شرقي الفرات.. لغة الحرب مجدّداً

132

شورش درويش

مجدّداً، وفي شكلٍ لا يعرف الكَلل، عاود الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تهديده باجتياح مناطق شرقي الفرات في سورية الخاضعة لسلطة حزب الاتحاد الديمقراطي.

حشد الجيش التركي عديد قوّاته على مقربة من الحدود التركية السورية في نقاط محدّدة، وأزال الحواجز الكونكريتيّة من بعض المناطق، إيذاناً ببدء عمل عسكري على مقربة من تل أبيض وكوباني ورأس العين. إلى ذلك، عبّرت قيادات في الائتلاف المعارض والجيش الحر عن مدى حماستها لهذه الحرب التركية، هذه المسائل اللوجستية وسواها رفعت من مشاعر الخطر لدى “قوات سوريا الديمقراطية” التي تعلّمت من درس عفرين أن تقلق، وتأخذ الوعيد التركي على محمل الجد، على الرغم من أن قوات التحالف أبدت، عبر تصريحاتها التي أعقبت تهديدات الرئيس التركي، أن مهمّة قوّات التحالف الدولي مستمّرة، وعلى الرغم من تشييد خمس نقاط مراقبة حدودية لقوات التحالف، بغية طمأنة تركيا والحؤول دون تفجّر الأوضاع في المناطق الحدودية.

تساور الشكوك القوات الكردية، وعلى نحوٍ أشمل المجتمع الكردي السوري، حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحتفظ بالعلاقة المتينة التي نُسجت من المصلحة المشتركة في محاربة “داعش”، لا سيما بعد تحييد التنظيم في آخر معاقله في ناحية هَجين السورية، لتبقى الشكوك الكردية قائمةً، على الرغم من أن الولايات المتحدة قد وسّعت أسباب بقائها في سورية من

 خلال ربط بقاء قوّاتها بمسألتي خروج الإيرانيين من سورية، والإشراف على شكل النظام السياسي المستقبلي في البلاد، غير أن المسألتين لا تمنحان القوات الكردية مساحة أمانٍ كافية، حيث ترى القوّات في محاربة إيران خطأً استراتيجياً فادحاً، وأن استخدامها في التضييق على الروس في شرق الفرات أمرٌ جالب للمتاعب، وربما يفوق قدراتها وإمكاناتها، إذ قد يؤدي الصراع الروسي الأميركي على سورية إلى بدء مرحلة جديدة من الصراع، والذي قد يكون على شكل مواجهة روسيّة كرديّة مكشوفة، انعكاسا لصراع الكبار، وهو بذلك الصراع الأوّل من نوعه، وهو الأخطر على مصير الأكراد السوريين.

ساهمت روسيا في “تسميم” الأجواء الأميركية التركية عبر التصريحات الروسية الرسمية المتكرّرة عن سعي الولايات المتحدة إلى تشكيل “كيان كردي مستقل” يهدّد وحدة الأراضي السورية، وإذا كانت روسيا تطمح إلى إخراج قوّات الأميركان من شرق الفرات عبر الضغوط التركية المتواصلة، وجب التذكير بالجانب الأميركي المقابل، إذ ثمّة ما يمكن أن نسمّيه “برودا” أميركيا في التعامل مع الغضب والاحتقان التركي المتواصل، ودائماً عبر نشر قوّات أميركية، وتسيير دوريات متنقّلة بقصد حماية الحدود، وتشييد نقاط مراقبة جديدة، الأمر الذي يدفع تركيا إلى رفع عقيرتها بالضد من هذه الإجراءات الأميركية التي تعتبرها أنقرة تحايلاً أميركياً على أسّ المشكلة، وهو قيام كيان برأس كردي جنوب حدودها.

قد تطمح تركيا إلى إيجاد بدائل عن الاجتياح المفتوح لكامل منطقة الجزيرة السورية، أو ما بات يعرف بشرق الفرات، كتقطيع أوصال تلك المنطقة، عبر احتلال بلدات وقرى محدّدة، تفضي 

إلى اختراق المنطقة الحدودية الممتدة من ديريك (المالكيّة) وصولاً إلى كوباني (عين العرب) الأمر الذي قد يفضي إلى توغّل تركي عميق صوب الجنوب أي إلى الرقة وريف دير الزور، لكن لمثل هذا التصوّر مخاطره على سلامة القوات الأميركية العاملة، وكذا قد يؤدي إلى خلخلة النسيج الاجتماعي الجديد الذي تحاول أميركا تطويره، ومن ثمّ البناء عليه. كما أنه، من نافلة القول التذكير بالأكلاف الزهيدة التي تكبّدتها الولايات المتحدة لأجل التمركز المريح شرقي الفرات. وعليه يمكن صياغة السؤال التالي: ما الذي قد يدفع الولايات المتحدة إلى تبديل سياساتها واستراتيجيتها شرق الفرات، وتفجير الأوضاع في منطقة باتت تَعرف الاستقرار النسبي قياساً بواقع مناطق سورية أخرى؟ في الغالب، قد لا تفرّط الولايات المتحدة بما تحقّق لها على الأرض، لأجل سيناريو آخر غامض ومريب، تطمح إليه تركيا، لكن ذلك لا يعني أن الأميركيين لن يبحثوا عن بدائل جدّية لامتصاص الغضب التركي المتنامي.

على أكراد سورية في هذه الغضون البحث عن حلول وبدائل فعّالة، تقيهم شرَّ تحقّق الكابوس الذي حاولوا، طوال الأعوام الماضية، مواراته، والمتمثّل بإمكانية حصول تحوّل في العلاقة التركية الأميركية يفضي إلى تقويض ما تمّ تشييده طوال السنوات السابقة. وعليه، قد تكون خيارات الأكراد ضيّقة للغاية، كخيار الاستنجاد بدمشق أو محاولة استبدال شراكة الأميركان بأخرى مع الإيرانيين على سبيل المثال، أو خيار الخوض في صراعات إقليمية عدمية.

ربّما يتوجّب على الولايات المتحدة (والوجوب هنا مثير للشجن، ذلك أنه عاطفي للغاية) أن يبحثوا لشركاء مرحلة الإجهاز على “داعش”، وتوطيد الوجود الأميركي في سورية بأقل الأكلاف، عن حلٍّ يحمي الوجود الكردي، وجزءاً مما تحصّلوا عليه. قد يكون قول كهذا حالماً، في ظل فهم عمق المصالح الدولية والإقليمية، ودرجة تفاهمات الدول الكبرى، غير أنه يبقى المطلب الكردي الأمثل في مثل هذه الظروف حالكة السواد.

 

عن العربي الجديد

التعليقات مغلقة.