كارثة شنكال الأسباب والتداعيات والنتائج !

33

طه الحامد

 

 

 

 

 

 

طه الحامد

ما حدث لأهلنا في شنكال كان متوقعاً   وقد نبه إلى ذلك العديد من المتابعين الكورد والمراقبين لغزوات داعش وخريطة تمددها ولا سيما بعد سقوط الموصل والمناطق السنية في قبضتها دون مقاومة تذكر, حيث كتب في حينه إن شنكال والمناطق المتاخمة لربيعة وتلعفر والموصل تعتبر خواصر رخوة   يجب تدعيمها وأخذ كل التدابير اللازمة عسكرياً ولوجستياً , ولكن دون جدوى ؟ فسقطت شنكال على حين غرة !

وويمكننا   إيعاز هذا السقوط الدراماتيكي السريع لأسباب عديدة :

 

– الوجود الرمزي لحرس الاقليم و بعتاد خفيف غير قادر على صد أي هجوم مباغت لاسيما بعد حصول داعش وحلفاؤها البعثيين وبقايا الصداميين على أسلحة حديثة وثقيلة , التي تركها الجيش العراقي في عملية تشوبها الكثير من الشبهات .

– تراخي حكومة الإقليم في التعامل مع الحدث   والاطمئنان غير المبرر للجار الجديد ضمن حسابات الصراع مع المالكي من منظور طائفي وعزز هذا الاطمئنان وجود قيادات سنية عراقية مؤيدة لغزوة داعش في هولير   وربما تطمينات تركية غير معلنة مفادها إن داعش لن تعتدي على الإقليم .

– انخداع الشنكاليين بقطعان داعش التي كانت تمر يومياً بقوافلها بين سوريا والموصل في الطريق العابر والقريب جدا من شنكال دون التعرض للإيزيديين وعزز هذا الارتياح تواجد عشائر عربية بينهم كضامن لعدم الاعتداء , دون الأخذ بنظر الاعتبار تأييدهم ومبايعتهم لداعش و إن بشكل سري والتخطيط من الداخل للغدر بالإيزيديين .الانسحاب الفجائي لحرس الإقليم قبيل وصول داعش أحدث ذعراً وهلعاً في صفوف الأهالي وتركهم لقمة سائغة لقطعان داعش لاسيما إن معظم الأهالي كانوا غير مسلحين ومن كان بحوزته سلاح فردي لم تكن الذخيرة كافية للصمود أصلاً .

رغم الأسباب المختصرة أعلاه   يبقى التكهن مشروعاً بوجود دوافع سياسية عميقة وراء إعطاء الفرصة لتمدد داعش إلى مناطق زمار ومخمور وكوير وبعشيقة وتل كييف وبرطلة وغيرها من القصبات الكوردية والمسيحية حتى الوصول إلى تخوم هولير . قد تكون إحدى الأهداف إرسال رسالة للعالم وخاصة الدول التي مصالح في الإقليم على ضرورة دعم البيشمركة بالعتاد والسلاح بعد أن حاصرتها حكومة المركز ومنعت أي صفقة لشراء الأسلحة الحديثة إلا عن طريقها و كذلك وضع المجتمع الدولي أمام خيارات أهمها متعلق بطموح الإقليم لإعلان الإستقلال عن بيئة موبوءة بالإرهاب وكانت ورقة حماية الأقليات الايزيدية والمسيحيين والشبك والكاكائيين الأكثر تأثيراً على الرأي العام الاوروبي وعلى رأسها الفاتيكان ومجلس الأمن .

قد يقول متسائل ولماذا الإيزيديين دفعوا ثمن ذلك؟ نعم الإيزيديين كانوا ضحايا هذه الخطة أو هذا الغزو ولكن يجب أن لاننسى أن مناطق مثل زمار وطاووس وكوير ومخمور وهي معاقل البارتي وعشائر تابعة لقيادات من الصف الأول أمثال فاضل ميراني أيضا كانت في مرمى الدواعش وأن لم يطالهم الذبح نتيجة قربهم أكثر من منافذ الهروب بعكس شنكال التي كانت تفصلها مناطق عربية هي حاضنة عشائرية للدواعش مثل ربيعة وتلعفر ولهذا تم محاصرتهم ودفعوا ثمناً باهظاً لن ينساه التاريخ .

