هل هي دولة الله أم دولة الشيطان؟

28

Nawafez306.gif

 

 

 

 

 

 

 

زار وزير الخارجية الأميركي جون كيري مصر والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، كان قصد كيري الحشد ضد «داعش»، ففوجئ بأن المصريين (الدولة والشعب) لا يخشون «داعش» ولا غيرها، وأن القيادة المصرية تتحدث بثقة عن هذا الأمر، وأن القاهرة مكتفية بمعاركها المستمرة ضد الإرهاب، وأن الأميركيين جاؤوا – على ما يبدو – متأخرين جداً!

مصر الرسمية لا تخشى «داعش«، ومصر الشعبية لا تحفل بها كثيراً، لكن «داعش» كإسم انضم إلى جملة أسماء لتنظيمات إرهابية، يقتات المثقفون المصريون عليها في نواديهم ومقاهيهم، ويتداولون مقاطع مجازرها على هواتفهم النقالة. «داعش» يخشاها نفر قليل من المصريين، ولا يخشاها منهم كثر آخرون، ولكل مخاوفه وأسبابه ومبرراته، يقينا وجود «داعش» في مصر(رسمياً) لا يزال صفراً كبيراً. صحيح أن تنظيمات إرهابية متعددة تمارس نشاطها الدموي في سيناء (على الحدود الشرقية المصرية مع غزة)، وأن ثمة تنظيمات أخرى تمارس الإرهاب على الحدود الغربية (مع ليبيا) لكن «داعش» لم تظهر بعد في الصورة، والإرهاب لايزال تحت السيطرة بصفة عامة.

ربما كانت وجهة النظر هذه أقرب إلى رؤية الدولة المصرية، لكنها حقيقية على أية حال، ولا نملك غيرها، وهي، في الوقت ذاته، لا تبدد مخاوف المصريين من وجود «داعشيين» مختفين في الشوارع والحارات هنا أو هناك، سيظهرون في وقت ما.. يسمونها الخلايا النائمة، كأن «داعش» صارت شبحًا خفيًا لا يظهر إلا في توقيت ما!

هل هم ألفان حقا. ربما.. هل هم من الفقراء حقا؟ ربما. هل بعضهم من الأغنياء. ربما!

الأمر المؤكد الوحيد في هذا اللغز الإقليمي الدولي أن ثمة تنظيماً إرهابياً مزعجاً للغاية يحمل اسم «داعش»، اختصاراً لكلمات «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وأن ثمة شباباً مصريين أعضاء في هذا التنظيم، الذي أسس لدولة منبعثة مباشرة من مساحات بعيدة في التاريخ القديم، لا تشبه دولة «داعش» المزعومة أية دولة رأيناها أو قرأنا عنها في أسفار التراث العربي الإسلامي، يوجعنا أن يقال إنها تنتمي للقرون الوسطى، ففي تلك القرون كثير من الدول والدويلات الإسلامية التي أسست لاستنارة واسعة. هذه دولة تشبه في جنونها وجبروتها ودمويتها دول التتار، الذين غزوا الشرق قبل ثمانية قرون وزيادة. تشبهها في عنفوانها الأول، حين كان التتار يهددون العالم كله بأن يؤول إليهم كإمبراطورية!

يفغر المصريون، على اختلاف طبقاتهم وثقافاتهم وانتماءاتهم، أفواههم وهم يسمعون السجين السابق نبيل نعيم مؤسس «تنظيم الجهاد«، والمحلل المختص بالملف الجهاد الإسلامي الآن، يقول إن المصريين أعضاء «داعش» بلغوا ألفين، ويزدادون اندهاشا حين يقرأون أو يشاهدون الشيخ وجدي غنيم الإخواني الهارب إلى قطر – والفار من الدوحة أخيراً- يترحم على «داعش» ويتمنى لها النصر وغزو مصر ويتهم أميركا بأنها تشن على «داعش» حرباً صليبية، ويضع نفسه تحت إمرة «داعش» متجاوزاً الخلافات الفكرية الجهادية، وقوفاً صفاً واحداً أمام الحرب الصليبية!

