الحب بالسودان.. لا يحلو إلا افتراضياً
“لم أسمع عن الحب. قرأت عنه في عدد من الروايات. كما شاهدت بعض القصص الرومانسية في الأفلام. لا أؤمن بإمكانية تحقيقه على أرض الواقع. فقد خُلِقَ ليكون حبيس الورق وشاشات التلفزيون والسينما”. بهذه الكلمات عبرت فاطمة عن نظرتها للحب. هي أم لطفلتين، وكانت قد تزوّجت قبل أن تُكمِل عامها العشرين من ابن عمها الذي رأته للمرة الأولى في ليلة زفافها. أكثر من ذلك، هما لا يعيشان سوياً اليوم. فقد اضطر إلى السّفر إلى السعودية بحثاً عن وضع معيشي أفضل.
فاطمة اليوم في الثلاثين من عمرها. حالُها ليس مختلفاً عن حال الكثير من المقبلين على الزواج في السودان. فنادراً ما يكونُ الزواج نتيجة لقصة حب، فالحب محرّم داخل المجتمع.
“حبيبي مفلّس”
ترفض غالبية الشباب، وخصوصاً في المناطق المحافظة، الزواج من فتاة جمعتهم بها علاقة حب. فهذا المفهوم غُرس في عقولهم منذ الطفولة. برأيهم، فإن الفتاة التي تخرج مع شاب وتتحدث عن الحب ليست جديرة بالاحترام. عاديّ أن تنشأ قصص حب بين الشباب الوافدين من الريف إلى العاصمة وفتياتها. لكن حين يقرر هؤلاء الزواج، يصبح الأمر مختلفاً ويعودون إلى قراهم.
هذه التقاليد لم تمنع إطلاق أسماء مرتبطة بقصص حب على بعض الحدائق، على غرار “حبيبي مفلّس”، و”أبوي بيشوفنا”، التي تعني أن والد الفتاة قد رآها مع حبيبها. وعادة ما يلتقي العشّاق من المراهقين وطلاب الجامعات في هذه الحدائق.
شجاعة افتراضية
وسط هذه التقاليد، باتت مواقع التواصل الاجتماعي منفذاً للعشاق. تشعرهم بالأمان. يمكنهم التعبير عن مشاعرهم من دون الخوف من وصمة اجتماعية.
في هذا السياق، يقول ياسر إن “هذه المواقع كسرت الخوف الاجتماعي لدى الشاب والفتاة. فعلى هذه المواقع لن تلاحقهم حواجز العيب والخصوصية. على العكس، فقد منحتهم شجاعة افتراضية لكسر هذه التقاليد”. ويلفت إلى أن “هذه المواقع ساهمت في كسر حاجز الخجل. فما لا نستطيع قوله وجهاً لوجه حين تضيع منا الكلمات، نقوله من خلال هذه المواقع”.
لا تختلف تجربة محمد عن ياسر. فهو يرى أيضاً أن هذه المواقع ساهمت في حل مشكلة كبيرة يعاني منها الشباب في السودان بفعل التقاليد. بالنسبة إليه، صار “واتس أب” ملاذه الوحيد لمغازلة حبيبته من دون خوف من حكم المجتمع الذي يرفض الحب ويعتبره فعلاً مستنكراً”. حتى أن المجتمع السوداني يرى في مجاهرة الزوج لزوجته بالحب انتقاصاً من الرجولة.
يتابع: “أستعد للزواج في وقت قريب. مع ذلك، فإنني أشعر براحة أكبر في الحديث مع خطيبتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من اللقاء المباشر الذي يسيطر عليه الخجل”. يضيف: “تفادياً للخجل، نلجأ إلى مناقشة بعض القضايا العامة، ونترك عبارات الحب لـ “واتس أب”.
