عرب وكورد

44

 

خالد القشطيني

 

تكلم السيد برجس البرجس، رئيس جمعية الهلال الأحمر الكويتية، في مركز الإعلام الكويتي في التسعينات عن المساعدات المشكورة التي تقدمها الكويت للمواطنين العراقيين. طرحت عليه أسئلة عدة بصدد النشاط العربي الموحد وإخفاقاته. وفي كل مرة كان يرفع يديه بيأس ويتمتم: عرب عرب.

كان بجانبي أحد الزملاء الأكراد. نظرنا إلى بعضنا بعضاً وابتسمنا سوية وتهامسنا بشأن هذه التراجيديا الكوميدية التي أصبحت الموضة السياسية في جيلنا هذا. ذكرت له كيف أن أحد الصحافيين سأل الزعيم الكردي جلال الطالباني عن هذا التقاتل المرير والانقسامات في الجبهة الكردية – العراقية، فأجابه قائلاً: هذا هو ما تعلمناه منكم، أنتم أيها العرب. تعطف الزميل الصحافي الكردي فروى أنه عندما كان في صفوف الملا مصطفى البارزاني أثناء الثورة الكردية زاره أحد الصحافيين المصريين وألقى عليه سلسلة من أتفه الأسئلة وأبسطها. وكان البارزاني يجامله ويجيب عنها بقدر ما سمحت به أعصابه الصابرة. ولكن صبره نفد كلياً عندما ختم المراسل الصحافي استجوابه بهذا السؤال: هل صحيح أنتم الأكراد كنتم في السابق عرباً؟ فالتفت البارزاني إلى مساعده محمود عثمان وقال له: لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال بالعربي. سأجيبه بالكردي وأنت ترجم له. أجاب وترجم محمود عثمان جوابه بهذه الكلمات: صحيح أننا في غابر الأيام كنا عرباً ونسكن المنطقة العربية، لكن صبرنا نفد فرحلنا وصعدنا الجبل وسمينا أنفسنا «كورداً».

هكذا عرف الأكراد بأنهم أبناء الجبل وفي تركيا يسمونهم «أتراك الجبل». وفي ذلك قال الجواهري يحيي مقاتليهم وأبطالهم:

سلم على الجبل الأشم

ولأنت أعرف عن بنيهم من هم

وحول هذه الحقيقة الجيوفيزيائية تكلم كامل الجادرجي، زعيم الحزب الوطني الديمقراطي في العراق آنئذ، مع رشيد عارف، الوزير الكردي في حكومة عبد الكريم قاسم. قال له: أنتم أيها الأكراد لا نصيب لكم في إقامة دولة لأنكم من سكنة الجبال، والحضارات لا تقوم على الجبل. بالطبع رفض رشيد عارف هذه المقولة وجادل فيها.

مرت أشهر وذهب كامل الجادرجي في رحلة استجمام في أوروبا. مر خلالها بسويسرا ولاحظ مدى الرقي في هذا البلد الغني. بهره كل ما شاهده فيه. ثم عاد إلى العراق والتقى في إحدى المناسبات برشيد عارف. بادره بالاعتذار وقال له إنه يسحب كلامه بشأن ما قاله عمن يسكنون الجبال. ثم قال له: أنتم أيها الأكراد لماذا لا تفعلون ما فعله السويسريون بجبالهم؟ فأجابه قائلاً: سويسرا محاطة بحضارات، فالألمان شمالاً، والفرنسيون غرباً، والنمساويون شرقاً، والإيطاليون جنوباً. فتعلموا منهم. ولكن نحن الأكراد من يحيط بنا لنتعلم منهم؟ العجم من الشرق والغجر من الشمال والعرب من الجنوب والبدو من الغرب. فممن نتعلم؟

 

نقلا عن الشرق الأوسط

التعليقات مغلقة.