في ذكراه الخامسة.. الشيخ الحسيني: عامودا متاهة لا أستطيع الخروج منها
أجرى الحوار: دلاور زنكي- دمشق
لم أطلبْ من الشاعر والباحث ( دلاور زنكي) أنْ يرفدني بهذه الحوارية النادرة بينه و بين رجل زاهد في كلّ شيء في الحياة إلا ( التأليف و الترجمة ) : الشيخ توفيق الحسيني . لم أطلبْ منه أنْ يرسل هذه الحوارية. لكنه عرف أني أبحثُ عنها , فمنذ سنوات عدة أريد أنْ أُجري حوارا مع الشيخ الجليل توفيق الحسيني . ليس ثمة أية حواجز بيني و بينه , بل هو من أقرب الناس إليّ , لكني كنتُ أقولُ في نفسي : ماذا سيقول الشيخ لي و للقراء ؟, وقد ألّفَ ما يربو على خمسين كتابا . فإنْ أردنا أنْ نعرفَ عن الرجل ما نصبو إليه , فكتبه مباحة و منتشرة في كلّ مكان . في هذا الحوار يتحدثُ الشيخ للشاعر دلاور , ولنا , ما لم يقله في كتبه كلها . فقط أردتُّ أنْ أكونَ الثالث معهما , وقد منحني الشاعرُ دلاور ما طلبته منه. أدرجتُ في آخر الحوارية مجمل أعمال المحاوِر و المحاوَر . ليكون القارىءُ على بينة من نشاطهما المتميز . وأنهما ليسا بحاجة إلى أيِّ تقديم. ما أبهجني كثيراً ان كتاب الشيخ توفيق ( هكذا تكلم سمّو ) سيطبع قريباً في ( مؤسسة سما للطباعة و النشر). و الأمر الآخر طلبتُ من الشاعر ( دلاور ) أنْ يرفدني بما هو نادر عنده , فأرسل لي مشكورا ثلاث قصائد لثلاثة شعراء كرد و هم : الشاعر يوسف برازي “بي بُهار” و الشاعر تيريز والشاعر أحمد شيخ صالح ) هؤلاء الثلاثة كتبوا عن ( دلاور زنكي ) بكلّ ما يستحقه .
على الرغم من أنّ الأديب الشاعر( دلاور زنكي) ينتمي إلى مدينة عامودا مولداً، ونشأة، فإنني لم أتعرَْفه إلا بعد أعوام من هجرته إلى دمشق , والإقامة فيها إقامة دائمة، ولعلّ ذلك كان بسبب هذه الهجرة , وكثرة أسفاري وغيابي عن عامودا.
كان لقائي به أولَ مرة في عامودا عَرَضاً أمام باب إحدى المكتبات… كان يرتدي بزةً أنيقة وعلى محيّاه مسحة ابتسامة واضحة يرافقه فتى لم يسبق لي أنْ شاهدته قبل ذلك اليوم , ولا أذكر أنني رأيته قط.
قلتُ له مستغلاً بشاشته:
– هل تعلم أنني كنتُ أسمعُ بك كثيراً دون أنْ أعرف عنك شيئاً… فأتذكّر طائر العنقاء الذي كثر ذكره في قصائد الشعراء القدماء فقالوا: “عنقاء معرب” كلما وقعوا في حيرة من شيء أو إعجاب به. وها أنا اليوم أراك شخصياً ماثلاً أمامي وأصغي إلى صوتك.
فابتسم لهذه الدعابة ثم افترقنا وذهب كلُّ منا إلى طيتهِ، ولكنّ التواصل ظلّ قائماً بيننا فالتقينا هنا وهناك مراراً ونشأ بيننا لونٌ من المودة , وتوثقتْ عرى الصداقة، وغدا كلٌّ منا يبثُّ الآخر شجنه وما يعتلجُ في نفسه دون مواربة أو التواء.
وإذ كنتُ يوماً ضيفاً في داره العامرة في دمشق ظلَّ يُلقي عليّ جملة من أسئلة شتى وأنا مصغٍ إليه، ثم طلب إليّ أنْ أتحدث عن حياتي الخاصة أو سيرتي الذاتية بإسهاب.
