المخرج السينمائيّ الكرديّ مـانو خلـيل في حوار خاص لصحيفة Bûyerpress

211

– المشاركة في مهرجان ما أو الحصول على جائزة ما لا يعني أننا أقمنا ركناً من أركان السينما.

 

– لم تمر لحظه واحده ولو دقيقة واحدة ولم أفكر فيها بالعودة إلى أرضي ووطني الذي أجبرت على تركه.

 

– الجائزة الأولى في المانيا في عام ١٩٩٣ عن فيلمي “حيث ينام الله” هي أحبّ جائزة، ليس لقيمتها المادية ولكن لأنها كانت اعترافا عالمياً بالظلم البعثي على الشعب الكردي في روجافا.

 

– كانت المدرسة بمثابة “موسم للتعذيب والعقاب على كرديتنا”، كان هناك دائما “جحوشا ” صغار بيننا ..هؤلاء “الجحوش الصغار” أصبحوا اليوم ” حميرا كبار” ولا يزالون يعملون في خدمة أعداء الشعب الكردي.

 

–  ولحسن حظنا كان لدينا والد عرف بعفويته الكردية كيف يحقننا بلقاح مضاد لذلك السمّ البعثيّ.

 

                                                                                                                                  حــوار: قــادر عــكــيد

 

مانتو خليل1

 

* من هو مانو خليل؟

سيكون جوابي بالتأكيد مملا وبعيداً عن “المودرنيزم” الذي تمرّ فيه “الانتلجنتسيا وطبقة طباخي السياسة الكردية” في الوقت الراهن. أنا انسان أحاول من خلال مهنتي التي أصبحت السينما “كان يمكن أن تكون بائع فجل مثلا” أن أعلن للقاصي والداني، بشرا وحيوانات أنني أنتمي إلى شعب يسمى الشعب الكردي ليست لهذا الشعب أية علاقه، لا تاريخيا ولا حاضرا ولا مستقبلا لا بالأتراك ولا بالعرب ولا بالفرس. وأن لهذا الشعب الحق الكامل في بناء دولته المستقلة وبناء جداره العازل مع تلك الشعوب إذا لم يجد معهم حل تعايشي ومنطقي آخر. أنا لست عنصري، أنا مضطهد إلى أآخر نفس في روحي. من يحاول أن يظهر العكس فأنني أرفضه قطعيا. أنا لا أطلب أي زكاة من أحد، منعوني من ثقافتي وحرموني من وجودي كإنسان فلماذا أقبل بأن يحصل نفس الشيء لأبنائي؟ من سرق حقا، يجب إعادته. نحن نعيش لمرة واحده، فلتكن عيشة بحرية وعزّ.

 

*حدثنا عن طفولتك الكرديّة البيضاء، في أقصى الشمال السوريّ؟

هناك الكثير الذي سأتحدث عنه في فيلمي القادم، والذي سيكون عن طفولتي الكردية في دولة “التربية البعثية العروبية” التي سرقت الطفولة ليس فقط من أطفال الكرد، ولكن من الطفولة بشكلها الانساني. وحاولت بكل الوسائل “تربية” جيل سنده اللؤم، وأساسه العبودية ومنطقه الاذلال في خدمة الديكتاتور ونظامه. هذا النظام الذي سلب الطفولة كل ما ينم عن الاحترام والحب وزرع في أرواحهم حقناً من الحقد والارهاب نجد نتائجه اليوم في طول سوريا وعرضها حيث يقوم الاخ بنحر أخيه و الاب مستعد في أي لحظه ببتر يدي ابنه أو ردم ابنته. إنها نتائج تلك التربية التي مررت بها أنا ايضا كطفل. إن ما يجري اليوم في سوريا والعراق هو ليس إلا موسم جني محصول ما زرعه نظاميْ البعث في تلك الدولتين.  إنه لم يكن سهلا أن لا يسقط الانسان في حضيض النظام ويصبح عضوا “مخلصاً” في ماخوره. لكن – ولحسن حظنا-  كان لدينا والد عرف بعفويته الكردية كيف يحقننا بلقاح مضاد لذلك السمّ البعثيّ.

