ناظم حكمت.. تجربة منفى وروح غير مُنكسرة
من بين الكُتّاب المسرحيين والمبدعين الكثيرين في العالم، يُصنف الشاعر والمسرحي التركي ناظم حكمت، بأنه صاحب البصمة الأهم في تاريخ تركيا الأدبي والفني والثقافي، ليس فقط لجمال أشعاره أو صوره البلاغية ولكن لموقفه ودوره في نهضة الشعر والأدب والمسرح التركي بشكل عام. وعبر هذا الكتاب «مسرح ناظم حكمت»، يُقدم المؤلف عامر صباح نوري عبر أربعة فصول، لمحة تاريخية عن المسرح التركي، متوقفًا عند حياة ناظم حكمت..
ومرجعياته المعرفية التي قسمها إلى مرجعيات فنية وفكرية، حيث تعددت المسرحيات واتجاهاتها التي كتبها حكمت في غضون سنوات عاشها متنقلاً في المنافي والسجون، وهذه التعددية تبرهن على روحه غير المنكسرة.. هذه الروح التواقة إلى كل منفذ يجد فيه متنفسا يُعبر عن هموم الإنسان.
رجل المنفى
يُقدم الكتاب تحليلاً لخمس مسرحيات لناظم، هي: «الجمجمة» (المنشورة في 1932)، «رجل غريب الأطوار» (المنشورة في 1954)، «مهما يكن الثمن» (المنشورة في 1956)، «حكاية حب أو فرهاد وشيرين» (المنشورة في 1965)، وأخيرا «سيف ديمقليس» (المنشورة في 1971)، ليختتم الكتاب بعرض مجموعة من صور ناظم حكمت بمختلف مراحله العمرية.
ويُسلط الفصل الأول من الكتاب الضوء على المسرح التركي؛ متطرقاً لعدد من أعلام الشعر والمسرح أمثال: نامق كمال ومصاحب زاده جلال، ورشاد نوري غونتكين، ويوسف ضياء أورتاج، وعزيز نسين، وخالد فخري آوزان صوى. وفي الفصل الثاني، يرصد المؤلف حياة ناظم وملامحه وتكوينه الفكري..
ويقول: «ناظم حكمت الذي وُلد في 1902 وتوفي 1963، عاش حياة صعبة رغم أنه سليل عائلة أرستقراطية غنية، لكن ملامح اليسار تنامت لديه بقوة، حتى أنه رفض هذه الحياة المترفة وانضم لحركة أتاتورك التجديدية، ولكنه هاجمها بعد ذلك مما أدى إلى اعتقاله حتى عام 1950».
حكمت لم تنته حياته بالسجن، بل فرَّ هاربا للاتحاد السوفييتي وعاش هناك حتى وفاته، ومع مرور الأيام أيقنت تركيا أهمية هذا الشاعر كونه أفضل شاعر تركي معاصر، فأعادت له مكانته وذلك بإعادة الجنسية التركية له بعد أن سحبت منه.
مرجعيات معرفية
ويأتي بعد ذلك دور الفصل الثالث؛ راصدا أبعاد فكر إبداع ناظم حكمت، موضحاً أن هناك مرجعيات معرفية عديدة أثرت وأغنت تجربة ناظم المسرحية، الأمر الذي جعله يحتفي بكل هذه المرجعيات، ويعكسها في متن مدوناته المسرحية.
وفي هذا السياق يقول الكاتب: «كان دور المسرح واضحاً وبيّناً في الحضارات القديمة، فقد تواءم ظهوره مع تقدم الإنسان، وتحسن تفكيره، وتوسع آفاقه».
وآنذاك انتشر المسرح في أوروبا، وتوسعت اتجاهاته ومدارسه وظهرت مجموعة كبيرة من الكُتّاب المشهورين، وكانت تركيا الدولة المجاورة لبلاد العرب هي الأخرى اهتمت بالمسرح، وقلدت ذلك، ووجد مجالاً خصبا لها بانتشار المسارح.
ويُذكر الكاتب أن مسرح ناظم حكمت اتسم بالإبداع والرصانة، كما أنه اتخذ من المسرح أسلوبا لمواجهة الظلم والاستبداد، وأصبحت مواقفه الجريئة والشجاعة مثالاً يُحتذى به من قبل الآخرين السائرين على الجادة نفسها.
وقد تأمل ناظم التراث الشعبي التركي وقرأه قراءة ناقدة متفحصة، ووجد فيه صوراً عوّل عليها، وسعى إلى تضمينها في قسم من أعماله المسرحية، وفي وقت لاحق من ذلك تحول بفكره صوب الإيديولوجية اليسارية ووجد فيها متنفسا لمزاجه، الذي اعتل من الفكر السلفي السائد في تركيا.
كما يقدم قراءة تحليلية لنماذج من أعمال حكمت، وكيف اتسمت مسرحياته بثبات المتن، وقوة الحبكة وتصاعد المشاعر والصراعات الداخلية، لاسيما التي تهتم بصراع الإنسان والمفاهيم المحيطة به.
المؤلف في سطور
عامر صباح نوري، دكتور ومدير قسم الإعلام والعلاقات العامة في جامعة بابل العراقية، حصل على عددٍ من الجوائز والشهادات التقديرية في مجال الأدب، وله مجموعة من الكتب الصادرة، من ضمنها «الذخيرة المسرحية في الصحافة المحلية»، «تاريخ وأدب المسرح العالمي».
عن بيان الكتب الإماراتيَّة
التعليقات مغلقة.