لا بديل لأميركا عن ريادة العالم
دنيس روس
لا يؤمن الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالدولية، فهو يقوم بأعمال مع العالم، ولكنه يكره المؤسسات الدولية، ولا يذكر في خطاباته أمام الأمم المتحدة فضائل المنظمة الدولية؛ بل يؤكد وجهة نظره عن العالم، ومغزاها أن كل شخص يسعى لمصلحته الوطنية الخاصة، ولأن الحرب لا تصب في مصلحة أي شخص فيمكن للسلام أن يسود.
ليت العالم يعمل بهذه الطريقة. فلسوء الحظ، تنبع صراعات من المصالح والقيم المختلفة، وترفض بعض الدول وجهات فاعلة من غير الدول إعطاء الآخرين حقوقهم. فهل تقبل روسيا بحق أوكرانيا في إقامة إصلاحات والانضمام إلى أوروبا؟ وهل يقبل «حزب الله» بحق إسرائيل في الوجود؟ وهل يعتقد الإيرانيون أن لهم الحق في السيطرة على الشرق الأوسط؟
تكمن المشكلة الأساسية في نظرة ترمب أنها لا تؤدي إلى أي قواعد ولا معايير ولا حدود. وتشدد على أن كل بلد مسؤول عن نفسه، وتبرر فك ارتباط الأميركيين وانسحابهم. وللأسف، يؤدي انفصال أميركا إلى حصول فراغات تملأها في العادة أسوأ القوى.
بالنظر إلى الشرق الأوسط، خلقت إدارة بوش فراغاً في العراق، عندما أسقطت صدام حسين دون أن تكون لديها خطة يمكن اعتمادها حول من سيملأ الفراغ، وكانت النتيجة فوضى وتمرداً سنياً وحرباً طائفية فظيعة. تبنت إدارة أوباما سياسة التجنب خوفاً من إنتاج عراق آخر في حال تدخلت في سوريا، ونتج عن ذلك فراغ تسببت القوات التي ملأته في نصف مليون قتيل وملايين اللاجئين في الدول المجاورة وأوروبا، وفي ظهور «داعش». وأدى قرار ترمب بالانسحاب من شمال شرقي سوريا إلى خلق فراغ جديد تملأه في الوقت الراهن روسيا وإيران ونظام الأسد وتركيا. ويضطر بالفعل عدد من اللاجئين العرب السوريين إلى مغادرة تركيا والاستقرار في جزءٍ غير معروف لهم من سوريا، ولديه قدرة استيعابية قليلة.
أعلن الرئيس أوباما أنه تم انتخابه لإخراجنا من حروب الشرق الأوسط وليس لإدخالنا فيها. ويريد الرئيس ترمب إنهاء الحروب «التي لا نهاية لها». وتعكس مواقف كلا الرئيسين تفهمهما للشعب الأميركي؛ فكلاهما يريد الخروج من صراعات أثبتت أنها مكلفة للغاية ويبدو أنها تزيد الأمور سوءاً. ولا يمكن لدوافع أوباما وترمب حول ارتباطهما بالدول الأخرى أن تكون أكثر اختلافاً. كان أوباما يؤمن بالدولية ويعتقد أنه على الولايات المتحدة صياغة جدول الأعمال الدولي، وتعبئة الدول الأخرى لاتباعه. ولكنه كان أيضاً متردداً في قضية استخدام القوة (باستثناء أغراض محدودة لمكافحة الإرهاب)، قائلاً إن الذين طالبوا باستخدام القوة والتدخل لم يفهموا معنى ذلك في القرن الحادي والعشرين. ولكي تكون وجهة نظر أوباما صحيحة، يجب على الآخرين قبولها دولياً، وهذا لا يحصل في الوقت الراهن.
وعلى عكس ترمب، اعترف أوباما بأن لدى الولايات المتحدة مسؤوليات دولية – سواء فيما يتعلق بتغير المناخ أو الأوبئة أو الإرهاب – وكان مصمماً على العمل مع الآخرين للتصدي لهذه التحديات. ويبدو ترمب مستعداً للعمل مع الآخرين فقط إذا لم يكلف الولايات المتحدة ذلك شيئاً. ولا يحب الرئيس الأميركي التحالفات؛ لأنها تتطلب التزاماً، وهو يعكس بذلك السلالة التاريخية للعزلة الأميركية – الانعزالية القتالية. ويرى ترمب أن إقامة التحالفات تقيد الحرية، وكذلك كانت وجهة نظر السيناتور ويليام بوراه في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين. فبالنسبة لهذه الشخصيات، لا يكفي أن الحلفاء لا يدفعون نصيبهم العادل؛ بل تحد أيضاً التحالفات من حريتنا في العمل، وتتطلب منا أن ندافع عنهم. وأستذكر هنا سؤال ترمب عن سبب رغبتنا في الدفاع عن الجبل الأسود، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ويثني المرشحون الديمقراطيون للرئاسة، مثل إليزابيث وارين، على التحالفات، ولكنهم يريدون أيضاً سحب جميع القوات الأميركية من الشرق الأوسط. هل سيبقي البريطانيون والفرنسيون قواتهم في الشرق الأوسط بشكل علني إذا لم يكن لنا وجود في المنطقة؟ وإذا كان من مصلحتنا مساعدة الآخرين في الحفاظ على الاستقرار ومواجهة التهديدات المشتركة، فيجب أن يكونوا قادرين على الاعتماد علينا. ولكن هذا لا يعني إبقاء القوات الأميركية في أماكن مختلفة دون وعي.
