الصّلف الأردوغاني وتوقيت المكافأة الأمريكية

128

جوان فرسو

أجرت قوات التحالف مع شريكتها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” دورياتٍ مشتركة على طول الحدود السورية التركية كرسالة تطمين حول نية الولايات المتحدة إبقاء نفوذها في شمال شرق سوريا، وعدم ترك الكرد يواجهون صلف حكومة أردوغان وعنجهية آلة الحرب التركية وحدهم دون سند.

لا سيما أن “قسد” كانت قد أعلنت في وقت سابق تعليق عملياتها العسكرية ضد داعش مع تنامي التهديدات التركية لشرق الفرات منذ بداية إعلان أردوغان خلال مراسم تخريج دفعة من العسكريين في ولاية إسبارطة جنوب غربي البلاد شهر أكتوبر الماضي عن عزم بلاده على تطهير شرقي الفرات في سوريا من “الإرهابيين”، على غرار ما أنجز في عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”. على حدّ تعبيره.

الخطوة التي أقدمت عليها “قسد” رفعت من وتيرة التوتر، ومع وجود مستشارين أمريكيين في المنطقة لديهم اتصالات واسعة مع جانبي الصراع الأساسيين التركي والكردي، كان لا بد من التدخُّل من أجل خلق استقرار تقتضيه ضرورة إبقاء الولايات المتحدة علاقاتها مستقرة مع نظيرتها التركية ومع الحلفاء الكرد.

دوريات مشتركة لقوات التحالف وتركيا على خط الحدود بين منبج وتركيا، ورسائلٌ سياسيّة متبادلة يستخدم فيها الطرفان العديد من الأوراق ومن بينها الكرد أنفسهم من أجل تفعيل صفقات إقليمية تبدأ بالنفط ولا تنتهي بالسلاح؛ هذه الرسائل المتبادلة هي التي دفعت الحكومة التركية إلى أن تستقبل بتحفُّظٍ لافت للعيان تخصيص الولايات المتحدة الأمريكية مكافآت لمن يساهم في تقديم معلومات تقود إلى القبض على ثلاثة من كبار قادة حزب العمال الكردستاني، المُصنَّف “إرهابياً” لدى تركيا والولايات المتحدة.

الرسالة الأمريكية وصلت كتطمين لبعض النقاد السياسيين الكرد أنفسهم حول نيّة الولايات المتحدة الأمريكية تبرئة ساحة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في روجآفا سوريا من كونه تابعاً للحزب الأم (العمال الكردستاني) وبالتالي العمل على تعزيز إشراكه في مؤتمرات حل الأزمة السورية، ودفعه إلى الأمام في واجهة المفاوضات الدولية والإقليمية حول سوريا.. لكن أنقرة أعلنت رسمياً وعلى لسان الناطق باسم الرئاسة إبراهيم قالين، أن قرار أميركا “لن يخدعها”، وأن العبرة تكمن في طريقة تعاملها مع “امتدادات الحزب” التي تحمل السلاح الذي تحصل عليه من واشنطن في مواجهة تركيا.

أرسلت الولايات المتحدة مؤخراً العديد من الرسائل السياسية والعسكرية إلى حلفائها وخصومها في المنطقة، لعل من أبرز الرسائل هي أن مناطق نفوذها في شمال شرق البلاد هو خط أحمر، لكن في المقابل فإن إبقاء العلاقات مستقرة مع حكومة أردوغان بدا توجهاً واضحاً لترامب من خلال المكافأة الأخيرة والتي تلقتها أنقرة بتحفُّظٍ رغم الترحيب المبدئي.

الإعلان الأمريكي جاء عن طريق السفارة الأمريكية بأنقرة عبر حسابها على تويتر عن رصد مكافآت بقيمة 12 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض على ثلاثة من قياديي حزب العمال الكردستاني، وهم: أحد مؤسسي الحزب وقائد ذراعه العسكري مراد قرايلان، جميل بايق العضو في اللجنة التنفيذية للحزب ودوران كالكان القيادي فيه.

لا بد من الإشارة إلى أن النفوذ التركي داخل السفارة الأمريكية ربُّما قد لعب دوراً دبلوماسياً في استصدار هذا القرار، ولا سيما أن القياديين المطلوبين هم من الجنسية التركية، وهو ما يظهر النية الأمريكية في محاولة لفصلٍ إعلاميٍّ بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني كفاتحة مفاوضات في جوانب أخرى كما ذكرنا سابقاً..

تتمحور عملية تبادل الرسائل بين تركيا والولايات المتحدة حول تطورين أساسيين: الأول هو الصراع مع داعش؛ حيث تعول الولايات المتحدة على “قسد” في ضمان استقرار الشمال السوري وكبح جماح الإرهابيين المدعومين من الجانب التركي بهدف كبح جماح الطموح الكردي، ومن إحدى تداعيات  هذا التطور هي إعلان “قسد” استئناف عملياتها العسكرية ضد داعش بعد عشرة أيام من تعليق العمليات، بعد تدخُّل قوات التحالف وتهدئة الأوضاع على الحدود مع تركيا، والتي كانت قد شهدت تبادل لإطلاق النيران، مقتل طفلة، وجرح صحفيين اثنين، إضافة إلى حوادث متقطِّعة أخرى.

التطور الثاني هو تنامي نفوذ “قسد” في غربي الفرات، وتهديد المصالح التركية في منبج وضواحيها مع هدوء التوترات بين مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” والنظام السوري، والحديث عن مباحثاتٍ جديّة في دمشق، هذا بالتزامن مع سوء الأخبار الواردة من عفرين وتحمُّل الحكومة التركية لانتهاكات حقوق الإنسان، وعمليات النهب والسلب والخطف التي تقوم بها الجماعات المدعومة من تركيا بحق السكُّان الكرد، ومشاريع الاستيطان والتغيير الديمغرافي.

سوف تستمر كل أطراف الصراع بإرسال رسائل سياسية وعسكرية الهدف منها تحقيق المزيد من المكاسب، وخاصة في المناطق المتاخمة للحدود التركية، حيث توفر المخابرات التركية حوافز ماليّة للمتطوعين من أفراد المعارضة السورية المسلحة المتحمسين لقتال الكرد، والذين بدأوا بالفعل بتسجيل أسمائهم في المدن المقابلة لمدينتيْ تل أبيض ورأس العين الكرديتين من الجانب التركي، وبلغ عدد المسجلين حتى الآن ألفي شخص يرغبون بقتال الكرد على غرار ما حصل في عفرين.. في مقابل ذلك تنشط “مسد” دبلوماسياً، من خلال تقوية العلاقات العسكرية والدبلوماسية ورفع سوية المحادثات مع الولايات المتحدة، والسعي لكسب التأييد العسكري الفرنسي حيث أن هناك أنباء غير مؤكدة حول دعم عسكري فرنسي قد وصل بالفعل لـ”قسد”، كذلك اللعب على الجانب الروسي والإيراني من خلال فتح محتمل لباب المباحثات الداخلية مع النظام السوري.

لا يمكن تماماً التنبؤ بما ستؤول إليه الأحداث في الأيام القليلة القادمة رغم تخوف جانب من الشارع الكردي من تكرار سيناريو عفرين، وثقة جانب آخر بهيبة الولايات المتحدة الكفيلة بالتصدي لأي عدوان تركي معوّلين على وجود القواعد العسكرية في مناطق متفرقة متاخمة للحدود التركية..لكن ما يمكن فقط التنبؤ به هو؟!.

نشر هذا المقال في العدد /85/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/11/2018

 

التعليقات مغلقة.