“نحن لا نبيع ثوارنا”
شيرزاد اليزيدي
أتى الرد الكردي على قرار واشنطن _الذي نحن بصدده الآن_ بجملة بسيطة كانت عميقة المعنى من خلال إحدى اللوحات الضوئية المنصوبة في أحد الأماكن العامة وسط مدينة السليمانية في باشور (كردستان العراق) والمكتوب عليها “نحنُ لا نبيعُ ثوارَنا”
بحسب التفكير الرغبوي والتحليل بالتمني، قرار واشنطن رصد مكافآت مالية ضخمة لمن يدلي بمعلومات عن أماكن تواجد كبار قادة منظومة المجتمع الكردستاني وحزب العمال الكردستاني (مراد قره يلان وجميل بايك ودوران كالكان) كمطلوبين لديها؛ جاء ليقابل في الأوساط الكردية بالسّخط والإدانة بطبيعة الحال.
لكن مع شيوع تفسيرات قاصرة مفادها التقليل من أهمية القرار وتصويره كمجرد جائزة ترضيّة معنويّة لأنقرة ورغم ما قد ينطوي عليه ذلك من صحّة جزئيا، هذا لا ينفي خطورة القرار وإساءته لمجمل النضال التحرري الديمقراطي للكرد على حساب محاباة ومغازلة دولة عنصريّة فاشية مغرقة في رعاية الاٍرهاب وتسمينه والاستثمار فيه على ما نلاحظ بشكل ساطع في روجآفا (كردستان سورية).
“أنقرة” التي لعبت دور عرّاب الحركات الإرهابية الطافية على سطح مستنقعات “الربيع العربي” الآسنة وعلى رأسها داعش والنصرة وفصائل الائتلاف ومجلس الأنكسي؛ تكافئ وتجزل العطايا عليها يا للمفارقة من قبل زعيمة التحالف الدولي ضد الاٍرهاب، فمن عفرين التي بيعت لتركيا بمصادقةٍ وختمٍ أميركييْن لا تخطئهما عينٌ إلى منبج التي باتت مجنزرات أردوغان على بابها وفق الاتفاق المشبوه بين “واشنطن وأنقرة” وأحد أهدافه كان دعم حملة اردوغان الانتخابية الأخيرة، فضلا عن إضفاء الشرعية على الاحتلال والوجود التركييْن في مناطق روجآفا ( كردستان سورية ) وعموم الشّمال السوري إلى الهجمات والاعتداءات التركية المتمادية على كوباني والجزيرة والمتواصلة منذ أسابيع، والتمهيد لحملات أوسع هي كـ “جس نبض” لردّ فعل التحالف الدولي الذي ليس سرا أن موقفه اتسم بالبهاتة والميوعة.. وهذا بحثٌ آخر ليس هنا مضماره، لكن ترافق هذا التصعيد التركي مع صدور القرار الأميركي ضد القادة الثلاث مؤشِّر إلى التمادي في الرضوخ والتنازل الأميركيين للحليف التركي المتورط حتى النخاع في إشاعة الاٍرهاب وتسمينه وتعميمه.
فمبادرة واشنطن إلى العزف على وتر سياسات الحرب والإبادة التي تنتهجها سلطة أردوغان، بدلا من تكثيف الضغوط عليها لوقف رعايتها الاٍرهاب ووقف سعارها بحق الكرد ليس فقط في تركيا وإنما في عموم بلدان المنطقة المقتسمة لكردستان والعمل على تهيئة أرضية إطلاق عملية سلام جادة على صعيد حل القضية الكردية في تركيا وبما هي أساس وجذر القضايا الديمقراطية العالقة في البلاد. مما تشجع الأخيرة وتعطيها زخم الايغال في ممارسة سياسات إرهاب الدولة والتوسع والاحتلال.
وهكذا تتوالى المواقف الأميركية الرخوة حيال استفحال التغوُّل الأردوغاني المترافقة مع غياب سياسات أميركية واضحة ومتناغمة سيّما في سورية ولجهة لجم التمدد والاحتلال التركيين في المناطق الشمالية من سورية؛ خاصة في مناطق روجآفا وفي مقدمها عفرين المحتلة التي غدت حقل تجارب لتمارس فيه الفاشية “الأردوغانية القومودينية” كل ما يخطر في بالها ومخيالها المريض من ممارسات إبادة وتطهير عرقي وتغيير ديمغرافي وسط صمت واشنطن المطبَّق الذي لم يقتصر على عفرين، بل أمتد إلى قصف كوباني وكري سبي وعدد من مدن الجزيرة الحدودية، اللهم إلا إذا اعتبرنا _ويا للسخرية_ الأربع خمس عربات همر الأميركية في “مشاوريها” وجولاتها الشبه ترفيهية لجنودها في بعض تلك المناطق المستهدفة بالقصف الهمجي والعشوائي التركي بمثابة ردٍّ وصد لعدوان أنقرة .
أتى الرد الكردي على قرار واشنطن _الذي نحن بصدده الآن_ بجملة بسيطة كانت عميقة المعنى من خلال إحدى اللوحات الضوئية المنصوبة في أحد الأماكن العامة وسط مدينة السليمانية في باشور (كردستان العراق) والمكتوب عليها “نحنُ لا نبيعُ ثوارَنا” والذي يجب أن يُستتبع ولا ريب مراجعات كردستانية لطبيعة العلاقة مع واشنطن وآفاقها، سيما مع هذا القرار الصادر على وقع تبلور ملامح تواطئ أميركي مع تركيا؛ فيما يتعلق بتهديدات أنقرة التي دخلت إلى حدّ ما طور التطبيق العملي لإعادة تكرار سيناريو عفرين في بقية مناطق روجآفا أو شرق الفرات وشمال شرق سوريا، حسب التقليعة والموضة الدارجتين هذه الأيام واللتان لا تأخذان في الاعتبار أيّة حساسيةٍ كرديّة من هذا الايغال في محاولات تعريب تجربة روجآفا ونزع الدّسم الكردي عنها؛ لتغدو بلا طعمٍ ولا لونٍ ولا رائحةٍ. شأنُها شأن لبن الزبادي المنزوع الدّسم والذي عبارة عن فتات هلامي بلا قوام وبلا تمازج يسبح في مصل لبن منزوع الروح والهوية والعبق والنكهة.
نشر هذا المقال في العدد /85/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/11/2018
التعليقات مغلقة.