بدون عنوان

 

* حدّثنا عن معاناتك مع اللغة العربية في بداية المدرسة حيث أصبحت غريبا عن لغتك الكردية الدافئة؟

اللغة وفهمها والتحدث بها هي مسألة انسانيه بحتة، فكلّما كثرت اللغات التي نطقتها وتحدثت بها فكأنك تزيد انسانيتك انسانية. للغات وتعلمها مكان خاصّ عندي، حيث قـُدّر لي ومن خلال دراستي في أوروبا وهجرتي أن أتحدث بشكل جيد حوالي السبع لغات. منها الإنكليزية، الألمانية، الإيطالية، السلوفاكية، التشيكية طبعا إضافة إلى لغتي الأم الكردية والعربية…كل تلك اللغات لها معنى آخر في حياتي، تعلمتها بحبّ و بشوق وكافحت ودرست ليالي وطبقتها وأتحدثها بكل فخر، فقط اللغة العربية، لها طعم آخر تحت لساني.
أنا لم أتعلم العربية بمحض إرادتي، لقد أجبرت على تعلمها، كان النظام يرسل “معلمين” إلينا همّهم كما قلت قتل الإحساس الكردي فينا، كانوا يعاقبوننا لمجرد نطقنا كلمه بلغتنا الأم. كانت المدرسة بمثابة “موسم للتعذيب والعقاب على كرديتنا”، كان هناك دائما “جحوشا ” صغار بيننا يقومون بإعلام المعلم أو المدير بمجرد تحدثنا بالكردية في الباحة أو في حصة كانت تسمى ” التربية الرياضية ” بالمناسبة هؤلاء “الجحوش الصغار” أصبحوا اليوم ” حميرا كبار” ولا يزالون يعملون في خدمة أعداء الشعب الكردي. لهذا السبب فأن اللغة العربية تعتبر عندي كعاهة، كمرض مزمن أعاني منه، كم مرة تمنيت لو لم أفهم كلمه من تلك اللغة، هي ليست حقدا على اللغة وعلى من يتحدثها، حتى لا يُفهم كلامي خطأ، ولكنها فقط حالة محاولة الانعتاق من عبودية لغة أجبرت على تعلمها لأنسى لغتي الأم. هذه اللغة أصبحت عالة عليّ وستبقى كذلك إلى يوم مماتي، هناك جمله أكررها دائما حيث أقول لو كانت اللغة العربية ثوبا، لمشيت عارياً في الشارع.

 

*كيف ومتى حرّكت السينما ما بداخلك وشعرت بانجذابك إليها، أقصد كيف كانت بداية هذا الحلم؟

بالتأكيد أنا لم أولد في عائله سينمائيين، بالعكس ففي محيطنا كانت السينما ومشاهدة الافلام في السينما تعتبر من المحرمات وكان كعمل يقوم به “الزعران” فلاعبي القمار وزائري بيوت الدعارة هم من يذهب للسينما أيضا. أثناء دراستي للمرحلة الاعدادية والثانوية في قامشلو كانت هناك أربعة صالات سينما، كنت أعرف أي فيلم جديد يأتي، كنت أعشق الجلوس في ظلمة الصالة ومشاهدة الافلام. كنت أنتظر دائما لبدء عرض الفيلم و بعد دقائق كنت آتي، بمجرد أن يخرج بائع البطاقات من مكانه، فكنت أعطي مراقب الباب ليس بطاقة ولكن أحياناً ربع قيمة التذكرة، وكان يسمح لي بالدخول، كنت دائما لا أشاهد بداية الأفلام، ولكن لم يكن مهما ما دمت أحضر أربع أفلام بثمن بطاقه واحدة.
أما مسالة قرار دراسة السينما فكانت مسألة حرية بحتة، في ذلك الوقت كنت أدرس في جامعة دمشق الحقوق، عندها تأكدت ان للسينما قوة فظيعة لو استعملت كأداة لتحرير الانسان وشخصيا كان الهمّ الكردي وحريته السبب الأول والأخير الذي دعاني للإصرار لدراسة الاخراج السينمائي.

