هل تحتل إسرائيل ريف دمشق؟ / محمود الزيبق

28
349
علم الثورة السورية على معبر القنيطرة (1سبتمبر/2014/أ.ف.ب) –

 

 

 

 

 

 

 

 

 

“يضع تهديد الإسلام المتطرف دولة إسرائيل، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، في جبهة القتال العالمي. عمل صحيح، عسكري وسياسي، سيسمح لإسرائيل، إلى جانب التهديدات المركّبة، بفرص مهمة أيضاً، من المهم أن نعرف كيف نستغلها”. بهذه الكلمات، اختتم قائد سلاح البحرية الإسرائيلية السابق، اللواء أليعازر مروم، مقالاً نشره في صحيفة معاريف عمّا يجري في الجولان. وليس صعباً تصوّر الفرص التي قد تطمح إليها إسرائيل في الجولان وما حوله بعمل “عسكري وسياسي”.

ونتذكر أنه، في مطلع حملته الانتخابية التي فاز فيها برئاسة الحكومة الإسرائيلية، زار بنيامين نتنياهو هضبة الجولان المحتلة مع ابنه، وغرس فيها غرسة، ثم قال: “أحفاد ابني هذا سيأكلون من ثمار هذه الشجرة”. وكانت رسالة تفيد بأن إسرائيل لن تتراجع عن قرارها بضم الجولان. لا شيء قد يدعم قرارها هذا أكثر من احتلال أراضٍ جديدة، تكون مسرح التفاوض القادم، إن وجد، بدلاً من الجولان نفسه.

 

ظروف كثيرة تواتي ذلك، اليوم، وليس آخرها زوال القبعات الزرق من خط وقف إطلاق النار بين طرفي الجولان السوري والجزء المحتل منه، بعد انسحاب القوات الفلبينية، ووقوع قوات فيجي أسرى بيد جبهة النصرة التي سيطرت، مع مجموعات مقاتلة غيرها، على بعض أسلحة هذه القوات الدولية. ويبدو واضحاً أن جبهة النصرة قد تورطت في شيء لا تعي أي عواقب قد تُبنى عليه. ولكن، مَن أوصل “النصرة” إلى معبر القنيطرة مع الجانب الإسرائيلي المحتل؟

“النظام الذي أتقن اللعب على وتر الأقليات، لا يفتأ عن التلويح للدروز بخطر الإبادة، ما لم ينخرطوا في معركته ضد مسلحي المعارضة.

 

قد يجيب على ذلك عنوان وضعته قناة سما التلفزيونية، شبه الرسمية السورية، بشأن ما جرى، نصه: “هل تعلم أن الجيش السوري سلّم معبر القنيطرة، ليعلم الرأي العام من هم الثوار”. هذا الحديث شبه الرسمي السوري عن تسليم متعمّد لمعبر القنيطرة للثوار يمكن أن يُربط مع ما نشرته قناة المنار، التابعة لحزب الله، على موقعها الإلكتروني، بعنوان: “إسرائيل في الميدان السوري.. شريط حدودي حتى ريف دمشق”. وهو مقال نقل عمّن وصفها مصادر أمنية في محور المقاومة معلومات عن نيةٍ جديةٍ لدى إسرائيل لاحتلال ما سمّاه شريط القرى الدرزية، الممتدة إلى ريف دمشق. وعلى الرغم من اختلاط معلوماتٍ كثيرة في المقال، إلا أن الأبرز فيه النقل عن النائب في الليكود الإسرائيلي، أيوب قرة، في صحيفة معاريف: “أبناء الطائفة الدرزية في هضبة الجولان عبّروا عن قلقهم من المعارك الدائرة خلف الحدود، وطالبوا إسرائيل بضم قرية حضر التي يسكنها دروز سوريون إلى سلطتها، خوفاً على حياتهم، وفي حال لم تضم إسرائيل هذه القرية إلى سلطتها، فإن جريمة ستقع بحق الدروز”.

