أردوغان يصوب المسدس نحو رأسه في سوريا
بوبي غوش
في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، نجحت تركيا في تحديث أسلوب تفاوضي فريد من نوعه عبر تصويب مسدس إلى الغرب، بينما تضغط بآخر على رأسها.
على مدار العامين الماضيين، عمد أردوغان إلى إثارة غضب شركاء تركيا داخل حلف «الناتو» من خلال التودد إلى خصمهم، روسيا. أما نتيجة ذلك فجاءت على النحو المتوقع تماماً بمعاناة تركيا من حالة عزلة داخل سوريا وليبيا، حيث تقف المصالح التركية في صدام مباشر مع الأخرى الروسية.
اليوم، بدأ هذا الصراع يكتسب بعداً جديداً مع سقوط عشرات القتلى في صفوف الجنود الأتراك، وثمة احتمال كبير أن يكون القتل قد وقع من خلال قنابل روسية. أما رد فعل أردوغان فتمثل في توجيه أقذع الانتقادات إلى الغرب الخائن – والتهديد بفتح الطريق أمام ملايين اللاجئين نحو أوروبا. أما الشرط الذي يطلبه أردوغان مقابل إحجامه عن فعل ذلك، فهو تقديم أوروبا المزيد من المال لإيواء اللاجئين داخل تركيا، والمزيد من المساعدات من قبل «الناتو» من أجل تحقيق الأهداف العسكرية التي ينشدها أردوغان داخل سوريا.
تبدو الحجة وراء الشرط الأول دامغة ولا تقبل الجدال، ذلك أن تركيا تأوي بالفعل على أراضيها أكثر عن 3.7 مليون لاجئ، وتستعد لموجة جديدة ضخمة من اللاجئين بسبب القتال الدائر في إدلب. ورغم توفير أوروبا بالفعل تمويلاً ضخماً لرعاية اللاجئين داخل تركيا، فإنَّه باستطاعتها، وينبغي لها، فعل المزيد للمشاركة في تحمل هذا العبء. ويواجه مئات الآلاف ممن يفرون من إدلب أوضاعاً خطيرة بصورة خاصة، على رأسها التعرض المستمر لبرد قارس.
ومع هذا، يضر أردوغان كثيراً بموقف تركيا من خلال تلويحه ببطاقة اللاجئين والسماح لهم بالتدفق على أوروبا بهدف إسكات الانتقادات الأوروبية لتصرفاته الطائشة، مثل الهجوم العسكري الذي شنَّه الخريف الماضي ضد جماعات كردية موالية للولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا. وعندما أعرب مسؤولون أوروبيون عن مخاوف مشروعة من أنَّ الهجوم يفتح جبهة جديدة في حرب أهلية شديدة التعقيد بالفعل، ويضر بالجهود الدولية الرامية لإنزال الهزيمة بتنظيم «داعش»، حذر الرئيس التركي من أنه: «إذا حاولتم توصيف عمليتنا باعتبارها غزواً، ستجعلون مهمتنا سهلة في تلك الحالة. سنفتح الأبواب ونبعث لكم بـ3.6 مليون لاجئ».
أما الحجة المرتبطة بالدعم العسكري في سوريا، فتنطوي مسألة صياغتها على صعوبة أكبر، فبعد تجاهله النصائح الأوروبية التي حذرته من شن هجوم في شمال شرقي سوريا، وتهديده بتوجيه «صفعة عثمانية» إذا ما وقفت قوات أميركية في طريقه، يرغب أردوغان اليوم في بطاريات «باتريوت» الأميركية للحيلولة دون قصف الطيران الروسي لجنوده والميليشيات المعاونة له. ويأتي ذلك رغم أن هذه هي بطاريات «باتريوت» نفسها التي رفضها، العام الماضي، لصالح أنظمة «إس – 400» روسية الصنع.
بخصوص رد فعل إدارة ترمب، فقد جاء حذراً بالصورة المناسبة، وفي صورة خطابات دعم متملقة دون أي التزام عسكري. وقد اعترف أردوغان نفسه أنه ربما لا يحصل على بطاريات «باتريوت».
وبناءً على طلب أنقرة، عقد حلف «الناتو» اجتماعاً لمناقشة الوضع في ظل المادة الرابعة من معاهدة الحلف، والتي يحق لأي دولة عضو تبعاً لها طلب عقد مشاورات، إذا ما شعرت بتهديد لسلامة أراضيها أو استقلالها السياسي أو أمنها. ونظراً لأنَّ الفئتين الأوليين لا تنطبقان بوضوح، ربما يدفع الأتراك بأن نتيجة المعركة الدائرة في إدلب تحمل تبعات أمنية – وليس لتركيا فحسب. ومع ذلك، يبقى من الصعب تخيل أن باقي الدول الأعضاء في التحالف ستورط أنفسها في ذلك الصراع. في الواقع، أبدى الغرب تردداً مثيراً للأسف إزاء فرض أي تكلفة حقيقية على روسيا. والاحتمال الأكبر أن يضغط الغرب من أجل حل دبلوماسي، وأن يدعو الرئيس فلاديمير بوتين لحضور القمة المقررة في الخامس من مارس (آذار) حول إدلب، بجانب أردوغان والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. في الوقت الحالي، تبدو روسيا غير مرحبة بفكرة الحضور.
من جهتها، كانت روسيا حريصة على نفي أي تورط مباشر لها في مقتل الجنود الأتراك – مدعية أنهم ضحايا قصف من جانب قوات سورية – لكنَّها مستمرة في دعم جهود بشار الأسد لطرد الأتراك وعملائهم من إدلب.
أما أردوغان، فقد حاول أسلوبه التفاوضي المعتاد مع بوتين، محذراً من أن العلاقات بين أنقرة وموسكو سوف تتردَّى بسبب إدلب، رغم أن مثل هذا التردي سيترك الأتراك دون أي صديق، في وقت يعاني اقتصادها من مأزق حقيقي. ومع تفاقم التوترات مع روسيا، انخفضت الأسهم التركية بشدة، والمؤكد أنَّ اشتداد حدة الصراع ستعرض التعافي الاقتصادي الأخير للخطر.
ويبدو بوتين واثقاً بأن إردوغان ليس بمقدوره الضغط على زناد أي من المسدسين اللذين يحملهما.
نقلا عن الشرق الأوسط
التعليقات مغلقة.