 

* لم اختيار الدراسة في تشيكوسلوفاكيا تحديدا في البداية؟

أتذكر في البداية قيل لي أن في تركيا كلية للسينما، قمتُ بترجمة أوراقي و شهادتي وأرسلتها إلى استانبول، كنت أعتقد أن وجود جدي وأخوالي من طرف والدتي في كردستان الشمالية سيكون بمثابة السند والمساعدة لي، وفعلا بعد فترة جاء الرد من استانبول برساله باللغة التركية، لم نفهم كلمة وبحثنا في كل قامشلو عن شخص يمكنه قراءة الرسالة وأخيرا وجدنا ممرضا عند أحد الاطباء يفهم التركية، قرأ لنا الرسالة ولم نفهم أي شيء، وتركت فكرة استانبول و تركيا. ثم جاءت موسكو ولم أنجح في ذلك، وبعد سنه أو سنتين تمكنت من خلال بعض الاصدقاء الطيبين من الحصول على منحه دراسية في تشيكوسلوفاكيا السابقة، حيث كانت ذلك الوقت تقدم الدول الاشتراكية منح دراسية لأحزاب و منظمات شيوعيه وكردية.
وعندما وصلت براغ تفاجأت بأنهم منحوني كلية الهندسة و فعلا عملت المستحيل لأغير فرعي إلى الاخراج السينمائي، حيث نجحت بامتياز في امتحان القبول، وكنت واحدا من خمس طلبة قـُبلوا في كلية الإخراج السينمائي وكنت في ذلك الحين الطالب الأجنبي الوحيد الذي كان يدرس السينما هناك.

 

* مررت أثناء دراستك السينما في تشيكوسلوفاكيا بين 1986 و1993 بظروف صعبة وقاسية. حدّثنا عن تلك التجربة بكل مرارتها؟

نعم كانت ظروف صعبة، ولكن اليوم أرى أنها كانت بمثابة تجربه انسانيه لابد منها…
عدا المسائل المادية التي كانت بمثابة الهمّ لنا كطلبة لا يحصلون على رواتب من النظام، فقد كانت هناك مضايقات منظمة الطلاب البعثيين وأجهزة مخابرات النظام هناك.
فلي تجاربي معهم، في عام ١٩٨٨ اختير فيلم قصير كنت قد أخرجته في مهرجان ادينبره الانكليزي، وقدمت لي دعوة من المهرجان للسفر إلى انكلترا، ولكن جواز سفري السوري كان منتهي الصلاحية وكان لابد من تجديده للحصول على الفيزا الانكليزية، أخذت موعد من السفارة السورية في براغ و سافرت هناك، لتجديد الجواز و معي كل الاوراق مختومة من الاكاديمية. دخلت السفارة ورحب بي الشخص المسؤول، طبعا كلنا كان يعلم أن سفارات النظام كانت ولاتزال أوكارا للمرتزقة والعملاء والمخابرات وصرافي العملات والمهربين، عاتبني الرجل لماذا لا أزورهم وكان ردّي أن دراستي هي صعبه والطريق طويل وليس لدي نقود للسفر والخ من هكذا حجج. قلت أود تجديد الجواز لأنني أريد السفر إلى سوريا. قال ليست هناك أي مشكلة، سنجدد الجواز، وأعطاني استمارة وطلب مني أن  أملئها وكانت كالمعتاد عن الاسم والكنية ورقم الهوية و.. والجنسية، ملأت كل الخانات وعند خانة الجنسية كتبت حرف س يعني سوري. قدمت الورقة مع الأوراق الأخرى للرجل، وهو تفحصها و من ثم أعادها قائلا، أستاذ خليل، لقد نسيت في خانة الجنسية أن تكتب ع . س ” يعني عربي سوري” فغمزت له ضاحكاً سوري تكفي… فنظر إليّ بحدة قائلا: “يلا كتب عربي سوري وخلصنا”. فصمتت والتقت نظراتنا بكل جدية، فقلت له أنا سوري.
يعني ما بدك تكتب عربي سوري؟ ابتسمت، بإشارة لا. فقال انتظر قليلا. ذهب إلى غرفه في الخلف وعاد بعد دقائق قليلة، فقدم لي جواز السفر والأوراق قائلا: أخي مع الأسف، أنت لازم تجدد جوازك في الشام.
فقلت له:” وكيف بدي روح عالشام وجوازي منتهي”؟ فوضع الأوراق على الطاولة أمامي وقال:” والله يا أخي هاي مو مشكلة السفارة”. وأخذ كأس الشاي الباردة التي لم أشرب منها شيء. خرجت من سفارة النظام وعرفت في قرارة نفسي، إذا أردت أن يصل صوتي إلى العالم، فما علي سوى التبوّل في كأس شاي السفارة. فخرجت وأقسم أنني في الشارع التفت إلى بناية السفارة وبصقت عليها. طبعا لم أسافر إلى انكلترا للمشاركة في المهرجان في ذلك الحين.

