الاستراتيجيّة الشاملة لدحر «الدولة الإسلاميّة» ومحوريّة الدور الأميركي

28

54258493753150104

 

 

 

 

 

 

 

لن يكون من السهل الحديث عن وضع استراتيجية شاملة وناجحة لشن حرب مدمرة ضد «داعش» في العراق وسوريا، واسقاط مشروعها لاقامة «الخلافة الاسلامية» في مناطق واسعة من البلدين، قبل نهاية النقاش السياسي والتقييم العسكري والاستخباري الذي يجري في الولايات المتحدة. يبقى الخيار السياسي والاستراتيجي الذي يمكن ان تعتمده واشنطن بيد الرئيس باراك اوباما شخصيا، فهو الذي يقرر الاهداف الاميركية من هذه الحرب «الجديدة» ضد الارهاب، وهو بالتالي السلطة الوحيدة القادرة على تحديد الاهداف والاسس اللازمة لوضع الاستراتيجية الشاملة لمواجهة هذا التهديد الكبير لامن منطقة الشرق الاوسط والغرب على حد سواء.
قبل التساؤل عن مدى قابلية الرئيس اوباما لتغيير استراتيجيته الراهنة تجاه الشرق الاوسط، والتي يمكن توصيفها بسياسة «نفض اليدين» فانه بحاجة لاجراء مباحثات مع الكونغرس من اجل الحصول على التأييد اللازم لاي خيار يتخذه، بالاضافة الى القيام باتصالات مع الدول الغربية والعربية وبعض الدول الاقليمية من اجل اقناعها للانضمام الى تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة للدخول في «حرب طويلة» وفق الرؤية التي عبر عنها اوباما مؤخرا. ويبدو من الاخبار الصادرة عن البيت الابيض بان الرئيس قد كلف وزيري الخارجية والدفاع جون كيري وتشاك هيغل بالاتصالات اللازمة مع الدول الشرق اوسطية، في الوقت الذي سيطرح فيه الامر نفسه على قمة حلف شمالي الاطلسي التي ستعقد في حصن «كرديف» في ويلز غرب انكلترا.
يمكن للرئيس اوباما ان يستفيد في دراسته لمختلف الخيارات الاستراتيجية لمواجهة الدولة الاسلامية في العراق وسوريا من الخبرات الكبيرة التي يمتلكها بعض المسؤولين الاميركيين السابقين في مجال مكافحة النشاطات الارهابية التي تقوم بها جماعات تكفيرية مثل «داعش». ومن ابرز هؤلاء الخبراء: جون الان، ريان كروكر، جاك كين، والجنرال دافيد باترويوس.
يعترف الرئيس الاميركي بان الحرب مع الدولة الاسلامية ستكون طويلة، وذلك انطلاقا من ضرورات عدم الاكتفاء باحتواء التنظيم عسكريا في المناطق العسكرية التي يحتلها في العراق وسوريا، بل العمل على تدميره والقضاء عليه، قبل تمدده الى دول اخرى في ظل التأييد الذي يتلقاه من مجموعات اسلامية متطرفة تعمل داخل عدد من الدول العربية والاسلامية، والحؤول دون تشكيل خلايا ارهابية في الدول الغربية من قبل مواطني هذه الدول العائدين من العراق وسوريا. تتطلب استراتيجية المواجهة الطويلة والشاملة ان تقودها اميركا وبشخص رئيسها، الذي عليه ان يظهر عن ارادة قوية في خوض هذه الحرب والانتصار فيها. وهذا الامر يرتدي ضرورة ملحة لتسويقه للشعب الاميركي واقناعه بان هذه الحرب لن تكون كالحروب التي خاضتها اميركا في عهد جورج دبليو بوش سواء لجهة اسبابها (غير المبررة) او لجهة اساءة استعمال الموارد العسكرية والمالية والنتائج المخيبة التي انتهت اليها.
يجب ان يدرك الشعب الاميركي وحلفاء اميركا في المنطقة وفي العالم بانه لا يمكن تجاهل او تأجيل المواجهة مع تنظيم «الدولة الاسلامية» وذلك انطلاقا من مجموعة من الحقائق والمخاطر الاتية:
– اولا: حولت «الدولة الاسلامية» في العراق وبلاد الشام الفكر التكفيري والجهادي الذي كانت تعتمده «القاعدة» الى تنظيم عسكري هرمي، يعمل الى تحقيق دولة الخلافة الاسلامية، بدءا من مناطق واسعة من العراق وسوريا، مع خطط واضحة لتوسيع هذه الخلافة باتجاه عدد من الدول المجاورة، وتظهر الحقائق على الارض الى وجود خطط وخلايا سرية جاهزة لمد نشاط «داعش» باتجاه لبنان والاردن وعدد من دول الخليج.