ومع أنني أرى أنّ أمقتَ الأشياء أنْ يتحدث المرءُ عن نفسه , ولا سيّما إذا كان في هذا الحديث مدحٌ أو إطراءٌ وتزكية , فقد وعدته أنْ أجيبَ عن أسئلته دفعة واحدة في سرد واحد , ولكنْ في شيء من الاقتضاب، ثم بادرتُ إلى تلبية طلب هذا الصديق على الرغم مما أجد في موقفي حرجاً بالغاً قائلاً:
-البدايات :
– كان مولدي كما قيل لي: في قرية “موزان” المصاقبة لسفوح تلالها الشاسعة التي تختبئ بين طياتها مدينة “أوركيش” الأثرية الغارقة في القديم، وكانتْ لنا دارٌ أخرى واسعة في عامودا ألحقت بها “تكية” ومكتبة زاخرة بالكتب والموسوعات النادرة، أتتْ عليها النارُ والتهمتها إثر القصف الجوي الذي نفّذته الطائراتُ الفرنسية المغيرة في أعقاب عام 1938م، واستشهدَ في هذه الغارة ملا فخري اللجي الذي كان مقيماً في التكية وحاول التصدي للطائرة المعتدية ببندقيته الحربية (بارودة). إلا أنَّ والدي أعاد بناء الدار ثم أسسَّ مكتبة جديدة تضمُّ آلاف الكتب في شتى المواضيع ومختلف اللغات وساهم في تشييدها واغنائها بكتبٍ عن القانون والدراسات التشريعية الأخ الأكبر. وهي كما أعرف ويعرف الكثيرون الآخرون أنها أضخمُ وأوسعُ مكتبة في المنطقة برمتها.
كنتُ في تلك الأيام أرى الرجالَ من أصحاب اللحى والعمائم يحضرون إلينا يتداولون أطرافَ الأحاديث , فإذا فرغوا من ذلك تناولوا كتاباً وطفقوا يتدارسونه , ويتأولّون المعاني ويتحاورون في أمور غامضة ويذهبون في ذلك مذاهبَ شتى، ويتلفظون بأسماء ومصطلحات تبدو لي شاذة وغريبة في منتهى الغرابة والشذوذ , ثم أنها بعد هذا وذاك لا تعني لي شيئاً , أو أنها لا تعدو أنْ تكونَ هراءً وهذراً وكلمات جوفاء , وأنا غِرُّ في أطوار الطفولة الأولى التي يعجز فيها الطفلُ عن اتخاذ رأي سديد أو قريب من السداد.
وعندما شببتُ عن الطوق وأميطت عني التمائمُ “كما يقال تعبيراً عن مرحلة من مراحل الصبا، لكنَّ الأهلَ لم ينيطوا بي تميمة أو رتيمة فهم لا يرون جدوى التمائم والرتائم ويحسبون اتخاذها ضرباً من ضروب الشعوذة لا غير”.
في أحد الأعوام أُدخلت المدرسة الابتدائية (مدرسة الغزالي) وهي المدرسة الرسمية الوحيدة في طول المنطقة وعرضها. ثم حاولتُ متابعة الدراسة في ثانوية “السريان” في القامشلي، كان يشاركني السُكنى زميلٌ من زملاء الدراسة، ولكننا لم نستطع الاستمرارَ والمثابرة لأسبابٍ , أهمُّها الاغترابُ والنأْيُ عن الأهل، ثم العجز عن الجمع بين الدراسة وتدبير شؤوننا المنزلية، إضافة إلى الحنين والشوق الدائمين إلى خلاننا وأصدقائنا الذين هجرناهم.
لم تكن عامودا تخلو من مكتبات للقرطاسية وبعض الكتب والأقلام “أقلام الحبر السائل وأقلام الرصاص أما أقلام الحبر الناشف أو الجاف فلم تكن مألوفة آنذاك” .
