«فيسبوك» يخلق مثقفين ويطفئ آخرين/مالك العثامنة

30

17qpt997

 

 

 

 

 

عصر الثورة الرقمية له سطوته، وآثاره الجانبية أيضا.. وأدواته الإعلامية التي تجاوزت جريدة مطبوعة وشاشة اعتدنا أن تبدأ بالنشيد الوطني وتنهي إرسالها به، باتت جزءا لا يتجزأ من تفاصيلنا اليومية، وعلى قدر كف اليد في أجهزة، نحملها أينما ذهبنا وحللنا.
وكما كانت هناك عصور نهضة في حركة تاريخ المجتمعات المختلفة كانت مخرجاتها علماء ومفكرون وادباء وشعراء كانوا محركات اجتماعية تولد طاقة التغيير حولهم.. كذلك نعيش اليوم بالموازاة عصر الـ»فيسبوك» وعوالمه الافتراضية التي صار من مخرجاتها مثقفون افتراضيون يتوهمون في البوستات عالما ثقافيا متكاملا يكفيهم عن القراءة والاطلاع والتفكير ..
من هنا، نجد من هؤلاء من يرى أن صفحة أحلام مستغانمي على الـ«فيسبوك» مثلا، مدرسة للحب، والمعيار الوحيد ادراجات منتقاة تكفي مثقفنا (او مثقفتنا) الجديدة قراءة أعمال مستغانمي مثلا، والتي تحدثت عن الجزائر ووظفت قسنطينة كحاضرة تاريخية بشكل جيد، لكنها ألقت فتات العبارات الوجدانية فخا لاستقطاب مساكين القراءة.
لو سألنا العشاق الافـــتراضيين لمستـــغانمي عن «قسنـــطيـــنة في أدب أحلام» نكتشف ضحالة التلقـــي في زمن النهــضة الـ«فيسبوكية».
مستغانمي «في رأيي كقارىء لا أكثر»، موهوبة في العلاقات العامة، لكن وبالحديث عن الجزائر، هل يعرف أحد من هؤلاء الطاهر وطار مثلا؟ طبعا لا.. لأن الرجل غير فاعل على الـ»فيسبوك».
باختصار، وعلى منهج الشك «الإنترنتي».. إذا كنت على الـ«فيسبوك»، إذن أنت موجود.

«وناسة» في حضرة الغياب الثقافي العربي

وفي الشأن الثقافي، وعبر فضائيات إعلامنا العربي، ما زلت أفتقد في كل هذا الضجيج البصري والسمعي حالة برامجية نوعية مميزة، تعكس الثقافة العربية، كما كانت شاشات «النشيد الوطني إياها» تعرضها!!
في بداية الفضائيات، كانت هناك تجارب حلوة، اقترنت بقوة شخصية أصحابها من إعلاميين مثقفين، كنت تشعر أنهم يقاومون ثقافة «الهشك بشك» بحضور إعلامي ـ ثقافي متميز.. ومشوق.
كوثر البشراوي، زاهي وهبي، بريهان قمق.. وإلى حد ما بروين حبيب، التي انصاعت لشروط ثقافة الترفيه السائدة في النهاية.. وغيرهم كثر.
ومما تحمله الذاكرة القريبة، إطلالات الإعلامي المثقف العربي السوري مروان الصواف، بنظارته التي تليق بأناقته البسيطة… وتهذيبه الشديد وهو يتحدث حتى كان يأخذك إلى عوالم من البلاغة المستساغة في حواراته وحديثه للكاميرا بعفوية.
لم يكن ناقدا سينمائيا، لكنه كان الأكثر قدرة – آنذاك- على مقاربة القراءة السينمائية لفيلم يختاره بعناية كل أسبوع في برنامجه.. أو في عرضه لكتاب ما، تكون متأكدا أنه قرأه فعلا، لا كما يحدث اليوم من لقاءات مجملها تكثيف أسئلة تأتي عبر السماعات لمذيعة تنتظر على أحر من الجمر انتهاء المقابلة والانتقال إلى فقرة أخرى أكثر تشويقا لها.. ولمشاهديها!!
أبحث – بضراوة- عبر الريموت كونترول عن برامج نوعية مشوقة.. تعرض فيلما او كتابا.. فأجدني في حضرة الغياب الثقافي العربي.. وبدون شعور.. أتوقف عند «وناسة».. أفكر في جذرها اللغوي من «الأنس» فأفكر بالإنسان!!

