روسيا تراجع حساباتها: ضرب “داعش” يورّط واشنطن

33

349

لم يولِ الأميركيون وحلفاؤهم اهتماماً لاعتراض الكرملين على القيام بعمل عسكري على أراضي العراق وسورية، من دون تفويض من مجلس الأمن، خصوصاً بعد تشكّل حلف دولي واسع، هدفه المعلن محاربة “الدولة الإسلامية” (داعش)، وبدئه عملياته العسكرية في كل من العراق وسورية.

والسؤال هنا، ماذا يمكن لموسكو أن تقول، طالما أنّ دول المنطقة المعنية بالقصف ترحب به، علناً أو ضمناً، ناهيك بأن الضدين، إيران والسعودية، متوافقان عليه؟ وهل ذلك لا يكفي لجعل موسكو تغضّ النظر عما يجري؟

طالما تذرعت موسكو بالدفاع عن مبادئ القانون الدولي والحرص على دور الأمم المتحدة وأهمية سيادة الدول، ومن هذا المنطلق كان إصرارها على قرار دولي من مجلس الأمن، يشرعن الحملة الأخيرة ضد “داعش”، وأعدّت له العدة لإبطاله باستخدام حق النقض (الفيتو)، الذي تكرر استخدامها له في المسألة السورية. وكان يصعب الرد على موسكو في هذه النقطة، فلا أحد يريد أن يظهر وكأنّه يخالف القانون الدولي أو يعلن بوضوح أنه مع تقويض المنظمة الدولية. لكن موسكو نفسها وانطلاقاً، وربّما من سياسة الأمر الواقع، بدت وكأنها تتراجع عن هذه الركيزة نحو ركائز أضعف.

ومن الركائز البديلة، التي لجأت إليها موسكو، نقاط ذات طابع منطقي وأخلاقي، أكثر مما هي سياسية عمليّة، على غرار ضرورة مكافحة الإرهاب بشكل عام، وبصورة منهجيّة، وليس مكافحته هنا ودعمه هناك، أو مكافحته بهذه الصورة والسكوت عنه بصوره الأخرى. وهذا الموقف، الذي يلتقي كثيرون مع روسيا عليه، لا يفيد في معالجة “الورم الداعشي”، فهناك من يجد مصلحة في إدارته، وآخرون مستفيدون من استئصاله، فيما تكاد لا تجد أحداً معنياً بحياة الشعوب المصابة به.

في الرابع والعشرين من سبتمبر/أيلول الحالي، نشر قسم المعلومات والنشر في وزارة الخارجية الروسية، على موقع الخارجية الرسمي، تعليقه على الضربات الجوية لمواقع الإرهابيين في سورية والعراق. وجاء في التعليق أنّه “في سياق ما يجري هذه الأيام في العراق وسورية، فإن روسيا تقف إلى جانب الخط المبدئي والمنهجي لمواجهة فاعلة للإرهاب بوصفه شراً مطلقاً. ونحن مقتنعون من أنه لا بدّ من تحليل عميق لمشكلة الإرهاب وأسباب انتشاره، بما في ذلك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وندعو جميع أعضاء المجتمع الدولي المشاركة في وضع استراتيجية عامة لمكافحة الإرهاب وتحقيق هذه الاستراتيجية. فمثل هذا المدخل الشامل وليس حلفاً ضيقاً موجها ضد “الدولة الإسلامية”، يمكن أن يعطي نتائج حقيقية، ويخلص العالم من طاعون القرن الحادي والعشرين أي الإرهاب”.