هذه الكارثة تركت آثاراً نفسية عميقة وزادت من الفجوة الموجودة أصلاً بين المكون الكوردي ا لإيزيدي والمكون الكوردي المسلم في الإقليم والتي تعود إلى إسباب تاريخية بعيدة متعلقة بالموروث الديني وولاءات الإيزيديين   السياسية التي قد لا تميل إلى البارتي في غالبيته .

وهنا تقع على عاتق حكومة الإقليم والرئيس مسعود البرزاني شخصياً مسؤوليات عاجلة أهمها :

– معالجة تلك الآثار وحالة فقدان الثقة من خلال المحاسبة السريعة للمقصرين وتحرير شنكال بأسرع وقت ممكن وإعادة النازحين وإغلاق الطريق أمام الهجرة للخارج تحت أي حجة كانت .

-تشكيل قوة عسكرية خاصة بأهل شنكال للدفاع الذاتي تابعة لوزارة البيشمركة .

– تطهير شنكال من المستوطنين الذين أتى بهم صدام ومعاقبة العشائر العربية التي تورطت في عمليات الإبادة والنهب والسبي .

-إعطاء شنكال صفة إدارية ذاتية خاصة تراعي الخصوصية الدينية والإجتماعية للكورد الإيزيديين وتشكيل مجلس حكم محلي خاص بهم تابع لعاصمة الإقليم .

 

ويجب ان لا يفوتنا رغم الكارثة الأليمة , برزت عدة معطيات قومية يجب الوقوف عندها وترسيخها وتثبيتها كأسس للأمن القومي الكوردي أهمها

– تدافع الشباب الكوردي والمقاتلين الكورد من الإجزاء الأربعة للدفاع عن التراب الكوردي وخاصة قوات الكريلا التي ساهمت في ادخال الطمأنينة في قلوب الكورد ولاسيما ظهورهم في شوارع هولير ومخمور بطلب غير معلن من الرئيس البرزاني لرفع المعنويات التي كادت أن تنهار نتيجة الهلع والتهويل الإعلامي .

– فجيعة شنكال كشفت لمن أعمى الحقد بصيرتهم أن قوات حماية الشعب ي ب غ وانتصاراتها وجهوزيتها وسيطرتها المسبقة على معبر تل كوجر قد أمنت حياة الآلاف من الكورد وهذا تأكيد على صوابية التأسيس المبكر لتلك القوات وضرورة دعمها بكل الوسائل المتاحة .

– كانت فجيعة شنكال بالنسبة للأداء الحكومي في الإقليم بمثابة جرة ماء بارد صبت على وجه نائم و أيقظته من غفوته ودرساً لإعادة النظر بكل سياسات الإقليم القومية والداخلية وخاصة حالة انتشار الفساد والترهل الذي إن استفحل أكثر سيقضي على روح المقاومة عند المواطن فيصبح غير معنياً بالدفاع عن وطن يشعر فيه بالاغتراب

– الأداء الإعلامي المخزي لأقطاب الحركة الكوردستانية الثلاث ومحاولة كل طرف تجيير الكارثة وتداعياتها لمصالح حزبوية تنافسية تهدد مفهوم الأمن القومي المشترك وتساهم في تنشئة رأي عام ما تحت المصالح القومية العليا .

– وأخيراً وهذا هو الأهم حصول الإقليم برعاية دولية منقطعة النظير حيث أصبحت العاصمة هولير محجاُ لكبار المسؤولين الغربيين وانفتحت على الإقليم بوابات التسلح والدعم من أوسع أبوابه , وأصبح الكورد العنوان الرئيسي لكبريات الصحف ووكالات الأنباء كشعب يحظى بالاهتمام العالمي كحامي وحاضن أمين لكافة الأقليات   وكحليف وفي مخلص في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب .

التعليقات مغلقة.