّ في أيّ وقت إلى لبنان ودول الخليج، حيث ترعى المصالح الأميركيّة هناك في عشب وفير.
وفي طريق واشنطن لإزالة هذا العار، والظهور بمظهر المنقذ كعادة الصورة النمطيّة للأميركيّ، لا بدّ لها أن تدعم الفصائل المعتدلة في المعارضة السوريّة.
النظام متفهّم لكلّ ما يُحاك ضدّ بقائه في سدّة الحكم؛ لذلك قام، وسيقوم، بضرب قيادات الفصائل المقاتلة كي تنشغل عن هدفها الأساسيّ، في إسقاط النظام، إلى دفن قياداتها الواحد تلو الآخر والتفكير بالاستئثار بالسلطة.
فقد نجح النظام في ضرب حركة «أحرار الشام« ضربة موجعة جداً، وقد تكون قاتلة على الأقل من وجهة نظر النظام، بتصفية ما يُقارب الخمسين من قيادات الصف الأوّل والثاني للحركة، من خلال اختراق أمنيّ ناجح لصفوف الحركة في اجتماع سرّي لها. حيث قام بزرع عبوة ناسفة في مستودع للذخيرة بالقرب من مكان اجتماع القيادات، التي كان عليها إما أن تقضي خنقاً أو احتراقاً. حيث كانت الحركة قد حصلت على كاريزما جيّدة بعد تحرير الريف الإدلبيّ من تنظيم «داعش« والجيش السوريّ معاً. وصار من أكبر الفصائل عدداً وخبرة ضمن الفصائل المقاتلة، مع بروز رغبة الحركة في بناء دولة سوريّة بعيدة عن التشدّد.
الضربة الثانية كانت منذ أيام أيضاً من خلال محاولة اغتيال «جمال معروف» قائد جبهة «ثوّار سوريّا» من خلال استهداف أحد مقرّات الفصيل في قرية دير سنبل، في ريف إدلب أيضاً. حيث أصيب معروف، الذي أعلن حربه على تنظيم داعش والنظام معاً، وفقد نائبه «محمد الفيصل» وزوجته وابنه. وهي محاولة الاغتيال الثانية؛ حيث نجا معروف من محاولة الاغتيال الأولى أيضاً، ولكنّه فقد ابنته في تلك العمليّة.
بعد محاولة الاغتيال هذه بيومين، نجح النظام باغتيال «محمد بن سليمان الضحيك» القائد العسكريّ للواء «الإيمان بالله». من خلال استهدافه بغارة جوّية من الطيران الحربيّ.
عمليّات دقيقة واختراقات أمنيّة
من الملاحظ في عمليّات الاغتيال هذه، وعمليّات الاغتيال السابقة كحادثة اغتيال حجي مارع قائد لواء التوحيد في حلب، والتي قام بها الطيران الحربيّ، بأنّها كانت عمليّات دقيقة وحقّقت أهدافها بنسبة كبيرة. وهي تدلّ على حرفيّة النظام في القيام بتلك العمليّات من جهة، ووجود اختراق من قبل استخباراته للعديد من الفصائل المقاتلة، التي تعاني من تدنّي الحالة الأمنيّة لديها.
والنظام يُسارع هذه الأيام في قتل جميع قادة فصائل المعارضة المسلّحة، من دون ضرب مقرّات «داعش«!، من أجل إشاعة التخبّط في داخلها خلال الضربات الأميركية. كي لا يكون لديها المقدرة للهجوم على النظام، أثناء تلك الضربات، وإسقاطه.
ضرب الائتلاف السوريّ واللقاح القاتل
من جهة أخرى ارتكب النظام مجزرة جديدة بحق أطفال سوريّا؛ وذلك من خلال تسميم أطفال سورييّن خلال حملة التلقيح، بلقاح الحصبة، التي أعلنت عنها ونفذتها الحكومة السوريّة المؤقّتة. فقد أفشل النظام تلك الحملة بتسميم أطفال في مدينة جرجناز، في ريف إدلب من جديد، أدت إلى وفاة 23 طفلاً كحصيّلة أوّليّة، بينما يتمّ علاج المئات منهم في تركيّا.
عمل النظام هنا هو من أجل تشويه سمعة المعارضة السياسيّة، أثناء ضربها لقادتها العسكرييّن، في أنّ المعارضة، قبل أن تستلم دفّة الحكم في البلاد، أعطت لقاحات فاسدة لأطفال سورييّن، من دون أن تعطي لأرواح أولئك الأطفال أي قيمة.
ولكن غاب عن بال النظام حقائق علميّة ستفضح مجزرته الجديدة؛ بأنّ عدم صلاحيّة اللقاح يؤدّي إلى بطلان مفعول اللقاح، ولا يؤدّي إلى موت مَن أعطي اللقاح له. وبأنّ الأعراض الجانبيّة، بنسبة واحد من كل مليون طفل يتم تلقيحه، هي عبارة عن طفح جلديّ يمكن السيطرة عليه بسهولة، وليس الوفاة.
وقد كسب النظام في هذا العمل الإجراميّ أيضاً؛ بإضافة مجزرة جديدة إلى سجّله الحافل بالجرائم من جهة، وتسويق صورة الفشل السياسيّ الكبير للمعارضة في عدم قدرتها على تولّي زمام الأمور مستقبلاً. وظهر ذلك واضحاً في مواقع التواصل الاجتماعيّ؛ حيث دعا الكثيرون، سواء من الناشطين أو من غيرهم، إلى محاسبة الائتلاف وحكومته المؤقّتة بأنّهم هم وراء «مجزرة اللقاحات»؛ رغم أنّ الحقائق العلميّة، والوقائع الموجودة بوضوح، تثبت أنّ المجزرة تمّ ارتكابها من خلال حملة التلقيح ولكن ليس من خلال تلك اللقاحات. سهذه المجزرة الجديدة ليست غريبة على نظام استخدم غازي الكلور والسارين والقنابل العنقوديّة والصواريخ البالستيّة والبراميل المتفجّرة… وتأتي كأنّها ضمن سياق انتخابيّ للمفاضلة بينه وبين المعارضة السياسيّة!.
النظام إذاً يقوم بضربات استباقيّة للمعارضة السياسيّة والمسلّحة كي لا تكون قادرة على إسقاطه خلال قيام التحالف الدولي بضرب تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق وسوريّا، وهذا ما قد يجعلنا نفكّر بالمفاجآت السّامة والمخيفة التي يُفكّر فيها النظام في المرحلة المقبلة.
عارف حمزة / عن المستقبل
التعليقات مغلقة.