 

* هل ترى أنك وفقت من خلال أعمالك التعبير عن الهوية والتراث الكرديين؟

القضية أنني لا أحتاج لشهادة أو دبلوم من أحد أو من أي جهة تقول لي” برافو مانو خليل” لقد عبّرت بشكل استثنائي عن الهوية الكردية. إلى اليوم لم أحصل على أي دعم “مادي أو معنوي” من أي حكومة، أو حزب أو منظمة أو تلفزيون كرديّ، أن ما أقوم به هو جهد خاص لا أحتاج لأن يشكرني عليه أحد أو يقدم لي شهادات. أؤمن بحق الشعب الكردي في الحرية وهذا ما أتحدث عنه وسأتحدث عنه لاحقا.
حريتي ووجودي كفنان مرتبط مثل “حبل السرة” بحرية أخوتي وأخواتي و شعبي الكردي من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه. أنا مناضل من أجل حريتي وحرية شعبي وهذا لم أخفه ولن أخفه يومأ ومن لا يعجبه هذا الكلام فهذه مشكلته فقط.

 

* ربّما يعتبر فيلم “طعم العسل” من أكثر الأفلام شهرة إذ حصل على تسع جوائز أو أكثر، بم تعلل هذه الشهرة الاستثنائيّة برأيك؟

بكل بساطه هو فيلم يدخل إلى قلوب البشر. الناس يتعاطفون بصدق مع بطل الفيلم…
أنها قصة تمسّ مشاعر الناس ولا تستجدي عطفهم، كما يحصل عادة في الافلام الرخيصة. أما مسألة الجوائز فهي أيضا دليل على استثنائية الفيلم حرفيا أيضا.
* ابتعدت في فيلمك “طعم العسل” عن لعبة الظالم والمظلوم. هل هي محاولة لجعل الشخصية الرئيسة فيها، شخصية عالمية، تكاد تشبه أية ضحية من ضحايا الحروب الأخرى؟

أبدا لم أبتعد، هناك صراخ المظلوم ضد حنق ولا انسانية الظالم. المسألة الوحيدة أنني لم أكن الحكم الذي يطلق الاحكام في الفيلم، أنا لم أكن قاضيا أعلن من هو الظالم ومن هو المظلوم، أنا تحدثت بشكل انساني (أعني انساني بشكل عام، في هذه الحالة شخص كردي، كان يمكن أن يكون افريقيا، أو امريكيا أو أي شخص آخر) قضيه كردية بحتة أصبحت قضية انسانية، وهذا ما أريده، أنا لست حزب سياسي أو رجل “يمارس” السياسة ليعتاش عليها أو يحصل على وليمة أو دعوة في فندق ليعلن عن الحقوق والواجبات ويطلق الشعارات والصواريخ. الفن يجب أن يدخل القلوب أولا، الرؤوس أحياناً تبقى باردة، أنها مسألة عشق وحب.
مثلا ومن منظور عقلاني ومنطقي كل العالم يعترف أن الشعب الكردي له الحق في اختيار مصيره. منطقيا وعقلانيا يقفون مع الشعب الكردي ضد همجية الجيش التركي و جيش ملالي ايران أو عنصرية البعثيين. ما ينقصنا مع الأسف هو دخول قلوبهم.
الكردي يخرج في اوروبا بمظاهرة لا يشارك بها أوروبي واحد. قبل أيام كنت في زيوريخ وكانت هناك مظاهرة تقوم بها امرأتين عجائز سويسريات من أجل فلسطين. الفلسطيني دخل قلوبهم، من خلال فلافله أو من خلال زيت زيتونه. أما الكردي فلا يزال يستعطف و يشحذ محبة الاوروبيين وهذا غير ناجع.

