كذبة غياب الديموقراطية وظهور «داعش»
كثيرة هي الأسباب التي يطرحها المحللون ومراكز البحث العلمي ولاسيما في الغرب عن أسباب الظهور المفاجئ لتنظيم داعش وإعلانه دولة الخلافة على مساحة من الأرض تعادل مساحة بريطانيا. الأسباب متعددة لخروج هذا التنظيم ووحشيته التي تميزه عن غيره من الحركات الإسلامية وغيرها في العالم. بعضهم يؤمن بنظرية المؤامرة، وأن الغرب هو من يقف وراء إنشاء ودعم هذا التنظيم، وكلنا يتذكر مشاريع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة التي تطبخ في الدوائر الغربية. وحقيقة الأمر أن آخر ما يفكر به الغرب هو نشر الديموقراطية والحرية والعدالة في منطقتنا، فمصالحه محافظ عليها من نشوء الدولة العربية الحديثة واتفاقية سايس-بيكو التي رسمت خرائط الشرق الأوسط في بداية القرن الماضي، وهناك من يقول إنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وظهور أميركا قوةً مسيطرة في العالم غيَّر من قواعد اللعبة الدولية، ولاسيما مع سقوط الحكومات الشمولية في شرق أوروبا وانعتاق دول أميركا اللاتينية من أنظمتها العسكرية، أي أن العالم في شرقه وغربه دخل مرحلة الديموقراطية والحرية. هي منطقتنا تعيش في عصور من الظلام في كل مناحي الحياة فقط، نستجلب المنتجات المادية من العالم وفي الوقت نفسه نعيش ويروّج بعضهم للصراع الحضاري معه، ولاسيما في خطابنا الديني على رغم الجهود من بعض المخلصين للحوار والتعايش مع «الآخر»، ولكن القضية باعتقادي أعمق من ذلك بكثير، فنحن أمة مأزومة بالماضوية في ثقافتها بمفهومها العام ولاسيما الديني، ومن يدعو إلى التحديث وإعادة تفسير وعصرنة الدين هو مهدد في حياته، ومنهم من دفع الثمن والمفكر المصري فرج فودة مثال على ذلك.
لا يمكن أن تأتي الديموقراطية والحرية على ظهور الدبابات الأميركية والغربية، كما حدث بالعراق وليبيا، فلا سقوط القذافي وصدام وغيرهما جلب لنا حلم دولة المواطنة، بل إن الغزو الأميركي قد يكون خلق الفوضى الخلاقة التي سمعنا عنها قبل ذلك، وهذا الاحتلال خلق بيئة خصبة وحاضنة للتنظيمات الإرهابية مثل «داعش»، أما سورية التي تردد الرئيس الأميركي في مواجهة نظامها، في اعتقادي لم يكن ضعفاً من إدارته، ولكن بسبب التخطيط لتحقيق أهداف عدة، ومنها خلق فوضى خطيرة أنتجت «داعش» وغيرها من التنظيمات الإرهابية.
بعضنا -وللأسف- يصدق الادعاءات الغربية وبعض النخب لدينا يرددون أن سبب ظهور «داعش» هو الشمولية وعدم وجود المشاركة السياسية في عالمنا العربي، فهذا الغرب الذي يقول إن مثل هذا الغياب هو سبب ظهور «داعش» كان ولا يزال حليفاً لبعض أنظمتنا السياسية، وكان يصنفها بدول العالم الحر أثناء فترة الحرب الباردة مع غريمه الشيوعي فكيف تحولت هذه الدول بقدرة قادر من دول العالم الحر إلى دول شمولية! هذا من ناحية الغرب وخطابه المتناقض، أما من ناحية التنظيمات الإسلامية السياسية، ومنها «داعش» فتعتبر قضية الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان مفاهيم هراء ولم نسمع في خطاباتها وأدبياتها الدعوة الصادقة لتحقيق لهذه المطالب، بل إنها تدعو إلى دولة دينية لم يوجد مثال لها في الواقع والتاريخ الإسلامي، أما على مستوى الواقع فالكل منا يتابع ما تفعله في المناطق التي تسيطر عليها من وحشية لم يُشهَد لها مثيل. هذه التنظيمات لا يمكن أن تكون حلمنا في تحقيق النهضة واللحاق بركب الدول المتقدمة، بل إن وجودها وآيديولوجيتها التي تنطلق منها هي سبب الخيبة والهزيمة الحضارية التي نمر بها.
حركات الإسلامي السياسي في عالمنا تروِّج وتستغل قضية غياب الديموقراطية للترويج لمشروعها السياسي، مستخدماً العنف. وأتساءل: لماذا القوى السياسية الأخرى مثل القومية والشيوعية لم تنحُ إلى العنف كما حركات الإسلام السياسي إذا كان السبب في الحقيقة هو غياب الديموقراطية، وقد تكون لدى الحركات الإسلامية قدر من الحرية في عملها السياسي، مقارنة بالأحزاب السياسية الأخرى، إذا القضية هي الآيديولوجية التي تؤمن بها وتسوِّقها الجماعات الإسلامية التي تفسر النصوص بحسب حساباتها السياسية.
عن الحياة
التعليقات مغلقة.