عرب «الناتو» والسياسات التابعة/ د.مثنى عبد الله

21

08qpt480

 

 

 

 

 

 

 

في الاسبوع الماضي عقد حلف الناتو قمته في منتجع سيلتيك مانور بمدينة نيوبورت بمقاطعة ويلز البريطانية، بحضور ما يقارب الستين من قادة العالم، وهي أول قمة في المملكة المتحدة منذ أن استضافت مارغريت ثاتشر قادة الناتو في القمة التي عقدت في لندن عام 1990، ولعل الاشارة الاكثر وضوحا في هذه القمة هي دعوة عدد من القيادات العربية للمشاركة فيها، حتى أن بعض وسائل الاعلام صورت هذه المشاركة على أنها فتح مبين للسياسة العربية، واقتحام جسور لحصون السياسة الغربية.
قالوا ان المشاركة العربية هي فرصة سانحة لعرض زاوية نظرنا للتحديات التي تواجه العالم عموما والشرق الاوسط خاصة، وهي القناة الصحيحة التي نعرض من خلالها تصوراتنا وسُبلنا كحلول لهذه المعضلات والازمات، وأردفوا بأن الزعماء العرب المشاركين لديهم من المصداقية والحضور الدولي، ما يجعل حلف الناتو يُصيخ السمع الى آرائهم التي تشمل كل القضايا الاستراتيجية بكل اهتمام.
اننا نؤيد كل ذلك ولا نُريد أن نشكك في كل ما ورد، بل نزيد عليه أن حكام هذا القطر العربي او ذاك حلفاء استراتيجيون لحلف الناتو، ويرتبطون منذ عقود من الزمن باتفاقات عسكرية واستخباراتية مع الدول الاوروبية الاعضاء فيه، لكن السؤال الذي يفرض نفسه وبقوة هو ما الذي كسبه العرب من هذه المشاركة، وما هي انعكاسات ذلك على قضايانا العربية؟ بكل وضوح وشفافية نقول بأن العراقيين كسبوا من الاتفاقات العسكرية العربية مع حلف الناتو، أن دُمر بلدهم بعد أن أجبر الحلف أشقاءهم على الانضمام الى تحالف دولي ضدهم، ومنعوا أي حل عربي عام 1991، وعندما ضاقت سبل العيش بالعراقيين بعد هذا التاريخ بسبب الحصار، وخرجوا من بلدهم يبحثون عن لقمة خبز، وضع الاشقاء اتفاقاتهم الاستخبارية مع الحلف موضع التطبيق علينا، السماح لنا بالدخول والاقامة مقابل معلومات عن برنامج العراق التسليحي، حتى لو كانت من نسج الخيال، كي يثبتوا جدارتهم تجاه المؤسسات الاستخبارية الغربية، ولم يقتصر الامر على العراقيين، بل فضحت الصحافة الغربية قبل سنوات الخدمات الجليلة التي قدمتها الاجهزة الاستخباراتية العربية لدول حلف الناتو، عندما تبين بأن البعض كان يستلم منهم المتهمين بما يسمى الحرب على الارهاب، كي يحقق معهم وينتزع الاعترافات بالقوة والاكراه، تطبيقا للاتفاقات الاستخبارية مع الناتو، وأن هنالك سجونا سرية وأدوات تعذيب مخصصة لهذا الغرض. لقد كانت ومازالت الاقطار العربية التي ترتبط بعلاقات عمل عسكري واستخباري مع دول حلف الناتو في موضع المفعول به وليس الفاعل.
تصنع هذا الاقطار منا جواسيس للحلف وترسل جنودها في ساحات أخرى كأفغانستان ودول أفريقيا، ويحمل ضباط مخابراتها ملايين الدولارات في حقائبهم يدفعونها فدية كي يطلق سراح أمريكي أو بريطاني أو كندي، بينما لا يسمح الحلف لهم أن يقدموا للفلسطينيين واللاجئين السوريين سوى الاغطية وقناني المياه وخيم مهلهلة في الصحارى والقفار. انتفض حلف الناتو مرات عديدة منتخيا باسم الانسانية وحقوق الانسان للكثيرين في العالم، فحطم دولا وانتهك سيادات وقتل شعوبا، لكن موقفه كان ومازال من القضية