بدون 1عنوان
* ألا ترى أنه حتى منع عرض فيلم “دافيد تولهلدان ” يعتبر نجاحا لك، أولا لأن دولة مثل تركية تخشى عرضه، وثانياً أن فيلما من إخراجك بوسعه خلق أزمة دبلوماسيّة بين دولتين في حال عرضه؟

بالتأكيد هو انتصار كبير لي ولعملي من جهة ومن جهة أخرى إثبات أن ما أفعله بل يرضي من يحاول إذلالي ويقدم للعالم صورة عني وعن شعبي بأننا همج ونعيش في الادغال وليست لنا أية علاقه بالحضارة ولا نستحق وطناً. شعرت حينها بالفخر. بأن ما أفعله له قوه يخاف منها عدوي الذي لا يستحسن وجودي. عرفت حينها أن لدي يد قوية وأصابع يمكنني أن أضعها في عين كل من يرفض وجودي كإنسان.

 

* تعرّضت أثناء انتاج فيلمك الأول “هناك حيث ينام الله” لمضايقات من قبل النظام، ربّما وصل إلى حد الاعتقال ومصادرة الفيلم وآلة التصوير، ما هي حيثيّات الموضوع؟

نعم ان فكرة تصوير الفيلم حينها في كردستان روجافا كانت فكرة خطرة بحد ذاتها، هذا كان في عام ١٩٩٢، حينها لم يكن أحداً قد صوّر فيلماً في كردستان، وكان ذلك الحين لم تكن كاميرات الديجيتال موجودة،  فقد أحضرت كاميرا سينمائيه ١٦ مم ومجرد دخولي من معبر نصيبين إلى قامشلو حجزت الكاميرا وأنا حصلت على ورقة بحث من النظام الذي ألقى القبض علي في دمشق والسبب بكل بساطة أنني مره في إحدى مقابلاتي في مجلة في تشيكوسلوفاكيا ذكرت أنني كردي سوري. لقد حاولنا المستحيل بأن نعيد الكاميرا و فعلا تمكنا من ذلك بعد تدخل بعض الوجهاء ومن خلال وساطات لتظهر المسألة على أساس أنها قضيه تجارة وكمارك وتصوير أعراس وليس مسألة تصوير أفلام .
طبعا الفيلم صورته بجهودي الفردية وبعد انتهاء مراحل التصوير كانت المرحلة الأكثر صعوبة، وهي إخراج “نيكاتيف ” الفيلم من سوريا، وفعلا من خلال علاقاتي التشيكوسلوفاكية بعد سقوط الشيوعية، حيث أصبح مدرسي وزيرا للثقافة، تمكنت من إيصال “النيكاتيف” إلى سفارة تشيكوسلوفاكيا التي ساعدتني مشكورة لإيصال ٩ علب النيكاتيف إلى براغ.
في هذا الفيلم نقلت صورة في ذلك الحين عن كردستان سوريا إلى العالم، فقد عرض الفيلم في أكثر من محطه تلفزيونيه وعرض في عشرات المهرجانات في ذلك الحين حيث لم يكن يوجد انترنت حينها وحصل في المانيا على جائزة أفضل فيلم …

 

* أي رسالة تلك التي أراد مانو خليل إيصالها من خلال فيلم “السنونوة”، ولم وقع اختيارك على ممثّلة سويسريّة دون الكرديّة، ولم هذا الاسم تحديدا” السنونوة”؟