ومهما يكن الرقم الذي يشكل عدد المصريين المشاركين في هذا التنظيم الإرهابي الدولي «داعش»، فإن الحقيقة المؤكدة أن ثمة مصريين أعضاء فيه، بالعشرات أو بالمئات، وأنهم لا تربطهم طبقة واحدة أو ثقافة واحدة.

انزعج الناس في مصر من فيديو وصور تؤكد انضمام شاب إسمه إسلام يكن إلى «داعش«، فهو شاب مرفه تخرج في مدارس اللغات «ليسيه الحرية» على وجه التحديد، تلك المدارس التي تمثل تعليمًا أفضل من التعليم الحكومي، وتغلب عليها اللغات الأجنبية، وتتقاضى مصروفات مدرسية كبيرة. إسلام احترف اللعب في صالات اللياقة البدنية «الجيم» وعمره لا يعدو 22 عاما، كانت القاعدة المعلومة في انضمام الشباب المصري للتنظيمات الإرهابية على مدى أربعين عاما مضت من «الجهاد» إلى «القاعدة» مرورًا بعشرات التنظيمات، أن يكون الشاب فقيرًا يائساً من الدنيا زاهداً في المستقبل، لكن كيف يتحول شاب حاله ميسور إلى نموذج يحتذى في الإرهاب.. هذا ما كان من إسلام يكن؟

الذبح الشرعي

في المقاهي المصرية، أبناء الطبقة الوسطى يصيبهم الذهول المشوب بالخوف من أن تتمدد «داعش» ويصل نشاطها الدامي إلى مصر.. ذبح الرقاب تحديداً، مع توالي أنباء متفرقة من حدود سيناء مع غزة، بقطع رقاب من يقال إنهم متعاونون مع الأمن المصري، ومتخابرون مع العدو الصهيوني، تمدد الجثة وفوق صدرها الرأس مسبلة الأعين، تشكو إلى ربها. الذبح على الطريقة الداعشية سجل خمس حالات في شمال سيناء، التي يروعها متطرفون من السلفية الجهادية وأنصار «بيت المقدس« وغيرهما من التنظيمات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً، بحسب تقديرات الأمن الوطني في مصر، بعناصر إخوانية خرجت تجاهد لإعادة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى الحكم. هناك حديث يتترى عن تمويلات إخوانية، وتعليمات بعمليات قاعدية نسبة إلى أيمن الظواهري، أمير تنظيم القاعدة، ولكن أسلوب «الذبح الشرعي« داعشي الطريقة، مرعب كرسالة ومحتوى، ربما لا يراه كثير من المصريين الغارقين في الظلام، لانقطاع الكهرباء بصورة دورية.

في المقاهي ذاتها ربما يجلس الفقراء والمعدمون، لا يعلمون شيئاً عن «داعش»، وإن علموا بشيء فهم لا يهتمون كثيرًا أو قليلاً. «أكل العيش مر«، هكذا يبادرك أي منهم إن حدثته عن «داعش» أو غيرها من الشؤون العامة، هذا إن كان أصلا مستعدًا للاستماع أو صابرًا عليه!

أما النخبة المثقفة فهي الأكثر اهتمامًا بـ»داعش»، يرونها خطرًا على الحاضر والمستقبل، يتكلمون عنها كثيرًا في الفضائيات ويكتبون عنها الدراسات والمقالات في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، ينبهون إلى خطورتها. الأثرياء يتحسسون جيوبهم إن جاءت سيرة تنظيم «داعش»، يتحسسون أرصدتهم، يفكرون في طرق جديدة لإنقاذ المال والأعمال إذا حم القضاء لا قدر الله. لا يرهقون أنفسهم ببحث حقيقي عن إمكانية دخول التنظيم لأية بقعة من مصر. وأما الحكم، فيبدو واثقا بقدرته على سحق «داعش» أو أية تنظيمات إرهابية أخرى تحاول العبث في الأمن المصري!