كان الحبرُ يتخذُ من مساحيق ذات ألوان مختلفة تضافُ إليها كمية من الماء , ويسخن المزيجُ إلى درجة الغليان ولهذا الحبر ذكرياتٌ كثيرة، من تلك الذكريات أنني كنتُ أجالسُ أحد أولئك الطلاب الكبار… نسهرُ ونتسامرُ حول موقد الفحم (المنقل) إذ كان الوقتُ شتاءً , فعنَّ لي أنْ آتي بدواة الحبر الزجاجية ذات الغطاء المعدني واطمرها تحت الجمرات المتقدة أمامَ سمع وبصر الطالب الضيف “ونحن-آنذاك- كنا نجهلُ كلَّ شيء عن البخار وبأسه ولم نكنْ قد سمعنا بالمراجل البخارية التي تسيّر القاطرات والبواخر” حتى إذا مضى أمدٌ من الوقت قصيرٌ , ملأ سَمْعَنا دويّ انفجار الزجاجة وملأ عيوننا الرمادُ المتناثر, وتطايرت الجمراتُ وانغرزتْ شظايا الزجاج في الجدار القريب من الموقد , والغريبُ في الأمر أنَّ أياً منا لم تصبه أية شظية , ولم ينلنا من الزجاج المتكسر ضررٌ أو أذى.
وهكذا كان يجري صنع المداد، وإذ نحن بصدد الحديث عن المداد فقد كان شقيقنا (1) شغوفاً بالأشياء النفيسة والسلع السنية ولا سيما الأقلام الثمينة ذات الأسعار الباهظة كقلم الـ( باركر) والمونت (بلانت) والـ (بليكان) والـ( شيفرز) ولكنه لم يكن يستخدم هذا المداد المألوف بل كان يجلبُ له من المدن التركية بأسعار باهظة , وهو من النوع الألماني”بليكان”. كان يدفع خمس ليرات ثمناً للزجاجة الواحدة التي تباع اليوم بأربعين ليرة سورية , وبالموازنة بين السعرين واتخاذ سعر الذهب مقياساً للبيع والشراء نجد أنّ زجاجة الـ”بليكان” كانتْ تباع في تلك الفترة بما يضاهي الآن ثلاثة آلاف ليرة سورية.
كانتْ إحدى المكتبات في عامودا تجلبُ الصحف والمجلات من المدن الكبيرة وكذا من خارج البلاد مثل مجلة “سندباد البحري” المصرية التي كان الأستاذ الأديب (سعيد العريان ) يصدرها في “القاهرة” للأطفال والناشئين بلغة سهلة وأسلوب سلس وسرد شائق وجذاب، وكنتُ أحصلُ عليها في كلِّ يوم خميس من الأسبوع، وكنتُ آنذاك من تلاميذ الصف الرابع وأحس بطول الانتظار في ترقب وصولها.
ومع مرور الأيام كنتُ ازدادُ غراماً بالقراءة وأهفو إلى الاغتراف من منهل المعرفة، وتصبو نفسي إلى التهافت على العلوم، ويوماً بعد يوم ازداد قلبي شغفاً وتعلقاً بالكتاب، فقد كانت الكتبُ والأسفار تحوّطني في كلّ مكان، في البيت، وفي “الجامعة الأهلية” التي كان الكبارُ يتعلمون فيها.
فقد وجدت في عامودا ثلاث جامعات للدراسات العليا التي يتلقى فيها الطلاب علوم الشريعة الإسلامية والحديث والمنطق والتفسير وعلوم اللغة العربية وأدواتها من نحو وصرف وبلاغة وبيان إلى جانب علم المنطق المترجم عن اليونانية، وكانتْ مناهجُها لا تختلفُ عن منهج جامعة الأزهر في شيء، فالكتبُ التي كانتْ تدرّس هنا كانتْ هي نفسها التي تدرّس في الأزهر الشريف، ولسنا نعلم سبباً لهذا التشابه الكبير, أو هذا التوحد في المنهج على الرغم من شقة البعاد والمسافة الشاسعة بين عامودا والقاهرة “أم الدنيا” في زمن كان السفر فيه إلى تلك البلاد غير متاح , بل كان أشبه بالصعود إلى كوكب.
وكان شقيقي الآخر(2) متضلعاً من تلك الدراسات المنهجية ملماً بدقائق فحواها ومعانيها، وعلى الرغم من صغر سنه كان يدرس في هذه “الجامعات”، وكان دائمَ السعي للتجديد وتنوير أذهان الطلاب على الآداب الحديثة التي تهتمُّ بها الصحفُ والمجلات، فكان يعلمهم الشعرَ ويجلبُ لهم دواوين الشعراء المعاصرين ثم جعل الأدب مادة منهجية.
