مشكلات الحرب على «داعش»

33

Nawafez8.gifمع بدء الحرب الأميركية على «داعش» يبدو أن الوضع السوري دخل في مرحلة جديدة، يصعب التكهن بطبيعتها أو بحدودها أو بمآلاتها، التي قد تطال، على الأرجح، مجمل الخريطة السياسية لمنطقة المشرق العربي.

ويبدو من ذلك أن صعود ظاهرة الجماعات الاسلامية التكفيرية والإرهابية، ولاسيما «داعش» (تنظيم دولة العراق والشام)، بات واحداً من أهم محرّكات التفاعلات الدولية والإقليمية في المشرق العربي، إلى درجة أنها حملت الولايات المتحدة على ترك سياسة الحذر، أو الانكفاء، التي اعتمدها الرئيس الأميركي باراك أوباما في سياسته الخارجية إزاء هذه المنطقة، منذ بداية ولايته الأولى.

وقد يجدر لفت الانتباه هنا إلى أن صعود هذا التنظيم لم يكن منعزلاً عن المداخلات، أو التسهيلات من القوى الفاعلة في الإقليم، ويأتي ضمن ذلك إيران والنظام السوري، اللذان رأيا فيه وسيلة لحرف الانظار عن الثورة السورية، وعن الحراك الشعبي في العراق، وتقويض صدقيتهما، ووصمهما بالإرهاب، ما يغطي على محاولات وأد هذه الحركات بطريقة عنفية.

بيد أن هكذا استنتاج لا يعني ان هذا التنظيم هو مجرد صنيعة سورية أو عراقية أو إيرانية، وإن كان الأمر لا يخلو من اختراقات ومداخلات مخابراتية، ولكنه يعني أن ثمة نوعاً من التواطؤ غير المباشر، والمنافع المتبادلة، سيما أن قيادة هذا التنظيم تعاطت أيضاً ببراغماتية مع ما يجري في ساحتي العراق وسوريا.

وكان النظام السوري، مثلا، عرف بقدرته على استخدام أو توظيف طاقات الإسلاميين، وضمنه استخدام تنظيم «فتح الاسلام» (2006) في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، شمال لبنان، والداعية الاسلامي أبو القعقاع في حلب، الذي كان يرسل الانتحاريين إلى العراق، ناهيك عن انكشاف قصة تكليف الوزير اللبناني السابق ميشيل سماحة بتنظيم تفجيرات في بعض المناطق لبنان لإثارة النعرة الطائفية فيه، للمساهمة في حرف الأنظار عما يجري في سوريا.

طبعاً هذا لا يغفل بعض الأدوار الأخرى في توليد هذه الظاهرة، وضمنه دور تركيا، وبعض الأوساط الخليجية، التي سهلت لـ «جبهة النصرة»، من خلال سماحها بعبور المقاتلين الأجانب إلى سوريا، وتدفق السلاح عليها، دونا عن «الجيش الحر»، وهي الجبهة التي انبثقت عنها «داعش» سوريا.

القصد من ذلك، أن ثمة تعسّفاً وتبسيطاً وتسرعاً في إحالة ظهور هذه الجماعات التكفيرية والمتطرفة، وبخاصة صعودها، إلى مجتمع السوريين، أولاً، لأن النوايات الصلبة لهذه الجماعات لم تنشأ في سوريا، ولا في تياراتها السياسية الإسلامية، إذ هي وفدت في معظمها من الخارج. وثانياً، لأن هذه الجماعات استهدفت المجتمعات المحلية السورية، أكثر بكثير مما استهدفت النظام، فأكثر ضحاياها هم من «السّنة»، الذين يفترض أنها نشأت منهم، وانها حاضنتهم. وثالثاً، لأن التدين الشعبي السائد عند السوريين هو من النمط المعتدل والمنفتح، ولا يعرف التعصب والتطرف والعنف. رابعاً، لأن الجماعات السلفية في سوريا والعراق محدودة، ومنغلقة على ذاتها، وليست على هذه الحركية، ثم أن التيارات الاسلامية الغالبة في المجتمع هي من النوع الوسطي والمرن؛ مع التأكيد أن هذا كله لا ينفي وجود حالات متطرفة ومتعصبة.

هذا الوضع يضع مسألة الحرب على «داعش« في سوريا والعراق إزاء عدة مشكلات، أولها، التضارب في أجندات الدول الإقليمية (وضمنها الدول العربية) إزاء هذه الظاهرة، وإزاء توظيفاتها من هذه الدولة أو تلك. فكما بينا فهذه الظاهرة ما كان لها أن تنشأ وتنمو لولا التسهيلات التي قدمت لها من دول الإقليم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ما يطرح علامات الاستفهام حول هذه المعركة.

المشكلة الثانية، وهي تتعلق بالأفق السياسي لهذه العملية، وهو على ما يبدو مازال مشوشاً، أو مضمراً. أما على الصعيد الميداني فمن غير الواضح إلى أين ستنزلق العمليات العسكرية الأميركية من هنا، لاسيما مع الحديث عن معركة طويلة الأمد، وعن استراتيجية تتأسس على القيام بضربات جوية لمواقع «داعش»، وتقديم الدعم لجماعات عسكرية محلية (البشمركة ـ الصحوات ـ الجيش الحر) للعمل ضدها على الأرض، ما يطرح التساؤلات حول الجدوى.

المشكلة الثالثة، وهي الأهم، تتعلق بحقيقة موقف الإدارة الأميركية، التي كانت أحجمت عن أي تدخل لوضع حد للأحداث المأسوية الحاصلة في سوريا، منذ قرابة أربعة أعوام، وضمنها استخدام النظام للسلاح الكيماوي (آب/أغسطس 2013)، ومصرع حوالى مئتي ألف من السوريين، نتيجة تعمده القصف العشوائي لأحياء سكانية، من الدبابات والمدفعية والطائرات، والبراميل المتفجرة، ما نجم عنه أيضا تشريد ما يزيد عن ثلث السوريين (بين نازحين ولاجئين في الدول المجاورة) وتدمير ممتلكاتهم. كما أن هذه الإدارة كانت أحجمت عن أي تدخل في العراق ذاته، رغم السياسات الطائفية والقمعية التي انتهجها المالكي (رئيس الوزراء السابق)، في مواجهته للحركات الشعبية الناهضة ضده، منذ سنوات.

بل إن البعض في أميركا وخارجها وجه انتقادات قاسية للسياسة التي انتهجتها الإدارة الأوبامية، محملاً إياها مسؤولية تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط، لتخليها عن مسؤولياتها في حفظ الأمن والسلام الدوليين، بما في ذلك مسؤوليتها عن استشراء خطر «داعش«، ناهيك عن تحميلها مسؤولية ضياع هيبة أميركا في العالم، على اعتبار أن جزءا كبيرا من هذه الهيبة يتوقف على القوة الأميركية، وعلى التدخل الفعال لحل الأزمات الدولية.

أخيرا، فإن أطراف الحرب ضد «داعش«، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية، سيكون عليها التقرير بشأن الحسم في الملف السوري، إن بالطريقة العسكرية أو بالطريقة السياسية.

في كل الأحوال تبدو الحرب ضد داعش، بمثابة حرب من أجل تغيير الواقع السياسي في منطقة المشرق العربي، وبالأخص في سوريا. لكن ما هو غير واضح، هو إلى أي مدى سيصل هذا التغيير، فلا شيء يقيني في كل ما يحصل منذ سنوات.

عن المستقبل

التعليقات مغلقة.