استطاعت «داعش» في عهد خليفتها المزعوم «أبوبكر البغدادي»، أن تركز في تجنيدها على المقاتلين المصريين، لأنها ترى أن مصر يجب أن تكون هدفاً تالياً لها بعد سوريا، كونها تحتل المرتبة الأولى في أجندة الجهاد العالمي، لكن تأخيرها كان اضطرارياً لعدم وجود ثغرة يمكن التسلل من خلالها إليها، وهو الأمر الذي كان يشابه الحالة السورية قبل الانتفاضة المسلحة هناك، والتي رأى زعيم «داعش» أنها وجبت بعد ذلك، وكان ذلك واضحاً من الرسالة الصوتية لـ أبو محمد العدنانى، المتحدث باسم «داعش» التي وجهها للمصريين، وحملت عنوان السلمية دين من؟ حذر فيها أتباع منهج السلمية، لأن الإسلام لم يعرف سوى السيف الصارم في فرض حاكميته على البشر، معتبراً أن أصل الداء لا يتمثل في الحاكم، بل في القوانين والأحكام التي يحكم بها، ومن ثم فلا فرق بين محمد مرسي، وحسني مبارك، وراشد الغنوشى، لأنهم جميعاً كفرة مرتدون، تخلوا عن حاكمية الشريعة، وارتضوا بالقوانين التي صنعها البشر، وإن كان مرسي والغنوشى أشد فتنة على المسلمين من مبارك وبن على وفق قوله!

وفي اعترافات تنظيم «أنصار بيت المقدس» الإرهابي، في القضية المحالة إلى النيابة المصرية، اعترف أكثر من عضو، أنهم التزموا الفكر التكفيري، في الشهور التي تلت ثورة يناير 2011، واستمعوا إلى خطب السياسي المتشدد والمحبوس حالياً حازم أبو إسماعيل، ثم التقوا بعض العناصر الموجودة في ميدان التحرير. موئل الثورات في مصر والذى اخترقه تنظيم أبو إسماعيل السلفي المتشدد حازمون، أخذتهم هذه العناصر إلى خيام مشايخ السلفية الجهادية، مثل محمد حجازي، ومحمد الظواهري، ومحمد سلامة مبروك، وغيرهم، ثم انضموا إلى حركة «أحرار»، وبعدها ذهبوا للقتال في سوريا والعراق، وانضموا هناك إما إلى جبهة النصرة مدعومين بإعلان الرئيس المعزول محمد مرسي الجهاد ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك في نفرة الصالة المغطاة باستاد القاهرة الرياضي في حضور باقة من اللحى السوداء والمصبوغة بالحناء، في ليلة داعشية بامتياز، ربما كانت واحدة من خطايا رئيس الإخوان (مرسي) وعجلت برحيل حكم الإخوان، الذين أثبتوا بعدها داعشية في الفكر والمنهج التكفيري والتآمر التفخيخي والتفجيري، الذي طال مواقع مصرية حيوية، وقتل مصريين على نحو داعشي مخيف.

دولة الله

في فيديو اطلع عليه عشرات الألوف من المصريين، دعا أحد أعضاء حركة «داعش» المصريين إلى الجهاد، لتطبيق الشريعة على حد تعبيره قائلاً: «هيهات أن يطبق الإسلام في مصر بغير جهاد طويل ومرير، لأن التجربة الديموقراطية أثبتت فشلها في بلدان المسلمين، ولأنها فكرة مشوهة». فضلا عن فيديو آخر لـ»داعش» موجه إلى جهاديين في سيناء، يدعوهم فيه إلى «التعاون من أجل إنشاء دولة الله، نحن وأنتم واحد»، وأكد أنه يجب عليهم الصبر لتحقيق مسعاهم، وأضاف: «الجهاد وسيلة تأسيس دولة الله». كل ذلك كان سبباً في وجود مئات المصريين في صفوف «داعش»!