وأكثر ما كنتُ أسمعه أبيات استهل بها الشاعر الكبير ابن الفارض إحدى قصائده في الغزل الصوفي:
سائقَ الأظعان يطوي البيد طي منعماً عرّجْ على كثبان طيْ
وتلطف واجرِ ذكري عندهم علَّهم أنْ ينظروا عطفاً إليْ
قلْ تركتُ الصبَّ فيكم شبحاً ما له مما براه الشوقُ فيْ
كهلال الشك لولا أنه أنَّ، عيني عينه لم تتأَيْ
إنّ هذا الإصغاء الدائم إلى هذا النسيب الروحي الذي كان يبدو لي , وكأنه يعجّ بالطلاسم والألغاز والرموز جعلني أنغمسُ في حالة مفعمة بالوجد والهيام تشوّفاً إلى معرفة مراميه والتنقيب عن أسراره، فكنتُ أكبُّ على شرح ديوان ابن الفارض , ألوذ بالمعنى الظاهري لمقاصد الشاعر , أما المعنى الباطني أو الروحي فكنتُ أدعه لأهله. دأبتُ على ذلك ردحاً من الزمن حتى لانت لي عريكة هذه المعاني المتمردة , وانقشع غموضها وسلسل قيادها.
في هذه الأجواء كنتُ أصغي أيضاً إلى أبيات من قصيدة البردة للإمام البوصيري في المدح النبوي التي أفتتحها الشاعرُ بالنسيب والتشبيب بالحبيبة كعادة الشعراء في عصور متعاقبة، منذ العهد الجاهلي حتى عهد الانحدار الشعري والأدبي التي يقول الشاعر في مطلعها:
أمن تذكر جيران بذي سلمٍ مزجت دمعاً جرى من مقلة بدمِ
وكنتُ أستمعُ إلى أولئك الطلاب الكبار يترنمون بشعر الملا أحمد الجزيري:
نوايا مطرب و جنكي فغان آفيته خرجنكي
أو يرتلون أبياتاً للشاعر المعاصر جكرخوين.
كلُّ هذا وذاك كان حافزاً لي لأحاولَ مقارفة صناعة الشعر وبعد أنْ تمرستُ باللغة الانكليزية نظمتُ القريض باللغة الانكليزية وكنتُ أنظمُّ الشعر قبل ذلك باللغتين العربية والكردية , إلا أنَّ ما نظمته بالانكليزية كان قليلاً… إلا أنَّ زمنَ الشعر لم يطل، وبعد أنْ أحجمتُ عن كتابته انقطعتُ إلى الكتابة النثرية فوضعتُ شرحاً وافياً لأغراض قصيدة البردة للإمام البوصيري ومفرداتها العربية لتقريب فحوى هذه القصيدة المطوّلة إلى أذهان القراء، وكان هذا الشرحُ , أو هذا العمل يطبع ويصدر في كتاب عن مطبعة (جورج هرموش) -مطبعة الخابور” في مدينة القامشلي عام 1959م يحملُ عنواناً باسم “قصيدة البردة”، ثم تلا ذلك صدور كتاب آخر عن المطبعة التي سبق ذكرها عام 1960م يتضمن ترجمة لقصائد مختارة من ديوان “العقد الفريد” للشاعر الكبير ملا أحمد الجزيري ثم ترجمتُ كتابات أخرى لكبار المؤلفين والأدباء والروائيين عن الانكليزية مثل: برنارد شو، وجون شتاينبك. ويشار كمال وعزيز نسين وأغاثا كريستي وغيرهم. ومما وثّق صلتي بالترجمة وزاد من عمق هذه الرابطة أَنني كنتُ أُكلَّف بترجمة بعض الكتب التي تبحث في شؤون النفط والإدارة والحسابات في أثناء عملي في الرميلان وكراتشوك، ثم بعد ذلك العمل في وكالة الأنباء اللبنانية والكويت محرراً ومراسلاً.