– ثانيا: نجح تنظيم «داعش» الارهابي، والذي يعتنق ايديولوجية القاعدة في السيطرة على مناطق واسعة في شمال العراق وسوريا وتحويلها «منطقة آمنة» يمكن الانطلاق منها لتوسيع رقعة نفوذه، والغاء الحدود القائمة بين الدول التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو والاتفاقيات والمعاهدات اللاحقة. وسيؤدي هذا التوسع الى تهديد السلام والاستقرار، والى تهديد السلام والامن الدوليين من خلال نشره للارهاب باتجاه مختلف القارات.
– ثالثا: يملك تنظيم «الدولة الاسلامية» قدرات مالية واسلحة وقوى بشرية لم يسبق ان توافرت لاي تنظيم ارهابي في الماضي. نجح تنظيم «داعش» من خلال سيطرته على آبار النفط والغاز في شمال العراق وسوريا، بالاضافة الى فرضه لضرائب على السكان في المناطق التي يحتلها وسرقته العديد من المصارف، والحصول على الفدية مقابل تحرير رهائن اخذها، بالاضافة الى المساعدات الخارجية التي يتلقاها من بعض دول الخليج، في جمع ثروة هائلة يمكن ان تدعم عملياته العسكرية لسنوات مقبلة، وان لدى التنظيم كميات كبيرة من السلاح والذخائر التي استولى عليها من القوات العراقية في الموصل والرقة، تعطيه القدرة على توسيع رقعة نفوذه وخوض غمار معارك فاصلة على المسرحين العراقي والسوري، وباتجاه لبنان ويبدو ان عدد المقاتلين المؤيدين للدولة الاسلامية قد تنامى بشكل كبير. كان التنظيم صغيرا قبل دخوله الى سوريا في عام 2013، وتنامت قدراته في سوريا مع انضمام آلاف الاجانب والسوريين الى صفوفه، حيث قدرت قوته ما بين 12 و14 الف مقاتل، لكن تتحدث الارقام الان وبعد حصول «مبايعات» عديدة للتنظيم في العراق وسوريا عن تنامي عدد مقاتليه ليبلغ 60 الفا.
– رابعا: يجب ان يدرك الشعب الاميركي والشعوب الاوروبية بان خطر الدولة الاسلامية لا يقتصر على العراق وسوريا والدول المجاورة، بل هو تهديد شامل للامن الاميركي والاوروبي، وللمصالح الحيوية التي يملكونها في الشرق الاوسط. ان تجاهل هذا الخطر او عدم مواجهته بالقوى الكافية وبقرار حاسم ستكون له نتائج وخيمة على الاستقرار والاقتصاد الدوليين. ان حجم التهديد الذي باتت تشكله الدولة الاسلامية بات يتطلب التهيئة لمواجهة عسكرية حقيقية، ولا يمكن ان تأتي مثل هذه المواجهة بالنتائج المرجوة، اذا اقتصرت على مواجهة تكتية محدودة على مسرح العمليات العراقي. لا بد من التعامل مع «داعش» عسكريا في العراق وسوريا في آن واحد، وعلى اساس مسرح عمليات موحد، خاضع لقيادة موحدة، وضمن رؤية سياسية مستقبلية قادرة على اعادة توحيد المجتمعين حول سلطة جامعة في كل من البلدين.
نركز على الدور الاميركي الاساسي في اية استراتيجية تهدف الى دحر «الدولة الاسلامية» وتفكيكها، وذلك نظرا الى الدور المحوري الذي تلعبه الولايات التحدة في أمن واستقرار المنطقة سواء على الصعيد السياسي او العسكري، ولانها الدولة الوحيدة القادرة على تشكيل تحالف دولي واقليمي واسع من اجل شن حرب مدمرة على الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، ومواجهة مخاطر انتشار الارهاب باتجاه مختلف القارات.
لكن محورية الدور الاميركي لا يعني على الاطلاق دفعها لخوض حرب جديدة على غرار الحرب التي خاضتها في العراق ما بين عامي 2003 و2011، بل هناك ضرورة لكي تدرك الدول العربية والاقليمية اهمية دورها ومشاركتها الاساسية في هذه الحرب وضمن استراتيجية شاملة، تتضمن الى جانب البعد العسكري البعدين الثقافي والمالي، بحيث يجري العمل على دحر الايديولوجية التكفيرية – الجهادية من جهة، وعلى تجفيف جميع مصادر التمويل التي تستفيد منها المنظمات الارهابية مثل «داعش» وغيرها من التنظيمات المتطرفة.
يشكل خطر الدولة الاسلامية تحديات كبيرة (سياسية وعسكرية وثقافية) للولايات المتحدة ولشركائها الدوليين والاقليميين، تتطلب هذه التحديات اجراء تغيير جذري في الاستراتيجيات الراهنة التي تعتمدها مختلف الدول المعنية بهذا الصراع، وان على القادة ان يدركوا مسؤولياتهم تجاه شعوبهم وتجاه التاريخ ، اذا ما قصروا في دحر الدولة الاسلامية ومحاولاتها لتغيير وجه الاسلام كدين والعروبة كحضارة والشرق الاوسط وتنوعه الديني والاتني.

نزار عبد القادر/ عن الديار اللبنانية

التعليقات مغلقة.