دولة الله، تلك هي المسألة، التي يفزع عموم المصريين منها.. هل هي دولة الله أم دولة الشيطان؟ تلك التي تريد «داعش» إقامتها، تقتل الأطفال والشيوخ وتبيع النساء في أسواق الرقيق. ينظر المثقف المصري إلى مشهد بيع النساء في «الموصل» في سوق الرقيق نظرة فزع، وهل عادت أسواق الرقيق مجددا؟ من أين أتت مثل هذه الأفكار، من أي منبع نبعت؟ وهل تستمر؟!

يعرف المثقف المصري أن الاستخبارات المركزية الأميركية هي التي أسست «المجاهدين الأفغان» فى أواخر السبعينيات لتهدم نظام «نجيب الله» في أفغانستان، وأن تنظيم الإخوان، بتواطؤ مفضوح من السلطة آنذاك أرسلت سرًا مئات المتطوعين لينضموا إلى هؤلاء المجاهدين، الذين عاد عشرات منهم إلى مصر في أواخر الثمانينيات لتبدأ موجة جديدة في البلاد من الإرهاب المسلح.. لذلك لا عجب في أن تجد المثقف المصري يخشى ما بعد «داعش».. إنه يقول لك ببساطة ورؤية محددة: حتى إذا قضى العالم على «داعش». فستنتج إشكاليات ضخمة عن هذا، ففضلا عن إعادة تقسيم العراق وسوريا – على خلفية ضربات التحالف المزمعة لـ»داعش» اليوم – ستكون هناك عودة لعناصر من هذا التنظيم الإرهابي لمصر. فكيف سنواجهها؟

السؤال الأهم: حتى إذا كمنت هذه العناصر مؤقتا، فما الضمان بإزاء الحد من انتشار أفكارها؟ ألم ينضم إليها مئات من الشباب المصريين؟ إن الذي ينضم إلى «داعش» لا يجهد نفسه كثيرا أو قليلا في فهم مرجعياتها الفكرية أو توجهاتها المذهبية، لكنه ينضم إليها كراهية لشيء ما.. يخطئ – بقوة- من يعتقد أن انضمام مصريين إلى «داعش» جاء على خلفية الثأر لسقوط نظام الإخوان في مصر، في ثورة 30 يونيو /حزيران 2013، فالداعشيون يكفرون كل الأنظمة التي كانت والكائنة بصرف النظر عن انتمائها السياسي، ويريدون بالأساس العودة إلى نظام «الخلافة». والخلافة هنا لن تجد فيها «الراشدين الأربعة» رضوان الله عليهم، ولن تجد فيها رجلا مثل «معاوية» في حلمه، أو مثل «أبي جعفر المنصور» في تدبيره السياسي، أو «هارون الرشيد» في ثقافته، أو «المأمون «في انفتاحه الفكري، بل ستجد رجالا تراهم لأول مرة. من دون عقول ولا قلوب، لا يشبهون إلا جنكيز خان وهولاكو، قادة التتار في القرون الوسطى، بينهم وبين الداعشيين همزة وصل واضحة، فكلاهما عدو لشيء واحد: الحضارة.

من هنا يشعر المثقف المصري بأن مصر هدف لـ»داعش»، صحيح أن الضربة المرتقبة من التحالف الأميركي – الدولي ونشاط الجيش والشرطة المصريين في محاربة الإرهاب وعوامل أخرى متشابكة أخرت هذا المشهد، لكنه احتمال قائم يخيف المثقف المصري، الذي رأى بعينيه من قبل أهوال الإرهاب في السبعينيات، حين طالت يد الإرهاب رئيس الجمهورية أنور السادات فاغتالته في 6 أكتوبر / تشرين أول 1981، ثم مارست أحداثا شديدة الدموية في الثمانينيات، ومجازر لاسيما ضد السائحين الأجانب في التسعينيات، أبرزها مذبحة الدير البحري الشهيرة بالأقصر17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1997، حتى خمد نشاطها في أواخر هذا العقد. وظل المصريون يحيون بعيدا عن ضربات الإرهاب نحو 15 عاما، حتى عاد يتهددهم قبل عامين في سيناء! ربما تكون هذه نظرة المثقفين المصريين إلى «داعش» ومستقبلها.