– من الأسئلة التي رشقني بها الأخ دلاور: إنْ كنتُ مارستُ العمل في التأليف؟
لقد كتبتُ القصة القصيرة والمسرحية , ولي بحوثٌ في الديانات القديمة ومواضيع أخرى، منها: بحث في الديانة اليزيدية وبحث في الديانة الزرادشتية القديمة، صدرا في كتابين مستقلين ومنفصلين , وقد أعددتُ قاموساً باللغات الثلاث الكردية – الانكليزية –العربية، وقاموساً آخر باللغة الكردية والعربية “كردي-عربي” شاطرني في تدوينه المحامي محمد خلف “ريوي”… كما كتبتُ المقالة والقصيدة النثرية، وكانتْ بعضُ أعمالي الأدبية تنشر في مجلة “الدنيا” و”الرقيب” و”النقاد” ومجلة الخابور، وقد كانت المجلاتُ تهتم بشؤون الأدب والأدباء وكانت تتمتع بمكانتها الرفيعة في الصحافة , استمر صدورها حقبة من الزمن ثم توقفتْ عن الصدور في أوائل الستينات لأسباب نجهلها. وعن هذا السؤال:
كيف تنظرون إلى الثقافة وما يطلقون عليه اسم العولمة؟
– منذ قرون كان طالبُ العلم يتناول في تحصيله العلمي صنوفاً من العلم، فقد نقلت لنا أسفارُ التاريخ أسماءَ علماء أفذاذ نالوا قسطاً من المعارف المتنوعة لم تقتصرْ دراستهم على فن واحد، وآية ذلك أننا حين نقرأ شعراً لعمر الخيام نلمسُ فيه معرفته بالفلك والكيمياء، ونجد أنَّ الإمام الشافعي كان شاعراً , وكان ابنُ سينا فلكياً وشاعراً وطبيباً , وهذا القولُ يسري على ابن الهيثم والشاعر ملا أحمد الجزيري. أما في العصر الحديث فقد ظهرتْ علومٌ كثيرة ولم يعدْ تحصيلُ العلوم جميعها ممكناً وتمخضت عن ذلك ظاهرة التخصص في علم معين كالهندسة والطب والصيدلة والتجارة والآداب بأَنواعها وعلم طبقات الأرض “الجيولوجيا” والفيزياء والكيمياء بأنواعهما إلى آخر ما في هذه السلسلة الطويلة من العلوم التي لا تكادُ تقعُ تحت الحصر.
لا ريب أنّ في الدراسة التخصصية فوائدَ جمة إذ لا تتبددُ طاقاتُ المتخصص الذهنية في علوم ليستْ ضالته , ولا تهدرُ جهوده في أمور لن يجنى منها في غده نفعاً , ولا يرجو مغنماً وهكذا يظلُّ المتخصصُ مجرد عامل محترف يزاول مهنته بدقة ويظل بعيداً عن المعارف الأخرى , أي لا نستطيع أنْ نطلق اسم المثقف على المهندس أو الطبيب إلا ضمن شروط . إنّ الجامعة قد تستطيع صنع كيميائي أو رياضي، ولكنها لا تستطيع أنْ تخلق فرداً مثقفاً لأنّ الثقافة هي من شأن الشخص لا من شأن الآخرين. والطريق إلى الثقافة لم يعدْ شائكاً والسبيل إليها هينٌ ويسير, ولا سيما بعد ظهور هذا المارد العملاق الذي يطلقون عليه اسم “العولمة” هذا المارد الذي يأتيك بعلوم الكون كلها قبل أن يرتدَّ إليك طرفك. ينقلُ إليك خلاصة الفكر البشري دون أنْ تتكبدَ مشقة البحث , ودون أنْ تزولَ عن مكانك. إنّ “العولمة” نعمة جليلة إنْ عرفنا حدودها , ولم نسىء في التعامل معها , وكنا صادقين مع أنفسنا.
وأخيراً بحث الأخ دلاور في جعبته , فعثر على هذا السؤال، قائلاً:
– هل تحدثنا عن عامودا.
إنّ هذا السؤال قد يلقي بي في متاهة , ولن أستطيعَ الخروج منها إلا بعد لأْيٍ , لأنّ الحديث عنها طويلٌ , فقد نشأتُ فيها وترعرعتُ , وفيها عرفتُ الأصدقاء وذقتُ فيها ما يشبه حلاوة الشهد , ومرارة العلقم. ولي فيها ذكرياتٌ أليمة , ومن أكثرها إيلاماً للنفس احتراقُ دار السينما مع مئات التلاميذ الصغار الذين كانوا قد حضروا العرض لمؤازرة الشعب الجزائري في نيل حريته.