 

على الرغم من مواقف عروبية معروفة للموحدين الدروز، يبدو هذا النقل عنهم غير مستغرب أمام خطر وجودي يهددهم به النظام الذي أتقن اللعب على وتر الأقليات ولا يفتأ عن التلويح للدروز بخطر الإبادة ما لم ينخرطوا في معركته ضد مسلحي المعارضة، متنوعة الطيف، التي لا يمكن السيطرة على فصائل كثيرة فيها، وفيهم، من دون شك، مَن قد يخطر بباله أن يفعل بالدروز ما فعل بالأيزيديين في العراق.

 

ولا يمكن، أيضاً، أن نفهم هذه التصريحات بمعزلٍ عن التطورات الأخيرة في السويداء، والتي أودت بحياة شيوخ من الطائفة الدرزية، في معارك مع البدو المدعومين من فصائل للمعارضة، واتهم كثيرون من أبناء الطائفة استخبارات النظام بافتعال هذه الاشتباكات والتحضير لها.

 

ومَن يعرف سياسة النظام السوري المركزية يعلم، تماماً، أن رسائله السياسية تنشر في مواقع حليفة له، مثل المنار أو مواقع شبه رسمية، فيما لا تجد على وسائله الرسمية تصريحاً مفيداً ذا معنى، إلا ما ندر. أما الفهم الأعمق لهذه الرسائل، فيشرحه التاريخ. وهنا، تحضر شهادة وزير الصحة السوري الأسبق، الدكتور عبد الرحمن الأكتع، عن سقوط الجولان. يقول إنه سمع خبر سقوط الجولان عام 1967 من الإذاعة السورية، بينما كان يتفقّد مشافيها، ثم يسرد أنه اتصل بوزير الدفاع في حينه، حافظ الأسد، ليسأله عن الخبر الخاطئ، ليرد عليه الأسد بوابل من الشتائم، وبعدم التدخل بما لا يعنيه. ويشرح باتريك سيل، في كتابه عن حياة صديقه المقرّب، حافظ الأسد، (ألّفه بناءً على مقابلاته معه)، سلوكه ذاك، ورفضه تأمين التغطية الجوية للدبابات السورية التي دمر معظمها عام 1970 عقب أحداث أيلول الأسود، بأن الأسد كان مهتماً في ذلك الوقت بتثبيت حكم “الأقلية العلوية” داخلياً، وأن الوقت، في نظره، كان غير مناسب لمعارك خارجية. وتتّفق قراءة سيل هذه مع ما أعلنه نظام “البعث” عقب هزيمة يونيو/ حزيران 67، من أن أهداف الحرب الإسرائيلية كانت إسقاط النظام البعثي، وليس احتلال الجولان، ولذلك، فشلت إسرائيل في أهدافها.

 

في أواخر التسعينات، تنازل الأسد الأب عن قطعة أخرى من البلاد، هي لواء اسكندرون، وسلّم زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، لتركيا التي حشدت جيوشها على حدود سورية، وهددت نظامه آنذاك. كذلك، قدم الأسد الابن، بحسب نائبه فاروق الشرع، معلومات أمنية كثيرة عن المقاتلين الأجانب، للولايات المتحدة، عقب احتلالها العراق، لضمان أن لا تشمل حملة جورج بوش الابن، يومها، إسقاط نظام الأسد، كما أسقطت نظام صدام حسين.

 

استناداً إلى هذه المعطيات التاريخية، قد يبدو حديث قناتي المنار وسما التلفزيونيتين عمّا يجري في القنيطرة مرادفاً ومشابهاً بقوة لما سمعه عبد الرحمن الأكتع من الإذاعة السورية. تصريحات إعلامية يبقى “البعث” بسببها حاكماً، وإن انتهت تبعاتها إلى سقوط قطعة جديدة من البلاد تحت الاحتلال، تصل حدودها، هذه المرة، إلى ريف دمشق.

عن العربي الجديد

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.