حشود تركية لا تعني حرباً وشيكة

70

 

شورش درويش

من دون أن تكلّ، عاودت تركيا تحشيد قطعاتها العسكرية على الحدود الجنوبية قبالة مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وفي ظل التلويح بإمكانية التوغّل داخل الأراضي السورية لتعقّب عدوّتها الوحيدة، “قسد”، في ظل انحسار العداء بين الحكومة التركية والنظام السوري الذي يبدو أنه بات جزءاً من الماضي، وفق ما فرضته الاتفاقات الروسية التركية، ما يعني أن أهداف أنقرة في سورية تكثّفت في نقطة واحدة، وهي الحؤول دون إقامة كيان كردي أو كيان برأس كردي جنوب حدودها، أو وفق تعبير سابق للرئيس التركي، أردوغان، حيث لن تسمح تركيا بتكرار “خطأ شمال العراق” (كردستان العراق).

تأتي الجهوزية العسكرية التركية والتهديدات المرافقة في ظل أوضاع شديدة التعقيد، ذلك أن تركيا مضت في صفقة إس – 400 مع روسيا، وما استتبعه الأمر من ترنّح العلاقة التركية الأميركية، وتلويح الولايات المتحدة بإمكانية معاقبة تركيا وفق قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة (كاتسا)، وحرمانها من مقاتلات إف 35. وبالتالي، لا تمنح الأجواء الملبّدة هذه تركيا أيّ ضوء أخضر، بل قد تفاقم المشكلات التي استجدّت أخيرا، وتوصلها إلى مرحلة متقدّمة، وخصوصا أن واشنطن تراجعت عن مسار إخراج قوّاتها العاملة في سورية، ومواصلتها دعم حلفائها الأكراد.

وفي منظور مقابل، أشار القائد العام لقوات سورية الديمقراطية، مظلوم عبدي، إلى مخاوف جدّية متصلة بالمناطق التي تحت سيطرة قوّاته، إلّا أن اللافت في تصريحه أخيرا، في مقابلة مع صحيفة يني أوزغور بوليتيكا، أنه تركّز على سلّة من المقترحات، لتجنّب صدام عسكري مع تركيا، كالحديث عن المنطقة الآمنة وإمكانية حصرها في عمق خمس كيلومترات، وسحب الأسلحة الثقيلة التي يصل مداها إلى الداخل التركي، على ألّا تشمل المدن الحدودية الرئيسية، وأن يتولّى شؤون حمايتها أبناء تلك المدن. إلى جانب هذه المرونة في محاولة تفهّم الهواجس التركية التي أبداها القائد العام، أو “الجنرال مظلوم”، وفق التسمية الأميركية للشخصية الأقوى في الشمال السوري، أفصح عن إمكانية تفجّر الأوضاع حال مهاجمة تركيا قوّاته، إذ من شأن الهجوم تعطيل جهود مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأنه سيفضي إلى انسحاب قوّاته من العمق العربي (الرقة ودير الزور). وعلى الرغم من المخاوف، ركن عبدي إلى صعوبة اندلاع حربٍ مفتوحةٍ على غرار الحرب على عفرين، ذلك أن الولايات المتحدة “لا تريد ذلك، كما أن 73 دولة في التحالف الدولي لا تريد أن يتضرّر هذا الاتفاق. هذه قضية دولية، ولهذا السبب هناك ضغط كبير على الدولة التركية، في حين لم يكن هذا الضغط حاضراً في عفرين”، غير أن لهجة القائد الكردي التي بدت براغماتية ومرنة اتصلت بأخرى بدت صارمة، في حين أن من شأن اندلاع مواجهة في بقعة ما تمدّدها على نطاق 600 كم، وهي المساحة التي تسيطر عليها قوّاته. وعليه، لن تكون الحرب محدودة في المكان والزمان على نحو ما حصل في عفرين.

في إزاء حالة الاحتقان المديدة على جانبي الحدود، يتنقّل المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، محاولاً إبقاء الأمر تحت السيطرة، وإمساك العصا من المنتصف، ولعلّ جهده منصبٌّ على إقناع الأتراك بالقبول بمنطقة آمنة، ولكن ليس وفق الرؤيتين المتضاربتين، التركية والكردية، لطبيعة تلك المنطقة، ووظيفتها وشكلها، والأهم القوى التي ستديرها. وعليه، قد تكون المنطقة الآمنة التي قد تناقشها الولايات المتحدة لاحقاً أفضل الأسوأ لكلا الطرفين.

لم تنجح تركيا في السيطرة على تل رفعت التي تتمركز فيها وحدات حماية الشعب، والتي تحظى بحماية روسيّة تجعل منها ورقة ضامنة في مواجهة تركيا، على الرغم من تسهيل روسيا مهمّة الأخيرة في السيطرة على عفرين، كما لم تنجح تركيا في التمدّد صوب منبج والسيطرة عليها. أما في شرق الفرات، فإن تركيا ترى في تل أبيض التي تتحشّد القوات التركية على مقربة منها، بأنها تمثّل الكعكة القابلة للاقتسام، وأنها تصلح منطلقا لمنطقة آمنة تحت سيطرتها، وتكون قابلة للتوسعة، أي تكون شبيهة بمناطق “درع الفرات”، تُعيد إليها ومن خلالها بعضاً من اللاجئين السوريين.

من الصعوبة بمكان حصول حرب في هذه الأثناء، على الرغم من حجم الحشود العسكرية التركية أخيرا، وعلى الرغم من الجدية التي تبديها “قسد” التي اجتمع قائدها العام أخيرا مع قائد القيادة الأميركية الوسطى، كينيث ماكينزي، والسفير الأميركي وليام روباك، لبحث التهديدات التركية أخيرا. ولعل ما يصعّب توقع اندلاع حرب، أو حتى مواجهات عسكرية، هو جملة من المعطيات، يمكن تكثيفها بالقول إن العلاقة الأميركية التركية ليست على ما يرام، كما لا يمكن لتركيا أن تشنّ عملية عسكرية مفتوحة بلا مبررات فعلية وحرب لا يمكن التكهن بمآلاتها وارتداداتها على الداخل التركي، وخصوصا أن حرباً كهذه لن تكون لأجل حشر “قسد” في الزاوية، بقدر ما ستكون حرب وجود هذه المرّة، كما أن من شأن الحرب أن تضرّ بالمصالح الأميركية المباشرة في سورية، وهذه هي “عقدة المنشار” الفعلية.

ربما تسعى أنقرة إلى تحريك ورقة شرق الفرات، لتشتيت انتباه واشنطن، وإرجاء العقوبات الأميركية المتصلة بصفقة الصواريخ الروسية، وربما تكون التهديدات التركية لأجل تسليط الضوء على ملف المنطقة الآمنة الذي خفت وهجه. وعليه، لا تعني الحشود والتهديدات التركية حصول حربٍ وشيكة. وفي مطلق الأحوال، سيكون القول الفصل أميركياً، فالمسألة في جوهرها لم تعد تركية أو كردية فحسب، بل هي أميركية أيضاً.

 

نقلا عن العربي الجديد

التعليقات مغلقة.