كانت الدارُ مبنية من اللبن الترابي، تفتقرُ إلى جميع أسباب السلامة والأمان، كان كلُّ شيء في تلك الدار متخذاً من الخشب والقش و “الخيش- (الأكياس المصنوعة من نبات القنب) كانت الكراسي والمقاعد مصنوعة من الخشب والقش والسقف من عمد خشبية، وغرفة “تشغيل المحرك” بنيتْ جدرانها من الخشب… كان الحيّزُ ضيقاً مثل فخّ , أو مصيدة , وكان البابُ لا ينسجم مع بناء يرتاده المئاتُ… وكانت الأفلامُ مصنوعة من مادة لدنة شديدة الالتهاب سريعة الاحتراق لا تختلفُ عن “البارود” وقصارى القول: إن الدار كانتْ مهيأة للاحتراق بسبب الجهل العام…
عندما وصلتُ إلى المكان الذي احترقتْ فيه أجسادُ الأطفال كانتْ بقايا النار ما تزالُ مضطرمة تلتهمُ بقايا الأجساد المحترقة وتنشرُ عبق اللحم المشويّ في الفضاء الحزين فتنقطع نياط القلوب وتتمزق الأكبادُ جراءَ ذلك.
(1) : المقصود به ( الشيخ عفيف )
(2) : المقصود به ( الشيخ سليم )
بعض أعمال الشيخ توفيق الحسيني بين الترجمة والتأليف:
1-شرح قصيدة البردة للإمام البوصيري.
2-مختارات من ديوان الجزيري.
3-ديوان الجزيري (العقد الفريد).
4-رشو داري –جكرخوين.ترجمة.
5-مختارات من شعر جكرخوين.ترجمة.
6-سالار وميديا –جكرخوين-ترجمة.
7-الراعي الكردي -عرب شمو.ترجمة
8-أكراد الآغوز -عرب شمو.ترجمة.
9-حدثينا يا ستوكهولم –بافي نازي.ترجمة.
10-مطر ودموع -بافي نازي.ترجمة
11-الشجرة التي سقطت أوراقها- بافي نازي.ترجمة.
12-قبل بزوغ القمر –دلاور زنكي- مجموعة قصص.ترجمة.
13-وثن للعشق – دلاور زنكي – مختارات شعرية.ترجمة.
14-بحث في اللغة- دلاور زنكي- قيد الترجمة.
15-الفتى الذكي والعمالقة –تأليف
16-معجم كردي-انكليزي- عربي لم يطبع.
17-معجم كردي- عربي بالاشتراك مع المحامي محمد خلف لم يطبع.
18-قصص شعبية من الفولكلور الكردي –تأليف.
19بازبند أو الحجاب –ديا جوان- ترجمة.
20-عبرات متمردة – ديا جوان – ترجمة.
21-موجة من بحر أحزاني- ديا جوان-الجزء الأول.ترجمة.
22-مجموعة قصص شعبية- ديا جوان- الجزء الثاني.ترجمة.
23-مجموعة قصص شعبية-ديا جوان-الجزء الأول. ترجمة.
24-الرجال والسلاح (مسرحية) برناردشو-ترجمة.
25-نابليون (مسرحية) برناردشو- ترجمة.
26-حكم وأمثال كردية- لم ينشر.
27-ثريا ذات ثلاث شعب- عزيز نسين-ترجمة.
28-إطلالة على الغرب –عزيز نسين- ترجمة.
29-قدر فتاة أرمنية –دافيدكيربديان- ترجمة.
30-ظل العشق –محمد اوزون – ترجمة.
31-الديانة الزرادشتية أو اليزيدية- ترجمة.
32-بحث في الديانة الزرادشتية – تأليف.
33-المثالية في الأديان (بحث) تأليف.
34-بحث في الديانة الايزيدية – تأليف.
35-طرائف كردية- تيريز- ترجمة.
36-مختارات من شعر تيريز- ترجمة.
37-الحشرات والأمراض الاستوائية-عن الانكليزية.ترجمة.
38-المعالجة بالإبر- ترجمة.
39-المساج الصيني والإسعاف السريع- ترجمة.
40-مجموعة قصصية- تأليف.
41-مجموعة شعرية –تأليف.
