نظرة تشاؤمية حيال الوضع الصحي بروجآفا…

55

 

 

ماجدة داري

 

الصحة هي أكثر وجوه الحياة وهي جوهر البقاء بسلامة وعافية، فالمرض رافق الإنسان و كان سببا من مسببات الموت، وسببا يهدد الحياة ويلغي دور الإنسان في ممارسة حياته كما يجب، فيجبره على ترك العمل نتيجة خلل في أداء أجهزته الحيوية من دوران أو تنفس أو ضغط أو هجوم التهابي أو فيروسي أو نتيجة كسر عظمي أو حادث عارض من سير أو عنف مفاجئ، و منذ عهد ابقراط و الذي لقب بـ “أبو الطب” والذي مازال طلبة الطب والأطباء يقسمون بقسمه الشهير حين مزاولتهم الطب كمهنة إنسانية عليا. هذه المهنة القديمة قدم المرض والحياة والتي حملت في جوهرها رسالة إنسانية وأخلاقية وحملت المهنة تقاليد الشرف والإنسانية والخير على مر العصور إلى درجة ارتباط هذه المهنة بالقداسة والتبجيل ومازال الأطباء محط إعجاب وتقدير واحترام من الناس أينما كانوا وذلك تقديرا للمهنة التي يمارسونها.

في روجآفا و خلال سنوات الحرب والثورة وهجرة الكثير من الأطباء وإغلاق عياداتهم ونتيجة لنقص الكادر الطبي في المشافي العامة والخاصة، باتت طوابير المرضى تفترش مداخل العيادات رغم ارتفاع أجور المعاينات والتحاليل الطبية  والتصوير الشعاعي.. وغيرها من وسائل التشخيص الطبي، إزاء قلّة الخدمات الطبية المجانية التي تقدمها الإدارة الذاتية فإنّ المشافي الخاصة باتت تكوي جيوب المواطنين الهاوية أصلا، فالمشافي الخاصة تتقاضى أجورا عالية جدا لا تتناسب مع الخدمات العلاجية أو الجراحية التي تقدم للمرضى، بالإضافة إلى وجود الازدحام الشديد في العيادات والغرف وعدم وجود غرف عناية مشددة أو غرف عزل أو أجهزة التنفس الاصطناعي لمراقبة حالات حرجة، مما يضطر المريض و ذويه للسفر عبر سيارات إسعاف خاصة تتقاضى هي الأخرى أجورا عالية، كل ذلك يضيف عبئا ماديا ونفسيا  فوق مرضه ووجعه دونما رحمة من الأطباء الذين خلت قلوبهم من الرحمة والعطف والإنسانية _ بكل أسف _حيث وجد بعضهم  وليس الأغلبية  طريقه للاغتناء الفاحش على حساب صحة الناس وآلامهم وأوجاعهم، و يتنافسون قسم أبقراط ورسالتهم الإنسانية، ويذهب بعضهم أكثر من ذلك حيث يرون في المريض زبونا لا أكثر ولا أقل، فتبدأ رحلة المريض من العيادة إلى الصيدلية مرورا بالمخابر الطبية ومراكز التصوير الشعاعي عبر دائرة الاستفادة والإثراء على حساب المريض، فالعيادة تطلب منه التوجه لمركز محدد للتصوير أو التحليل أو حتى لشراء الدواء و كل حسب نسبته و كأننا تمام سوق و لكل عمولته حسب سمسرته يبدأ هذا الشيء من طبيب النسائية إلى طبيب العيون الذي يرسل مرضاه (زبائنه) حسب لغة العيادات إلى محل نظارات ولا ينتهي هذا الدور عند طبيب القلبية أو العظيمة، بل يتعدى كل ذلك بإرسال المرضى إلى مشافي حلب أو دمشق وفق مبدأ العمولات والسمسرة ما بين أطباء روجآفا ومشافي وعيادات في العاصمة دمشق أو بالمدن السورية الكبرى، وسط إهمال و تقصير للمرضى الذين هم بحاجة ماسة للرعاية والعلاج، فالمشافي ليلا تتحول إلى فنادق خالية من الأطباء فقط ممرضون وممرضات وحقن المسكن وآهات وأنين المرضى.