إنني أسرد من خلال “السنونوة” مجموعة من القصص وأهمها قصة البحث عن الذات وعن الجذور من خلال فتاة سويسرية من أب كردي. إنها قصة الانسان في العودة إلى المنبت ومن خلال هذه القصة الانسانية أعرض وضع المجتمع الكردي وقضية الخيانة التي لاتزال السرطان الذي ينهش في لحمها إلى الآن. فالتاريخ الكردي ملئ بالخيانة، لو لم تكن الخيانة الكردية ضد الكردي لكان لنا أيضا وطن. فالجحوش في كردستان الجنوبية والقرجيين في كردستان الشمالية وعملاء ملالي إيران في كردستان الشرقية والآن دواعش الكرد عملاء الأخونجيه وأذيال الفاشيين العربان في ما يسمى الائتلاف السوري للمعارضة.. هم سرطان يجب اقتلاعهم من المجتمع الكردي.. وإذا لم يتم اقتلاعهم فنيل الحرية للشعب الكردي هو حلم في المريخ.

 

* لم اعتمدت على ممثلة سويسرية دون الكردية في فيلمك ” السنونوة”، أمن قلّة؟!

بصراحه كانت هناك صعوبة جدا إيجاد ممثلة من أصل كردي ينطبق عليها الدور.

 

*هل صحيح أن الرئيس السويسري حضر عرض فيلم “السنونوة”، ألم يعلّق؟

نعم حضر الرئيس السويسري السيد ” الان بيرسيت” حفل عرض الفيلم الاول، وكان افتتاح مهرجان السينما السويسرية والتقيت بعد عرض الفيلم التقيت به و بزوجته السيدة “بيرسيت” والاثنان أبديا إعجابهما بالفيلم وبقصته.

 

مانو خليل– من خلال الأفلام الكردية العديدة التي ظهرت في السنوات الأخيرة وعرضت في أكثر من مهرجان، هل يمكن القول بأن هناك ملامح سينما كردية بدأت في تأكيد وجودها؟

نعم هناك بعض الافلام التي صنعت من قبل بعض الشباب الكرديّ وعرضت في مهرجانات، ولكن علينا أن نعلم أن المشاركة في مهرجان ما أو الحصول على جائزة ما لا يعني أننا أقمنا ركناً من أركان السينما…
المشكلة في الافلام الكردية ( ليس كلها بالتأكيد) ولكن أغلبها يغلب عليها الطابع الفكاهي السفيه والرخيص، أو الطابع المأساوي التسوّلي، فترى أبطال هذه الافلام أطفال عميان، بدون أيادي وبدون أقدام، أو أناس سمان، وأناس اقزام، وبعض الأشكال “مع الأسف القبيح” على أساس كلما كانت الشخصية معاقة و غير سوية فهذا يعتبر سينما واكتشاف… بهذه الافلام التي تصور الكردي متخلفا، معاقا، مريضا، تافها، سوقيا، لصا ومجرماً يجدون دائما آذان صاغية في الخارج، فأعداء الكرد ولعشرات السنين أعطوا العالم فكرة أن الكردي متوحش ومتخلف، وهم يقدمون خدمة رخيصة لأعداء الكرد.
هذه “الافلام” تولد و تموت بنفس الوقت ولا يشاهدها عشرة أشخاص، قد تشارك في مهرجانين أو ثلاث وتنطفئ. اليوتيوب مليء بالملايين من أمثال هذه الصرعات التي يعيب تسميتها بأفلام..
هناك حالات جادة من شباب وشابات كرد، لكن من الأسف لا يتلقون المساعدة اللازمة من مانحي الملايين الذين تعجبهم “أصوات الضراط” في السينما ويضحكون عليها.
السينما حالة وجدانيه، مسألة أخلاقية. السينما الكردية إن وجدت يجب أن تكون السلاح الذي يحارب من أجل طفولة الكرد، من أجل كرامة الكرد إلى أن يتحرر الانسان الكردي من نير الفرس، العربان والأتراك. غير هذا فأنا اعتبر كل ما يحصل هو مجرد روث .

 

* أهم الجوائز السينمائية التي حصل عليها مانو خليل، وأحبّها إلى قلبك؟

لقد حصلت على جوائز كثيرة، و بصراحة حصولي على الجائزة الأولى في المانيا في عام ١٩٩٣ عن فيلمي “حيث ينام الله” هي أحب جائزة، ليس لقيمتها المادية في ذلك الحين، ولكن لأنها كانت اعترافا عالمياً بالظلم البعثي على الشعب الكردي في روجافا. وكانت بمثابة تحرري الكامل من سطوة إرهاب البعثيين.