الفلسطينية قائما على أساس أن تدخله لن يكون الا بقرار وتفويض من مجلس الامن، وهذا القرار لن يصدر لان دول الحلف هي التي تسيطر على المجلس، ولان الازدواجية في التعامل مع القضايا العربية هي الاساس في سياسات حلف الناتو. أنظروا الى ما أعلنته بريطانيا على هامش القمة، من أن هنالك فريقا من المحققين الدوليين يعمل على جمع أدلة ضد تنظيم الدولة الاسلامية، وأمضى المحققون أشهر عدة في أعداد نحو 400 ملف يدين قادة التنظيم، وأن هذا الفريق تم تمويله من الحكومة البريطانية، فهل هذا العمل هو لسواد عيون العراقيين والسوريين، أم لان التنظيم قتل مواطنين أمريكان وغربــــيين؟ كلا أنهم يعملون كل ذلك في سبيل مواطنيهم ومصالحهم، وهذا هو كبير المحققين في الــــفريق يصرح قائلا، «نود أن نرى قاتلي جيمس فولي أمام العدالة»، فهل يستطيع أي من القــــادة العرب المشاركين في قمة حلف الناتو القــــول أمام المجتمعين، نود أن نرى قاتلي الفلسطينيين والعراقيــــين في الحروب على غزة وأثناء الغـــــزو والاحتــــلال الامريكي أمام العدالة؟ يقينا لا أحد منهم قادرا على ذلك، لان الدور المطلوب منهم هو أن يكونوا فقط أذرعا ســــاندة لسياسات الحــــلف، وأقطـــارهم مرتكزات جغـــرافية وقواعد ثابتة يتحرك الحلف من خلالها لتنفيذ سياســـاته في العالم والمنطقة.
لقد انتهى الحلف من العدو السوفييتي وبات في حالة بحث عن هوية جديدة وعدو جديد يجبر الاخرين على الاصطفاف من أجله، فكانت الحرب على الارهاب هي خط الشروع الجديد في سياسة الاصطفاف الجديدة، التي لخصت وجوده في ساحات كثيرة بدعوى أنها تؤثر على الامن القومي لدول الحلف، بينما الحقيقة تناقض ذلك تماما، فالمتغيرات التي طرأت على البيئة الامنية في العالم منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، كانت سياسات الحلف الازدواجية هي الفاعل الرئيسي في إيجادها. لقد خلقوا تلك التحديات كي يبقى الحلف فاعلا في حشد الدول الاعضاء والتابعين في مجال الدفاع عن الامن والترويج له على أنه في حالة خطر، وكي يوسّع من دوره مستندا الى هذه الفكرة، وكي يُنضج أجندة عمل جديدة تخدم مصالحه، وصولا الى ضم أعضاء جدد أصليين وساندين، وجغرافيــــات أخرى يبني عليها قــــواعده خاصة الجـــغرافية العربية، لانهم ينظرون الى العرب على أنهم يُصدرون الدين والنفط وكلاهما سريع الاشتعال وفق منظورهم.
انهم يحاولون عكس الوعي بالاتجاه المعاكس، وللاسف أن بعض الزعامات العربية تعينهم على ذلك من خلال الانخراط في مشاريع وتوجهات لا تضيف أي مصالح للامة. لا أحد يدعو الى انعزال النظام الرسمي العربي عن حركة عجلة السياسة الدولية، وعدم الوجود في محافلها، فالعلاقات الدولية وجدت لتوصل لا لتقطع، لكن يجب أن يكون هذا الانخراط بما يضيف الى الامة لا أن يأخذ منها كل شيء من دون مقابل، وهذا للاسف بعيد جدا، لان هنالك خللا بنيويا عميقا في ادراك المصالح العربية. انهم يفهمون ما يجب فعله بشكل مجزأ وليس موحدا، كما أنهم لحد الان لم يستطيعوا أن يحددوا هل هم هدف لتأثير خارجي أم أنهم قادرون على تحقيق مصيرهم كلا على حدة أو جماعة على مستوى المنطقة.

٭ باحث سياسي عراقي/ عن القدس العربي

التعليقات مغلقة.