وكانت روسيا قد أيّدت قرار مجلس الأمن الدولي (رقم 2178) الذي أعدّته الولايات المتحدة الأميركية حينها، ويطالب البلدان بالحيلولة من دون مشاركة مواطنيها في النزاعات المسلّحة في بلدان أخرى ومنع تمويل منظمات إرهابية وتطويع أعضاء جدد فيها، وهو القرار الأول المتعلّق بأزمة المنطقة، والذي تمكّن المجلس من التوافق عليه خلال نصف العام الأخير. حينها، رحّب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بالقرار، مشككاً بنوايا الولايات المتحدة وسياسات الظل التي تنتهجها. وقال إنّ “مشكلة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، الذين يحاربون إلى جانب منظمات إرهابيّة، في كثير من بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا والحدود الأفغانية الباكستانية، تصاعدت بشدّة بعد احتلال العراق، وقصف ليبيا ومساندة المتطرفين في سورية”. وكانت دمشق أيضاً، رحّبت بدورها بالقرار الدولي.

ومن الركائز البديلة الأخرى الأقل شأناً، والتي لجأت إليها موسكو، ضرورة الحصول على موافقة الدول التي سيقوم التحالف بقصف أراضيها، متناسية أنّ شرعية نظام دمشق منزوعة عند معظم أعضاء التحالف، ولا شيء يُقال عن الأراضي العراقيّة المنتهكة السيادة من الجميع، بمن فيهم حلفاء موسكو. وفي سياق متصل، أعلن موقع الكرملين الرسمي، أنّ حديثاً جرى بين الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، تبادلا خلاله الرأي حول توحيد قوى المجتمع الدولي ضد جماعة “الدولة الإسلامية”. وقد أكد الطرف الروسي خلاله أنّ “توجيه الضربات الجوية إلى مواقع الإرهابيين داخل سورية يجب أن لا يتم من دون موافقة الحكومة السورية”.

وتحقّق طلب موسكو موافقة دمشق رمزياً، بعدإالأخيرة أنه تمّ إعلامها بالضربة، وقبولها الواضح إن لم يكن ترحيبها بها. وكانت دمشق، قد أعلنت استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة في حملتها الأخيرة. وقال وزير خارجيتها، وليد المعلم، إنّ “سورية مستعدة للتنسيق على الصعيدين الإقليمي والدولي لمكافحة الإرهاب. ولكنّ أي محاولة لمحاربة الإرهاب ينبغي أن تتمّ بالتنسيق مع الحكومة السورية”. ويأتي هذا الموقف، متواقفاً مع تراجع روسي، بمعنى أنّ موسكو “لا تعارض الحملة بحدّ ذاتها، لكنّها تطالب بأن تجرى بأساليب صحيحة وضدّ الهدف الصحيح”، على ما كتبه غيفورغ ميرزايان، على موقع “روسيا ما وراء العناوين”.

وكانت موسكو قد أعربت عن خشيتها من تسليح الجيش الحر، وضرب مواقع للجيش السوري، انطلاقاً من طموحها بأن تنتهي الحملة ببقاء النظام السوري. وقال مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، إنها “لَمُخاطرة كبرى تطمين النفس بأن ما يسمى بالمعارضة المعتدلة ستستطيع مواجهة “داعش”، وأنّ كل ما هو مطلوب هو تسليحها كما ينبغي”، وذلك على هامش تعليقه على القانون الذي أقرّه الكونجرس الأميركي، حول تقديم السلاح للجيش السوري الحر، بوصفه ممثلاً للمعارضة العلمانية، التي تقاتل النظام السوري وضد الإسلاميين.

وهكذا، فلا يبقى أمام موسكو العالقة في المأزق الأوكراني، والمهدّدة بإرهاب “إسلامي” ما يوجعها ويهدّد مستقبلها، والراغبة في توريط أميركا بمستنقع جديد، سوى القبول بالأمر الواقع، والبحث لنفسها عن فائدة بما يجرى، أقلّها انشغال أعدائها عنها ولو إلى حين، في معركتهم الشرق أوسطية، فيما هي تُعدّ العدّة مع حليفتها إيران، وشريكتها الصين لاحتمال انتشار نار الحرب على “داعش”.

عن العربي الجديد

التعليقات مغلقة.