الأكراد… فوبيا أيضاً وأيضاً
شيرزاد اليزيدي
في سياق نشرها تهنئة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس إقليم كردستان المُنتخب حديثاً نيجيرفان بارزاني، الذي من المقرر أن يؤدي القسم الدستوري في العاشر من الشهر الجاري، عنونت و”كالة الأناضول” التركية للأنباء خبرها كالآتي: “أردوغان يهنئ رئيس إقليم شمال العراق”. في تأكيد متجدد على رسوخ ظاهرة الكرد كفوبيا مُتحكمة في السياسة في تركيا ومُهيمنة على العقلية المؤسسة للجمهورية التركية، لتصل تلك الفوبيا إلى ذروتها في طورها الأردوغاني.
فعلى رغم تحول إقليم كردستان العراق وبعد تضحيات جسام إلى واقع دستوري وقانوني عراقي ودولي، وامتداد هذه التجربة الديموقراطية على مدى نحو ثلاثة عقود، وقوننتها دستورياً في عراق ما بعد “البعث” منذ ما يقارب العقد ونصف العقد، وعلى رغم اضطرار تركيا ذاتها إلى الرضوخ لهذا الأمر الواقع والتعامل معه بعد طول مُعاداة ومُعاندة، نظراً لعدم إمكان تغيير الجغرافيا وفق الهذيانات والعُقد القوموية الفاشية المُسيطرة على الفكر السلطوي التركي والمُسيرة له على اختلاف طبعاته، فإن كردستان حقيقة على الأرض، والتعاطي معها يفرض نفسه كأمر بديهي إقليمياً ودولياً. ولا شك في أن أنقرة جنت من انفتاحها البراغماتي على الإقليم الكردي العراقي أرباحاً ومكاسب جمة، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وحتى لجهة تخفيف غلوائها وتحسسها من مُجرد ذكر اسم الأكراد أو كردستان. لكن مع ذلك، تطغى لُغة الاستعلاء الناجمة من تلاقح الموروث الكمالي الفاشي – القومي مع النسق الإسلاموي وخطاب العنجهية الأردوغاني، ملقية بظلالهما على مقاربات أنقرة وسياساتها الكردية. فالصفة الرسمية هي رئيس إقليم كردستان العراق، وهي مُقرة ومُعتمدة في صلب الدستور العراقي، ما يجعل المواقف التركية المثيرة للضحك، تندرج في سياق النفاق والمزايدة والانفصال عن الواقع على قاعدة “ملكي أكثر من الملك”. فالعراقيون أنفسهم، بعربهم وكردهم وغيرهم، ارتضوا في ما بينهم وتوافقوا مع بعضهم البعض على الحل الفيديرالي الديموقراطي للقضية الكردية. لكن على رغم ذلك، ترفض تركيا مجرد التلفظ باسم كردستان. وهي تصرّ حتى في البيانات والمُكاتبات الرسمية، على تجاهل التوصيف الرسمي للإقليم، المُعتمد في الدولة العراقية بوصفه كياناً كامل الأهلية الدستورية والقانونية، عبر نعته بـ “إقليم شمال العراق”.
هنا تكمُن فداحة الأمر الذي يؤشر إلى تجذر النزعة الاستئصالية والاجتثاثية التركية حيال شعب يقدر عديده بعشرات الملايين في الدول الأربعة التي تتقاسم كردستان. والأنكى من ذلك أن أنقرة لا تكتفي برفض الحلول الديموقراطية العادلة للقضية الكردية في تركيا فقط، بل ينسحب موقفها الرافض هذا، على القضية الكردية في باقي الدول المُجاورة. وليس مُناصبة أنقرة العداء لأكراد سورية وتأليبها الجماعات الإرهابية عليهم كـ “جبهة النصرة” وما يسمى “الجيش الحر” و”داعش”، واحتلال الجيش التركي بمعية تلك الجماعات مناطق واسعة من أراضيهم ومناطقهم وفي مقدمها عفرين، سوى خير شاهد على نواياها، فضلاً عن ذاك الإصرار العُصابي على تجاهل المُسمى الدستوري المعمول به عراقياً وعالمياً لإقليم كردستان والذي يجعل تركيا تبدو كمن يحاول حجب الشمس بغربال.
والحال هذه، نقف إزاء منظومة وعي فاشي متكاملة، قوامها الكراهية والحقد والنبذ ومعاداة البشر الآخرين على خلفية انتماءاتهم القومية. وهو ما تعكسه محاولة نفي الكرد وموطنهم كردستان بالمُطلق وفق تفكير مريض. وعبر الإيغال في خيالات العظمة والسؤدد القوميين المُنتفخين، المبنيين على اختيار عدو وجودي وسرمدي لا مناص من نفيه المُبرم والتام، لتكتمل نشوة تحقق الذات القومية النرجسية الغارقة في أوهام فرادتها وتفوقها على الغير، من دون تحكيم عقل ولا منطق ولا سياسة.
نقلا عن صحيفة الحياة
التعليقات مغلقة.