 فمهما بلغت درجة الوجع لا أحدا يبالي بهم، هذا من جهة، أما من ناحية الكفاءة المهنية لممارسة الطب فحدث و لا حرج عن فداحة الأخطاء الطبية في التشخيص و في العلاج وصولا للأخطاء القاتلة في غرف الجراحة والعمليات والتي يذهب ضحيتها عشرات المرضى وسط صمت وعدم المعرفة بالأسباب التي أدت إلى الوفاة، ويكاد لا يفلت من هذه الحالة والتي باتت ظاهرة خطيرة تهدد الصحة العامة بكثير من المخاطر والأهوال، إلا قلة من الأطباء الذين يخدمون المرضى بكل إنسانية وأحيانا بأجور متدنية مُخفَّفة أو مجانا في بعض الحالات.

إما إذا سنحت لأحدكم فرصة أن يلتقي بالمرضى أو ذويهم في ممرات العذاب وأروقة المشافي وعلى أرصفتها وفي غرف الانتظار المكتظة بالمرضى والمراجعين، فأنني على يقين أنكم ستسمعون بل وسترون حالات بأم أعينكم عن السمسرة والإهمال والأخطاء الطبية بالإضافة إلى الأسعار العالية جدا التي يتقاضونها إدارة المشافي أو الأطباء من الشعب البسيط الذي يعاني الأمرين وسط الارتفاع الجنوني لأسعار وألم الضرورة للاستمرار بالحياة والمعيشة.

أيضا يمكنكم مشاهدة الإهمال في عيادات أطباء الأسنان، من حيث العلاج والإهمال في تعقيم المواد والآلات المستخدمة لمعالجة اللثة والأسنان وتبدأ جسور التواصل مابين العيادة ومخابر طب الأسنان بقوة على حساب المريض الذي يخرج من العيادة بجسور سنية بديلة سيئة أو مخالفة للمواصفات التي تم الاتفاق حولها و يتهرب الطبيب المعالج من أي قضية تتعلق بسوء صناعة البدائل السنيّة ورمي التهمة عنه إلى جهة المخبر رغم أنه يتحمل كافة المسؤولية، فهو الذي يختار المخبر وهو الذي يحدد السعر ومدة الإنجاز والكفالة أيضا ويمكننا إيراد بعض الأسماء فيما لو تطلّب الأمر ذلك وهنا لا أقصد جميع الأطباء. فما زال هناك من يعمل بضمير وفق أخلاقيات المهنة وشرفها وإنسانيتها.

بقي أن نقول: شركات كثيرة لصناعة الأدوية باتت تطرح أدوية مقلَّدة ومزوَّرة و دون أدنى رقابة طبية من قبل هيئة الصحة أو غيرها، وتباع تلك الأدوية في الصيدليات وتحت مرأى و مسمع الأطباء والمعنيين بالصحة والطب، شركات تصنع الأدوية في عفرين وإدلب حيث غياب الدولة والإدارة و بالتالي الرقابة على صناعة المنتجات الطبية وتغزو أسواقنا متناسقة على الأسعار وهي أدوية تضر ولا تنفع، فمصدر تلك الأدوية هي معامل و مصانع موجودة في إدلب وريفها التي تعمل تحت إدارة تركية وبمساندة جيش الحر والمرتزقة، فوجود أدوية منتهية الصلاحية أو مزوَّرة ومقلَّدة تدخل روجآفا عبر ممرات جمركية أو تهريب تحمل معها الخطر الكبير على صحة مواطننا واقتصاد البلد.

كانت هذه بعض السلبيات التي وجدتها خلال زيارات ميدانية خاصة في المشافي والعيادات ومراكز التصوير الشعاعي والمخابر الطبية، ومرة ثانية أقدّر كل الجهود التي يقوم بها أطباءنا في روجآفا في سبيل مساعدة الناس و عملهم الإنساني.

التعليقات مغلقة.