مواصفات ملكة جمال الأردن

ومرة أخرى يجد الأردنيون ما يشغلهم، عبر الفضائيات أولا، لتنتشر الحوارات النارية عبر هشيم وسائل التواصل الاجتماعي!
هذه المرة، امرأة تدعى زكية العلمي (الاسم الفني الذي اختارته هو زينة)، ظهرت فجأة على فضائية «الغد العريي» وبعض القنوات المصرية تحت مسمى «ملكة جمال الأردن»..
حسب ما قذفته الفضائيات المشار إليها من معلومات، فالسيدة التي ينقصها الكثير من الجمال حسب معاييره الحديثة، قدمت إلى مصر عبر الخطوط اليمنية احتفالا بميلاد تلك الخطوط!! والاحتفال في مصر طبعا.
هكذا.. بدون أي مسابقة ملكة جمال، صار في الأردن ملكة جمال!! تتلقفها الفضائيات العربية التي تتلقف أي غريب، والسيدة بصراحة حالة غريبة بامتياز. ونموذج تحد كبير للفاضلة جويل في عمليات «الأفرهول»، التي تجريها لتغيير شكل النساء في برنامجها الشهير.
لن أخوض في وصف محاسن زكية – الله يسلمها ويوفقها – فربما أني بحاجة إلى إعادة إنتاج كاملة لحاسة البصر عندي كي أرى فيها جميلا.. لكن ما يدهشني بعض الإعلام العربي الذي يتلقف تلك الحالات ويروج لها بدون مراجعة مهنية تضمن الاحترام لتلك الوسائل الإعلامية على الأقل.
في علوم الصحافة، كان أول الدروس، ليس المهم أن يعض كلب إنسانا، بل الخبر المهم هو أن يعض إنسان كلبا!! وهذه بديهية من قواعد العمل الصحافي، لكن في حالة «زكية» هنالك تطرف في تطبيق القاعدة إلى حد إهانة الأردنيين والأردنيات خصوصا.. فإذا كانت هذه ملكة جمال الأردن، كما تسوق لها تلك الفضائيات فنحن أمام واحدة من حقيقتين:
إما أن تكون فعلا كذلك، وهذا يعني بشاعة لا توصف في كل امرأة وراءها أو أن هناك استخفافا إعلاميا حادا في ثقافات الشعوب وشخصيات تلك الشعوب وصل إلى حد التهامز والتنابز والتلامز!
بعض الإعلام العربي، وصل إلى مراحل متقدمة في الترويج الرخيص.. والعيب دوما فينا.

أحمد رجب والصراع الجندري

وفي خضم كل هذا الضجيج الفضائي والانترنتي العربي، وعلى ضفاف محاولاتنا الساخرة، يفتقد العالم العربي شيخ السخرية العربية الراحل المصري الكبير «أحمد رجب»!
«نص كلمة».. كانت عنوان تواقيعه التي اشتهر بها على مدار عقود طويلة في جريدة «أخبار اليوم» المصرية.. لكن للراحل مؤلفات في الأدب الساخر تلامس العالمية لو وجدت من يعتني بها ترجمة حصيفة تنقل الفكرة الساخرة واللاذعة التي اشتهر بها..
وما زلت حتى اليوم، ومنذ سنوات طويلة، حين يطلب مني أحدهم نموذجا للأدب الساخر العربي، أجدني أهديه قصة «لعبتها..» والتي طوع فيها الراحل أحمد رجب بحس سخرية رفيع المستوى قصة آدم وحواء بلغة جميلة تعكس تاريخ الصراع الجندري منذ الأزل.
رحم الله أحمد رجب.

عن القدس العربي

التعليقات مغلقة.