ظواهر هدامه في بنيان الإدارة الذاتية

57

 

حسين عمر

في الأزمات تظهر قوى وشخصيات غير عادية تحاول استغلال الأوضاع إما لمصالحها الشخصية والعائلية أو لمصالحها القومية والوطنية، ولأن الأزمات تمرّ بمراحل مختلفة بين التصعيد والتهدئة وبين الانتعاش والانكماش فان تتأقلم مع المستجدات وتساير الفئة المسيطرة أو الأقوى أو المهيمنة للاستفادة من الأرضية الموجودة في سبيل انتعاش آمالها وتمرير ما يحقق مصالحها مما يؤدي إلى وجود مزاحمة في الأطر والتشكيلات والتنظيمات والمجموعات الشرعية وغير الشرعية للتنافس على استغلال الأوضاع لصالح أجنداتها. وهذا ما يحصل في روجآفا الآن. التخمة الزائدة في تفريغ التنظيمات إن كانت سياسية أو اجتماعية تزيد من الأعباء الكبيرة الملقاة على عاتق الإدارة وتسبب الأزمات الذاتية التي تتفاقم لعدم التحرك في وضع حلول آنية لها كتفاقم تدخل بعض المنظمات النسوية والشبابية في شؤون المجتمع والإدارة وأصبحت البعض منها سلطة تنافس سلطة الإدارة الذاتية نفسها لا بل تمتلك صلاحيات أكبر من الإدارة بحكم تابعيتها للقوة القائدة في المجتمع، وهذا ما يسبب الكثير من المنغصات والمشاكل الاجتماعية، وهنا يمكن ملاحظة نسب الطلاق ونسب الخلافات العائلية التي تظهر على السطح بشكل كبير كأحد إفرازات قيام السلطات الموازية للإدارة الذاتية كبيت المرأة  (Mala Jinê) الذي يُعتبر أحد المراكز ذات القرار المؤثر في الحياة الاجتماعية السائدة في روجآفا, ويتحرك بشكل مستقل عن الجهات الإدارية المخوّلة قانونيا، لا بل في العديد من الحوادث التي سمعتم وتسمعون بها تغلق الباب أمام الجهات القضائية التي من المفترض أن تأخذ زمام الأمور، وتحقق وتحاكم المشتكى عليه، لكن ذلك لا يحصل إذا كانت الجهة الشاكية امرأة ذهبت بشكواها إلى دار المرأة, وهذا ما خلق حالة من التمرد وزادت من حالات الطلاق الغير مستوجبة، وفي السياق لسنا ضد اختيار المرأة لشكل حياتها واسلوب مشاركتها مع الرجل في أطار من الوعي الحقيقي بالمسؤولية المجتمعية التي يجب عليها قبل الرجل البحث عن تأمين متطلباتها وإحدى أهم تلك المتطلبات, نشر الوعي والمعرفة لأجل تشكيل عائلة متكاملة الوظائف ويتمتع قطبي العائلة  بالحرية والإرادة المشتركة في سبيل تنشئة جيل يحمل على أكتافه السير بالمنجز نحو التطور والتقدم المستدام.

الاستقواء من أي طرف من طرفي التكامل الاجتماعي إضعاف للمجتمع، لا المرأة قادرة على إقصاء الرجل ولا الرجل قادر على تهميش المرأة في ظل وجود قوانين حضارية تخلق حالة المساواة في الحقوق والواجبات بين الطرفين. ولهذا المطلوب في مرحلة تعزيز دور القوانين الحضارية وتثبيت مبدأ المساواة، هو التحكم للوعي والتشبث ببناء عائلة متجانسة.

 وليست دار المرأة هي الجهة الوحيدة التي تمتلك صلاحيات استثنائية غير مبررة بل توجد العديد من الجهات التي تتحكم بقرارات بعض المنظمات أو الجهات وينعكس ذلك التحكم على عملية تسيير الإدارة، كما أن التفريخ غير المقنع للأحزاب والتنظيمات يخلق حالة من الفوضى والتداخل ويزيد من فرص التلاعب ويخلق حالة من التفاضل والتهاون داخل المؤسسات المجتمعية. وقانون جلب مائة توقيع لترخيص حزب ما, قانون يحمل في طياته الفوضى فهومن جهة يخلق جسما قانونيا له كيان مستقل وذو تأثير بين أفراد المجتمع ومن جهة أخرى يصبح صاحب الترخيص الحزبي شخصية رسمية يتدخل في بعض أمور الإدارة، لا بل هناك رؤساء أحزاب التي تكونت بعد 2012 يعملون في التجارة والسمسرة ويقومون بعمليات الوساطات في الدوائر.

 لقد تثبت هذا الأمر بالدليل القاطع وخاصة تلك الأحزاب التي لا تملك أرضية وتأسست كي تتغذى على النفسية الانتهازية والجاهلة التي لها تواجد في بعض المؤسسات ودوائر الإدارة, والتي تستخدم الوظيفة كأداة للكسب غير المشروع وجعل الهامش الذي يتمتع به والقيمة التي يوليها الناس له في خدمة مآربه الشخصية. كيف تقوم رئيسة إحدى الأحزاب باستغلال ترخيص حزبها  وخداع دار المرأة لتهديد الناس ومحاولة تخويفهم تحت صفة الكادر. ما حاجة المجتمع لتنظيمات تتشابه في الفكر والطرح؟ ما حاجة المجتمع الكردي الروجآفايي إلى أكثر من حزب يتبنى مفهوم الامة الديمقراطية والرئاسة المشتركة؟

هناك الكثير من الأحزاب والمنظمات تتغذى على جسد الإدارة وتنهك قواها, وتفسد ما تستطيع إفساده من موظفيها وتخلق تكتل غير معلن للدفاع عن نهجها والاستمرار في نخر جسد الإدارة, ولا نستبعد هنا دور “الكوادر” المحسوبة على الإدارة ودورهم الذي يغذي تلك الحالات اللاقانونية بحكم صلاحياتها الواسعة وتدخلاتها المتشعبة في كل شاردة وواردة من أمور الإدارة, مما يخلق في سلطتين متنفذين إحداها رسمية معلنة هي الأقل تأثيرا ” والأخرى هي خارج أطر الإدارة رسميا ولكنها تتحكم بقرارات الإدارة وعملها من الكومين وحتى الكانتون بفعل الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها كما ذكرنا سابقا”.

تشابك تلك الأيادي وتدخلاتها في شؤون الإدارة إن كان على شكل وساطة أو منفعة متبادلة أو الموانة الاجتماعية مما يزيد من متاعب الناس ولأن المجتمع الذي تتداخل فيه السلطات وتتحكم به الوساطات والمحسوبيات ويتجه نحو التآكل الذاتي عوضا عن التقدم والتطور.

روجآفا بحاجة الآن إلى ثورة داخلية عاجلة من خلال مبدأ المحاسبة الآنية وتفعيل القوانين المتبعة بشكل صارم، ومحاسبة التنظيمات والأحزاب والشخصيات والكوادر التي تنتهك تلك القوانين. كما إن استقلالية السلطات القضائية والتنفيذية هي إحدى أهم الحلول لإغلاق المجال أمام أصحاب النفوس الضعيفة والانتهازين من التلاعب بالمنجز الذي دفع ثمنه الآلاف من شبابنا وشاباتنا دماءهم ثمنا لها.

نشر هذا المقال في العدد /84/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/10/2018

التعليقات مغلقة.