”
لا تُبنى العلاقات الزوجية بالسودان على الحب، وإنما على الخوف والمجاملات والاحترام
”
أما سومة، فتقول إنها أرادت أن تعيش الحب الذي قرأت عنه مراراً. ولم يكن من خيار أمامها سوى البحث عن شاب على “فيسبوك”. وكان حظها جيداً. تعرّفت على شاب من جنسية أخرى، ونشأت بينهما قصة حب، واتفقا على الزواج. تقول: “عندما التقيته، أحسست أنني أكثر جرأة في التعبير عن نفسي ومشاعري عبر مواقع التواصل الاجتماعي”. تُضيف: “رغم كونه من بيئة مختلفة، إلا أن تربيتي وبيئتي منعتني من أن أكون أكثر جرأة في التعبير عن مشاعري من دون خجل. وربما كان ذلك الخلاف الرئيسي بيننا الذي عجّل بانفصالنا”.
ولعبد الله قصة مشابهة لسومة، مع فارق أنها تكلّلت بالنجاح في آخرها. هو أيضاً أراد أن يختبر هذه المشاعر. وجد الحلّ في “فيسبوك”، لأن بلده يرى الحب “جريمة”. “يشرح: “أحببت فتاة مغربية عبر فيسبوك. تزوجنا وأنجبنا طفلة. نعيش حياة سعيدة. فهي لا تخجل من التعبير عن حبها لي أمام عائلتي أو عائلتها. وهذا أساس نجاح الزواج”.
حرّاس
قليلةٌ هي حالات الزواج التي يكون أساسها الحب. وكتعويض، عادة ما يسبق الزواج فترة خطوبة وخصوصاً في المدن الكبرى. وخلال هذه الفترة، يسمح الأهل للثنائي بالخروج وقضاء الوقت سوياً، على أن يرافقهما حارس، شقيق أو شقيقة أحدهما. في السياق، تقول نهى عمر إنها تزوجت قبل ست سنوات بعدما عاشت قصة حب جميلة. لم يمر وقت طويل قبل أن تكتشف أن “لا مكان للحب في المجتمع السوداني، وكل ما عشته قبل الزواج ليس أكثر من أحلام”. تضيف “صحيح أننا كنا نرتاد المناطق التي تحمل ذكرياتنا في فترة الخطوبة. لكن مع ازدياد ضغوط الحياة، ووجود الأطفال، اختلف الأمر”.
أما جمال الدين علي الذي مر على زواجه خمسة عشر عاماً، فيؤكد أن “الحب يضعف بعد الزواج”. يضيف: “نحن مجتمع لا يعرف الحب ويكتفي بالاستمتاع به في الأفلام أو المسلسلات. لكنه لا يستطيع أن يصنع الحب ويضحّي من أجله”.
بدوره، يرى محمد أمين أن “المجتمع السوداني لا يفهم معنى الحب ويحرص عادة على حصر العلاقة بين الرجل والمرأة في إطارها الشرعي، وفقاً للأعراف والتقاليد والثقافات الخاصة بمجتمعنا السوداني المتديّن”. ويوضح أمين أن “أي علاقة خارج هذا الإطار تعد قلّة أدب. لذلك يصعب على الشباب إخبار الأهل عن علاقاتهم”.
يحكي أمين عن تجربته. يقول إن “الضغوط اليومية تضعف الحب. مع ذلك، يسعى وزوجته إلى استعادة ذكرياتهما الجميلة بين فترة وأخرى”. يضيف أن “ذلك يساهم في تجديد المشاعر”. من جهة أخرى، تقول رئيسة قسم علم الاجتماع في جامعة “النيلين” بالسودان أسماء جمعة إن “معظم العلاقات الزوجية داخل المجتمع السوداني لا تُبنى على الحب، وإنما على الخوف والمجاملات والاحترام”. وتعزو السبب إلى “العادات والتقاليد والبيئة التي نشأ فيها السودانيون”، لافتة إلى أن “هذا البلد يجمع بين العادات والتقاليد العربية والأفريقية الصّارمة والبدوية، التي لا تزال طاغية حتى في المدن”. مع ذلك، تشير إلى أن “الجيل الجديد بدأ يحاول التخلّص منها”.
واستبعدت جمعة نجاح العلاقات التي تنشأ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لافتة إلى أن “كل طرف يتجمّل من أجل الطرف الآخر لتحلّ الصّدمة بعد ارتباطهما وعيشهما في مكان واحد”. –
عن العربي الجديد
التعليقات مغلقة.