دعوة للحرب

لعل الفقراء لا يعنيهم الأمر كثيراً. الفقراء – تحديدا – من غير المتعلمين (الذين تبلغ نسبتهم وفق وزير التربية والتعليم المصري محمود أبو النصر نحو أربعين بالمئة من السكان!)، يقول لك الواحد منهم: مالي ومال داعش؟ هل سيزيدونني فقرًا؟

ما يعني المصريين من الفقراء خصوصا الأميين هو «لقمة العيش»، تلك التي تزداد صعوبة في السنوات الأربع الأخيرة مع الاضطرابات السياسية المتلاحقة. المصريون جبلوا على حب جيشهم، منذ عشرات السنين، بل تحديدا منذ نشأة هذا الجيش في عصر محمد علي باشا قبل مئتي سنة من الآن، وهم يثقون به ثقة من دون حدود، ربما يكون هذا العامل واحدا من أهم ما يطمئن إليه المصريون من عوامل سحق داعش. يوكل الفقراء عادة أمر «العدو» للدولة المصرية لاسيما إن وثقوا بها، والمدهش حقا أن معظم الشهداء في الحروب المصرية، من الفقراء والأميين، يستشهدون من باب الوطنية النقية، تلك الوطنية التي تجري منهم مجرى الدم!

أما الأغنياء فلا إشكاليات حقيقية أمامهم، حقائبهم جاهزة دوما للوضع في طائراتهم الخاصة، التي تحلق بهم في عواصم العالم، لا يعني هذا أنهم غير وطنيين، لكن «الجيوب» أوطان أيضا، فإذا تعرضت رؤوس أموالهم – ونحن هنا بصدد الحديث عن رجال أعمال يملكون مليارات الدولارات، أعمالهم ترتبط أصلا بدول كثيرة، لا تدور فقط في السوق المصرية – للملاحقة أو للضرر الحقيقي، فماذا يفعل المرء إن كان مكانهم؟

الدولة المصرية تبدو قوية في مواجهة تهديدات «داعش»، محللون سياسيون أميركيون – على خلفية لقاء السيسي وكيري قبل أيام – قالوا إن الولايات المتحدة، تعمل حالياً على امتصاص غضب مصر لتدعمها في الحرب على تنظيم «داعش»، لكن الدعم المصري يبدو غالي الثمن، القاهرة لاتزال غاضبة مما مضى، بل مما هو حاصل الآن من دعم واشنطن، الذي يبدو مستمرا لـ»جماعة الإخوان المحظورة» لقلقلة الأوضاع الداخلية التي استقرت نسبيا، كما أنها تمنع القاهرة من صفقة المروحيات الحربية «الأباتشى»، التى تطلبها حماية للحدود المصرية المستهدفة من أخوة «داعش« من السلفيين والقاعديين، على الحدود المصرية الليبية غربًا (جرت فيها مذبحة للجنود المصريين عرفت بـ»مذبحة الفرافرة» راح ضحيتها 23 جنديًا)، وعلى الحدود المصرية الفلسطينية شرقا(ثلاث مذابح للجنود وعشرات التفجيرات).

يبدو الأفق غائما، غير مفهوم من ناحية الأميركيين على الأقل، الذين يتمنون أن تساعدهم القاهرة الآن، لكن من ناحية المصريين تبدو الأمور واضحة، فالإرهاب الذي ظلت القاهرة تحاربه بمفردها طيلة سنة وبضعة شهور تشكو منه واشنطن الآن.. والآن فقط، وتلك علامة فارقة يجب أن ينتبه إليها الأميركيون. أن القاهرة غير مدعوة للحرب على الإرهاب لأنها بالأساس منشغلة بالحرب عليه، ومن يرد الحرب على الإرهاب فليحارب الإرهاب كله من تورا بورا إلى سيناء، لا انتقائية في حرب الإرهاب، وليكن «داعش» عنوانا عريضًا من عناوين الحرب على الإرهاب..