 

* التوأم شنكال وكوباني، مدينتان هزّتا العالم ببطولات قواتهما من البيشمركة ووحدات حماية الشعب والمرأة، ألم يدر في خلد مانو خليل أن يمنحهما شيئا من فنهّ وعدسته بعد؟

نعم هناك مشروع قيد التحضير. فبطولة البيشمركة ومقاتلات ومقاتلي (YPG)سطّرت ملاحم عالمية في الدفاع عن الارض والعرض ضد أسوأ بني البشر وأرذل فكر همجي ابتكر على الارض.

 

*كذلك الأمر بالنسبة للثورة السورية التي دخلت عامها السادس، وصارت توصف بالأزمة.. أين مانو خليل من كل تلك الدماء في سوريا؟

يحزنني ما يحصل لأطفال ونساء سوريا، يحزنني هذا القتل الممنهج من قبل طاغية أعلنها صراحة ” الاسد أو يحرق البلد” ها هم ينفذون وعدهم. كنت متضامنا مع الحراك الثوري في بداية الثورة، وفي مرحلة الدفاع عن النفس، ولكنني بدأت أشمئز بعد أن سيطر حثالات مقاهي أوروبا على زمام ما يسمى “بالائتلاف الوطني “و بدأوا ينطلقون من السعودية وانقرة. أنهم مع الاسف مجموعة حثالات. ويبقى مع الأسف دلف النظام البعثي المجرم أفضل من مزراب هؤلاء الصعاليك الفاشيين من أخونجيه وعروبيين وبعض الجحوش الكرد الجدد الذين أسميهم “حماروك” الذين أصبح همهم الأوحد والوحيد شتم الكرد ونساء الكرد ووجود الكرد. فشيء يدعو للغثيان أن يكون شخص يدعو علانية لقتل الكرد رئيسا لما تسمى المعارضة السورية ويصف الكرد بالقردة وماسحي الأحذية والبلطجية ونساء الكرد بالعاهرات. إنه حظّ الشعب السوري العاثر أن يكون طالبي “الحرية” أسوء ممن أخذها.
الآن أجهز معرضاً سينمائياً في المتحف الوطني السويسري في زيوريخ عن سوريا سيفتتح في شهر تشرين الأول ويدوم أربعة أشهر متواصلة.

* ماهي مشاريعك الحالية والتي هي قيد التنفيذ؟

الآن أجهز فيلمي الجديد عن طفولتي في روجآفا وعن الخمسين سنة الأخيرة في سوريا.

 

* كيف تقيّم الوضع الكردي الحالي في روجآفا

إن ما يقوم به مقاتلات ومقاتلي الشعب الكردي في روجافا اليوم هي أساطير حقيقية، إن دفاعهم عن كردستان ضد الوباء الأخونجي الداعشي وجرائمهم ضد نساء وأطفال ووجود الكرد هو كتابة التاريخ الكردي من جديد. إنه الفيلم السينمائي الأروع في تاريخ البشرية. لو لم تكن تلك البطولات، لكانت قامشلو و عامودا و تربسبي و عفرين وجميع أجزاء روجافا “ياخورا” يعيث فيه الدواعش والعربان الفاشيون جرائمهم كما فعلوا في شنكال…

 

* كم فيلما أنتجت حتى الآن ؟

انتجت حوالي العشرين فيلما بين قصير وطويل…

 

* ألا يفكر مانو خليل بالعودة والاستقرار في روجآفا؟

لم تمر لحظه واحده ولو دقيقة واحدة ولم أفكر فيها بالعودة إلى أرضي ووطني الذي أجبرت على تركه.
هذا الحلم لن يموت. الآن اجهز فيلمي الجديد الذي سيصوّر هناك.

 نشر هذا الحوار في العدد (47) من صحيفة Buyerpress تاريخ 15/7/2016

13615176_10206804067763784_2629932810889368410_n mano_khalil__article

 

 

 

 

 

 

 

 

 

mm_716_303

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

11165113_541958725977071_7059124043412540130_n113

التعليقات مغلقة.