الإعلام الكُردي المتأرجح بين الخاص والحزبي
شفان إبراهيم
ومع زيادة انتشار ظاهرة مروجي وبائعي مقاطع الفيديو خاصة للجبهات العسكرية والمعارك في المناطق الكُردية وغيرها، فإن شرعية وأخلاقية المهنة والاستغناء عن حقوق الملكية تُضع على المِحك لهؤلاء القانعين بعدم ورود أسمائهم أو التعبير عن المشاهد.
يمتلك الكُرد في سوريا إعلام خاص بهيمنة حزبية، مع ركاكة اللغة لقسم كبير منها، ومزاجية التعامل مع الأحداث والوقائع بحسب القوانين الخاصة، سواء المفروضة أو الخاصة بما يسمى سياسات النشر الخاضعة للمد والجزر. مع غياب أي دور أو فعالية للصحافة الاستقصائية والتي غالباً ما تكون الحامل الجمعي للمشاكل المجتمعية وحلها. ما يجعل من مئات القضايا المجتمعية رهينة المزاجية في الحلول المطروحة.
أسّس الكُرد مواقع إلكترونية خاصة، لكنها تتبع سياسة نشر تُرضي جهة حزبية، أو مواقع خاصة بتمويل وتوجيه حزبي، أوغلت في قتامة المشهد والصورة الكُردية داخلياً، عبر تقارير تفتقد لأيّ مضمون أو رسائل ذات مغزى في تغذية أو تنمية حالة، أو ظاهرة كُردية. والزج بمئات التقارير في المواقع والوكالات ذات تسميات عملاقة براقة، دون أيّ مهنية أو احترافية، وغياب الاستقلالية في نشر المعلومة أو المادة الصحفية خشية من السلطات الحاكمة أو الأحزاب التي ينتمي إليها الكاتب الصحفي المشتغل في الإعلام الخاص. والاعتماد على النقل بطريقة العنعنة مع التحریف والتصحيف، والفشل الشديد للإدارات المشرفة عليه.
لم يستطع المجلس الوطني الكُردي استقطاب أو دعم أو حتى التعاون مع الصحفيين والإعلاميين، واكتفى ببعض المحاولات التي لا تنتمي إلى الإعلام الحديث بشيء أبداً، بل أصبح الإعلام أحد أكثر المواضيع إشكالية وعنصراً فاعلاً في أيَّ خلاف. في حين لجأت الإدارة الذاتية لفتح الباب أمام تسلق مئات المتطفلين على حقلي الإعلام والكتّابة، ووجدت في قوانين ترخيص مزاولة العمل الصحفي، إحدى الوسائل لفرض السيطرة على الشارع الكُردي، وتحديداً عبر التحكم بمسار هؤلاء والتلويح بالعراقيل أمام مهمات العمل الصحفي. ولجأت إلى دعم الصورة التي تخدم غاياتها وأهدافها والتبخيس من قيمة الأطراف الكُردية الأخرى محلياً وإقليمياً، وتضييق الخناق على الفئات الأكثر مهنية الذين يسعون لإيصال الحقيقة ولو بالحدّ الأدنى.
أعوامٌ سبعة، كانت كفيلة بنقلة نوعية عل صعيد الأداء والتطوير للإعلام الكُردي الخاص. لكن، عوضاً عن ذلك. أضحى التضخم النوعي والكمي، كُردياً، شيءٌ من المهزلة. وكتحصيل حاصل فإن أشباه الإعلاميين والكتاب الصحفيين يميلون لكتابة التقارير الكيدية لجهات نافذّة أكثر من كتابة تقارير تمسُ حياة الناس اليومية. ومع زيادة انتشار ظاهرة مروجي وبائعي مقاطع الفيديو خاصة للجبهات العسكرية والمعارك في المناطق الكُردية وغيرها، فإن شرعية وأخلاقية المهنة والاستغناء عن حقوق الملكية تُضع على المِحك لهؤلاء القانعين بعدم ورود أسمائهم أو التعبير عن المشاهدّ.
لنتساءل: ماذا يعني أن تنشر وسائل إعلام محلية خاصة تدعي امتلاكها لمراسلين ميدانيين ومُحررين ورؤساء تحرير، أنباءَها على لسان الإعلام العالمي وتلقي المعلومات المحلية من مصادر خارجية. حينها نُدرك بؤس الواقع الإعلامي.
صحفيون كُرد ومحاربة الإعلام العربي
لا مجال للإنكار أن الوسط العربي بالنسبة للصحافة والقضية الكُردية، هو الوسط الأكثر حيوية واشتغالاً وتماساً يومياً، وتعاطياً وتخاطباً وحتى تناكفاً وتحارباً. لكن لماذا يكون الخطاب الكُردي عبر إعلامه، موجهاً للكُرد فقط، إلا ما ندر. مئات المواقع، وعشرات الجرائد، وعشرات المحطات والإذاعات، يغيبُ عنها المُخاطَب العربي، أو الاختصار على مستوى برامج باللغة العربية، ليست سوى إحدى شروط الجهات المانحة، والبث بأكثر من لغة.
بؤس الإعلام الكُردي تجاوز حدود جغرافيته، وأصبح تشويه الكتّاب الصحفيين الكُرد الموجودين بفعالية عبر المحطات والقنوات والمواقع السورية والمنطلقة من همّ وطني جمعي، أشبه بواجب قومي! لدى قسم كبير من الصحفيين والكتّاب الكُرد. في مقابل التغاضي عن كمية المشاريع الممولة للمجلات والإذاعات الكُردية الخاصة، من أطراف رُبما تُشرف أو تتقاطع مع سياسات تلك الجهات المُحارِبة.
ازدواجية المعايير المتبعة بلغت الذروة كُردياً، فذمّ وقدح الكتّاب الصحفيين الكُرد المشتغلين في الإعلام العربي، يوازيه تغاضي جُلّ الوسائل الإعلامية الكُردية وموظفيها وكوادرها، عن قضايا خلافية، جمعية، وهموم سياسية مشتركة بين الجميع، لأسباب حزبية، أو شخصية، أو حتى تتعلق بسياسة الجهات المشرفة على تلك الوسيلة. لذا، مهنياً تميلُ الكفة لصالح مقالة أو تقرير صحفي بمهنية وحرفية منشور في وسيلة إعلامية عربية، على حساب الخوف القابع في صدورهم.
بالمقابل، فإن بارقة الأمل رُبما تبقى محصورة في بعض المحطات التي انتشلت الإعلام من القاع، لكنها لم تصل إلى مُبتغى القاعدة المجتمعية. خاصة أن مآسي الإعلام الحزبي، والخاص، والخاص الحزبي، تتكرر أو تتشابه حتى في تلك المحطات. لا مجال للإنكار: ثمة إعلاميّون مبدعون ببصمات جميلة ضمن تلك المحطات، لكن المطلوب والمأمول شعبياً لم يُنل بعد، وهم في متاهات وردهات القوانين والضوابط من جهة، وفشل القائمين والإداريين من جهة ثانية، يقبعون بين ثنائية التماهي، أو البحث عن عمل آخر قدّ يكون على شاكلة العمل السابق.
المصدر: Syria TV
التعليقات مغلقة.