تاريخ الدم

ليست «داعش» هي أول نقطة في سجل الإرهاب الذي يواجهه المصريون منذ عقود، لكنها لأول مرة تخرج مجموعات قتالية من جوف السلفية. ومعلوم ان السلفية المصرية برزت كنشاطات دعوية وخيرية وبرلمانية، وأخيراً تداخلت سياسيا بعد ثورة 25 يناير 2011، وظهرت وجوه سلفية متطورة على نحو تبدو جوارها «داعش» آتية من العصور ما قبل الحضارة، أين بدلة نادر بكار السلفي اللامعة، ولحيته المهذبة، وربطة عنقه الفرنسية من جلباب البغدادي وإخوانه .

الإشارة واجبة إذا نسبت «داعش» إلى التيار السلفى تبدو شاذة شذوذ السلفية الجهادية في سيناء عن التيار الرئيس السلفى في مصر. هذا التيار لم تتلوث أياديه بالدم على الساحة المصرية، وشارك منه قطاع في الثورة المصرية الثانية على محمد مرسي والإخوان، وصورة رئيس حزب النور يونس مخيون على منصة بيان 3 يوليو / تموز 2013 التي جمعت بين الأزهر والكنيسة والجيش لا ينساها الإخوان الذين يخونون السلفيين، ويكفرهم السلفيون، الجهاديون، وربما لو نظر الداعشيون في أمرهم مليا لكفروهم أيضاً، الداعشيون كفّروا الإخوان، فهل يرحمون السلفيين، وإن جمعهم وعاء فكري واحد، وإن شطّ بعضهم في التفسير واستنباط الأحكام.

هذا لا ينفي أن بعض من هذا التيار السلفي تطوع في سوريا، فصار جزءا من جيش النصرة أو من داعش، وهؤلاء من «السلفية الجهادية» وبعضاً منه «دعوي» يكتفي بالمواقف والتصريحات، وعلى رأس هذا القطاع ما يعرف بالدعوة السلفية التي على رأسها الشيخ ياسر برهامي. الغريب أن الرجل الذي لم تتلوث يداه بالدم مرة، قال في تصريح له مؤخرا، لم ينفه حتى اليوم، برغم مرور أكثر من أسبوعين عليه: «إن جرائم «داعش» منكرة لكن الشماتة بداعش – على خلفية الضربة الأميركية – غير جائزة لأنهم – أي الداعشيين – مسلمون»!

الدكتور ناجح إبراهيم منظر «الجماعة الإسلامية» في السبعينيات، وصاحب «ميثاق العمل الإسلامي«، الذي شكل المانيفستو الذي درجت عليه «الجماعة«، التي شكلت ثنائية العنف مع تنظيم الجهاد حتى مقتل السادات، يرد على «داعش» قبل أن تستفحل مصريًا وإسلاميًا ردًا بليغاً قائلا: «إن «داعش» تفكر كما الأب الروحي لها، «القاعدة»، التي حاربت أميركا في 11 سبتمبر، وبريطانيا في تفجيرات مترو لندن، وإسبانيا في تفجيرات مترو مدريد، ومصر في تفجير السفارة المصرية في باكستان، والسعودية بعشرات التفجيرات، والأردن بتفجيرات عمان، وروسيا في الشيشان وداغستان، والمغرب بتفجيرات الرياض والدار البيضاء، وأستراليا وإندونيسيا بتفجيرات بالي، أي أنها حاربت الدنيا كلها، وهي أعجز وأضعف وأقل شأناً من حرب هؤلاء جميعاً.. ولذلك لم تنجح «القاعدة» في إقامة دولة، ولن تنجح «داعش»، ولا أي تنظيم تكفيري في بناء دولة. ولكنه قادر فقط على هدم الدول. إنها الحكمة التي خلصت بها من حياة طويلة مملوءة بالتجارب العملية والدراسة المتأنية. إن «داعش» لم تتعلم شيئاً من حكمة معاوية الذي كان يحافظ على شعرة العلاقة بينه وبين الناس.. فإن شدوها أرخاها وإن أرخوها شدها».

حمدي رزق/ عن نوافذ المستقبل اللبنانيَّة

التعليقات مغلقة.