الأكراد و«داعش» ما بعد الباغوز

124

خورشيد دلي

ثمة إجماع على أن سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) على الباغوز، آخر جيوب «داعش» في شرقي الفرات، لا تعني نهاية التنظيم، فالأخير ما زال يمتلك قدرات تنظيمية واستخبارية ولوجسيتية وحاضنة شعبية، وهو ما يعني انتقال عناصره إلى العمل السري في شكل خلايا نائمة، تقوم بعمليات اغتيال وتفجيرات كلما سنحت الفرصة، فضلاً عن إمكان ظهور التنظيم باسم جديد هنا أو هناك. هذا التحدي يتطلب الكثير من العمل الثقافي والأمني والاجتماعي ويفرض على «قسد»، لاسيما وحدات حماية الشعب الكردية، انتهاج استراتيجية جديدة في مرحلة ما بعد القضاء على دولة الخلافة، خاصة في ظل محاولات بعض الأطراف والجهات الإقليمية، لاسيما تركيا، إشعال فتنة بين الأكراد والعرب شرقي الفرات، بعد أن حارب الطرفان معاً «داعش» وألحقا شر الهزيمة به.

بعيداً من أولوية محاربة خلايا «داعش» النائمة شرقي الفرات، ثمة تحديات تطرح نفسها على «قسد»، في مقدمها تداعيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سورية، إذ يتوقف على تنفيذ القرار أو عدمه، سقف التطلعات وطبيعة الشعارات، وبالتالي الخيارات التي رفعتها «قسد» طوال المرحلة الماضية. وعليه، فإن الجهد الأساسي لـ «قسد» ينصب على إمكان إبقاء هذه القوات أو حتى قسم منها، بل تأمين مشاركة أوروبية فاعلة في القوات التي ستخصص لإدارة المنطقة الآمنة التي دعا إليها ترامب، إن تمت إقامتها بالفعل.

التحدي الآخر، والذي لا يقل أهمية، هو كيفية التعامل مع تهديدات النظام السوري باستعادة السيطرة على شرقي الفرات بالقوة ما لم يتم تسليمها له بالتفاوض، والخطورة في هذا الجانب، أن هذه التهديدات قد تصبح واقعاً على الأرض، في ظل الضغوط الأميركية على «قسد» لعدم التحاور مع النظام من جهة، ومن جهة ثانية في ظل تصويب النظام وإيران وروسيا وحتى تركيا على الوجود الأميركي في هذه المنطقة الحساسة والحيوية، وهو ما قد يجعل من الأكراد ضحية للصراعات الدولية والإقليمية على الساحة السورية، وهنا يبدو الأكراد وكأنهم بين مجموعة من النيران الزاحفة، في وقت لا يجدون سوى الحليف الأميركي الذي يشتري كل شيء في سوق السياسة، ويبيعه في الوقت نفس إن اقتضت مصلحته.

التحدي الثالث الذي تواجهه «قسد» يتعلق بالجار التركي الذي يصر على تصنيف «قسد» ووحدات الحماية الشعب الكردية في خانة الإرهاب، بوصفها قوات تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال قنديل معقلاً له، ومع أن «قسد» تحدثت أكثر من مرة عن استعدادها للانفتاح على تركيا إلا أن الأخيرة ترفض، وتصر على التلويح بالخيار العسكري وأمام هذا الواقع لا تجد «قسد» أمامها سوى رفع شعار مواجهة تركيا في شمال سورية، لاسيما أن تجربة احتلال عفرين عمقت من حجم العداء بينهما، ودفعت بالأكراد إلى الاستعداد لخيار مواجهات أخرى في ظل التهديد التركي المستمر للقيام بعمليات عسكرية مماثلة في منبج وشرقي الفرات لطرد القوات الكردية منها.

هذه التحديات الماثلة أمام الكرد في مرحلة ما بعد الباغوز، تجعل من الخيار السياسي، على رغم صعوبته في ظل حجم الرفض للمطالب الكردية، عنوانا للمرحلة المقبلة، والصعوبة هنا، تكمن في كيفية التوفيق بين هذه المحاور من جهة، ومن جهة ثانية، في القدرة على اختراق حجم الرفض المحلي والإقليمي لمطالب الأكراد.. فهل ينجحون في السياسة هذه المرة؟

 

نقلا عن الحياة

التعليقات مغلقة.