42-الفئران والرجال- جون شتاينبك-ترجمة.
43-في مدارس عامودة وما حولها (ضرب زيدٌ عمراً) : اقتباساً عن الشيخ عفيف الحسيني .
44-نهر عامودة – صدر الجزء الأول- تأليف
45-نهر عامودة- لم يصدرالجزء الثاني- تأليف.
46-قصائد مرتجلة –ترجمة.
47-تحت أضواء قناديل قريتي- شعر- ترجمة.
48-ديوان شعر للشاعر: هوزان كركند-ترجمة.
49-جبل ساسون –أوصمان صبري-ترجمة.
50-جبل آكري-يشار كمال- ترجمة.
51-حركة الشيخ سعيد للمؤرخ الكبير ملا حسن هشيار-ترجمة. لم يطبع.
52-عروس من داغستان للأديبة (فازو)-ترجمة.
53-أسراب السنونو الخضراء وقصص أخرى. ترجمة.
54-قصائد غنائية (دوستم)- ترجمة.
55-كنت أحبك ذات يوم- من شعر المنثور.
56-هكذا تكلم “سمو”.
57-مقالات وبحوث مختلفة.
========================
بعض أعمال الشاعر دلاور زنكي : ترجمة – تأليف – إعداد :
1-ديوان شعر (بيداري= Pêdarî)، صدرعام 1985.
2-مم و زين–أحمد خاني-بالأحرف اللاتينية-1985.بالاشتراك مع تيريز.
3-قواعد اللغة الكردية(اللهجة الكرمانجية)، جلادت بدرخان-1990.
4-حول المسألة الكوردية-جلادت بدرخان-1990.أربيل-كردستان.
5-من عشق القناديل القديمة-عبدالرحمن مزوري-1991.
6-عذبة لي ومرة لناس-عبدالرحمن مزوري-1991.
7-شرفناميا منظوم-جكرخوين-1997-بيروت.
8-مذكرات جلادت بدرخان-1997-بيروت.
9-أنا والنار-الشاعر هزرفان-1997-بيروت.
10-البدرخانيون في جزيرة بوطان-مالميسانز-1998-بيروت.
11-قبل بزوغ القمر-2001-أربيل، كردستان.ترجمة: توفيق الحسيني.
12-الكاتب الكردي قدري جان-2001-أربيل-كردستان.باللغة العربية.
13-مذكرات أوصمان صبري-2001. باللغة العربية-بيروت.
14-الكاتب قدري جان-باللغة الكردية-طبع في اسطنبول 2004.
15-مذكرات أوصمان صبري-2005. باللغة الكردية-بيروت.
16-معارك صاصون-أوصمان صبري-2005-بيروت.
17- التاريخ الفولكلوري لامارة بوتان-ملا خلف بافي-2005.
18-الكاتب والشاعر قدري جان-باللغة الكردية-2005-بيروت.
19-معارك صاصون-أوصمان صبري-اسطنبول2005.
20-رحيل الشاعر تيريز-2005-المانيا.
21-قصة المولد(Mewlûda pêxember)،تيريز-2006-بيروت.
22-ديوان شعر (وثن للعشق)، دمشق.ترجمة: الشيخ توفيق الحسيني.
23-طرائف كردية-2-باللغة الكردية-تيريز-2009.موقع تيريز.
الأعمال التي ساعد الأميرة روشن بدرخان بانجازها وقام بطبعها ونشرها:
1-مذكراتي-صالح بدرخان-دمشق-1991.
2-الأمير بدرخان-لطفي-بيروت-1992.
3-رسالة الى حضرة الغازي مصطفى كمال باشا-جلادت بدرخان.
4-مذكرات امرأة- الجزء الثاني-دمشق. دار علاء للنشر.
قيد الطبع:
1-أطياف الماضي -2009.
2-مختارات (لقاءات وحوارات)، جزء(1)-2009.
3-مختارات (لقاءات وحوارات)، جزء(2)-2009.
-له أعمال باللغة الكردية والعربية كثيرة لم تنشر بعد.