وفي المقابل، تجب على قادة أميركا دراسة الآثار المترتبة على الخيارات المختلفة المتوفرة. بداية، من الضروري معرفة أنه يوجد فرق بين نشر عدد قليل من القوات الأميركية على الأرض لمساعدة الشركاء المحليين وتعزيز وجودهم لدعم الدبلوماسية، والتدخل عن طريق نشر عشرات الآلاف من القوات لحل النزاعات البعيدة، أو إعادة هيكلة الدول.
ويحتاج قادة أميركا إلى مفهوم يوجه نهجنا إلى العالم، ويجب أن يكونوا مستعدين لشرحه للشعب الأميركي والعالم. وإذا رفضوا مقاربة ترمب، فعليهم أن يكونوا مستعدين لشرح دور الولايات المتحدة بعبارات مفهومة ومتكررة.
واقتراحي كما يلي، وأعتقد أنه سيكون له صدى على المستويين المحلي (داخل الولايات المتحدة) والدولي:
تقع على عاتق أميركا مسؤوليات أكثر من غيرها في العالم، نظراً لقوتها الاقتصادية والعسكرية. ولا تنطوي هذه المسؤوليات على خوض كل معركة أو حل كل صراع؛ بل على المساعدة في الحفاظ على عالم أكثر أماناً وصحة ونظافة وأقل تمزقاً بالصراعات، وحيث يمكن للجميع التطور والتقدم. ويخدم كذلك عالم مصالحنا وقيمنا؛ لأننا لا نستطيع عزل أنفسنا عن التهديدات التي لا تحترم الحدود، مثل: الانتشار، والإرهاب، وتغير المناخ، والأوبئة، والانصهار الاقتصادي، والعوامل التي تسبب كل ذلك. ولا يمكننا وحدنا الحد من هذه المخاطر، ولهذا نحن بحاجة إلى العمل مع أطراف ودول أخرى.
والأمر الآخر الذي لا يمكننا القيام به بمفردنا هو منع حدوث الفراغات. ومع ذلك، نحن نعلم أنه إذا لم نمنع تشكل هذه الفراغات، فستهددنا القوى التي ستملأها عاجلاً أم آجلاً، وعندها فقط ستتوفر لدينا خيارات أقل، وستكون تكاليف مواجهة هذه التهديدات أكبر.
ولمنع تشكل هذه الفراغات – وللتأكد من أننا لسنا حماة العالم – نحتاج إلى حلفاء يعملون معنا ومع شركاء محليين يقاتلون لحماية أنفسهم. ولكن إذا قاومنا حلفاءنا وخُنَّا هؤلاء الشركاء، فلن يكون لدينا أي منهم. فعلى سبيل المثال، لم نكن أبداً أبداً لنتمكن من دحر قوات «داعش» من الجو فقط. كان لا بد من التخلص منهم على الأرض، وقامت بالفعل «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد بالقتال العنيف على الأرض، وخسرت أكثر من 11 ألف قتيل. وقدمت الولايات المتحدة الدعم اللوجيستي والمادي والمعلومات الاستخباراتية والاتصال والنيران الجوية والمدفعية، وتكبدت خسائر طفيفة للغاية. ويشكل هذا المثال نموذجاً للمستقبل عند مواجهة التهديدات التي قد تبدو بعيدة، ولكنها قد تقترب إلى شواطئنا في وقت قصير. ولتستطيع الولايات المتحدة العمل بشكل فعال، عليها أن تكون جديرة بالثقة.
وهذه هي الرسالة المنطقية. لا يوجد بديل للولايات المتحدة في لعب دور الريادة في العالم. وستلعب الولايات المتحدة عاجلاً أم آجلاً الدور الذي تحتاجه، والذي يعكس مبادئها. فهل سيحصل ذلك في عام 2021 أم 2025؟ سنعرف مع الوقت.
نقلا عن الشرق الأوسط
التعليقات مغلقة.