القصائد الثلاث :
إلى ( دلاور زنكي)
يوسف برازي “بي بُهار”
أيها الفتى الهمام النبيل
أيها الباسل اللبيب
أيها الكريم الماجد الجواد
يا رابط الجأش يا حديد الفؤاد
يا دلاور زنكي
يا شاعر الأكراد
إن الشعب مفتقر الى روّاد مثلك
فبأضوائك يستنير
كم تعلّم أناسينا من شعراء مثلك
كم هديتهم الى سواء السبيل
كم تفرقوا شيعاً واحزاباً.. كم تنازعوا
وكم تناحروا
لأنّ الطغاة استأصلوا شأفة العلماء
وأغفلوا كل جاهل وما مُسوا بسوء
عندئذ هبّ الشعراء وهتفوا:
استفيقوا أيها الراقدون، فقد طال بكم المدى
فاستفاقوا
لقد جاهد جكرخوين وناضل بقصائده، ولم يلق سلاحاً
حتى الرمق الأخير
وذاك الشاعر العظيم العلامة التحرير: أوصمان صبري
ما ادخر وسعاً وما ألَى جهداً.
أنت وصنوك “تيريز” يفيض كلامكما عسلاً وشهداً
وها أنتما من بعد جكرخوين تشعان كالفجر.
أبداً.. ينوء الشعراء بالعبء الثقيل
في كل الجهات من “لور” و “سور” و “كوران” و”زاز” وبادينان.
أيها الرفيق “دلاور”
إن الكرد لن يفلحوا دون أدب
ولن ينالوا أرباً.
إن شعباً من غير شعراء
حريُّ به أن يكون مغموراً، جاهلاً.. مضطهداً
لقد جبت العالم برمته، كل رقعة وبقعة، وجربت كل أنواع
العشق فلم أجد أرضاً مثل كردستان
ولم يجد قلبي حبيبة مثلها.
19/7/1985م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة: الشيخ توفيق الحسيني.
إلى (دلاور زنكي)
تيريز
22/6/1985م
لك البشرى يا “جكرخوين” الكرد
أيها المعلم الخالد.. أيها المرشد الحكيم
فإن المربع الذي رحلت عنه لم يعد خاوياً
فها هو “دلاور” يمتطى حصان الشعر،
ويقوم مقامك
بعد رحيلك.
وها هو الأدب الكردي مزدهر كما كان
لم تخلُ منه أمصاره ومدنه.
لقد ناب عنك في حمل اعبائك الباهظة
فارقد أيها المعلم الكبير ونم قرير العين هانيء البال
فإن “دلاور” يرفع رايتك باسقة شامخة
ذاك الفتى النبيل الرائع.
ملك الحب،
المتربع على عرش العشق والجمال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
ترجمة: الشيخ توفيق الحسيني.
إلى (دلاور زنكي)
أحمد شيخ صالح
1991/عين ديوار
من صَوْب جِلَّقَ صُداحٌ يسهدني
هتافُ الحجلِ المرنُّ يؤجِّجني
يجذبني وجداً.. إلى عالم العشق يطوّحني
يشجيني.. يشتتني
رسالة “دلاور” تزعزعني.. تضعضعني
فأنا اليوم مضطرم مضطرب كماء دجلة
رسالة “دلاور”، تثير كوامن عشقي وحنيني
أهدى إليّ شعاعاً من حبور وانتشاء
فإذا نحن ثملان من كأس واحدة
مبدَّد ذهننا وفكرنا
تنكّبَ قوس شرف الدين
رنا إليّ بعيون حوراء
توغلت الحوريات إلى سويداء القلب وصميم الكبد
فأنا اليوم جريح ثلاثة سهام
لقد كان مغواراً في ساحات الوغى
وفي ميدان الهوى
ممتزجاً بالعشق
فإذا هو والحب شيء واحد
وكان مؤمناً بقضيته وفياً.
أما أنا فرهين أحبولة
شهم نبيل… متحفز.. همام.
هو الذي يحذو حذو “جلادت”
حامي ذمار اللغة والكلمة.
وأنا رفيق دربه
إنك من أعضا مدرسته
أنت وحدك الطائر المغرد في أيكته.
أنت المنسق في عالم المعرفة
والنحو.
شكراً لرب الهامة الشامخة
والنظرة الثاقبة
والبراع الفذّ
فإني أراه في رياض النظم والألحان
وفي عالم الفكر والبيان
لي معلماً ومرشداً واستاذاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة: الشيخ توفيق الحسيني.
التعليقات مغلقة.