عزف تركي مرتبك على أوتار روسية
عبدالحليم سليمان
يتراءى للمتتبع للشأن السوري مدى حدة توغل الأطراف الخارجية في الميدانين السياسي والعسكري وتأثيراتهم المباشرة على جغرافية الصراع المتأزم داخل البلاد منذ سنوات والذي يبدو أنه انتقل لمستويات أخرى مازالت بعيدة عن الحل الشامل.
فقد تصدر قبل أيام وضع إدلب قائمة الأحداث في سوريا ، هذه المحافظة التي تقع تحت نفوذ تركيا وتضم آلاف المقاتلين من الكتائب العسكرية المؤمنة بفكر الإسلام السياسي المتشدد بما فيها جبهة النصرة حيث تنسق هذه الفصائل في كل تحركاتها وتتلقى دعمها من تركيا التي تستخدم هذه المجموعات لأجندتها الخاصة وتسخرها لمصلحة ” أمنها القومي ” إلى حدّ أن هذه الفصائل باتت مستلبة الإرادة الوطنية لصالح تركيا تحت يافطة أن تركيا هي الداعمة الوحيدة للثورة السورية في الميدان.
بعد ما أن نجحت الاتفاقات الميدانية التي سميت بالمصالحات والقصف العنيف والعمليات العسكرية للنظام وحلفائها من الروس والإيرانيين والميليشيات المرتبطة بها وتراجع أدوار إقليمية لعدة دول في الوضع العسكري السوري؛ تجمعت معظم الفصائل العسكرية المعارضة في محافظة إدلب وفي أجزاء أخرى في محافظات مجاورة لها تحركت كل من روسيا وإيران و كل وفق منظورها إلى شنّ حملة عسكرية على هذه الفصائل بغية إنهائها وجعل وضع هذه المحافظة مثل بقية المناطق التي أصبحت تحت سيطرة النظام شكلياً.
مع اقتراب شن هذه العملية ارتفعت أصوات دول مؤثرة تحذر من شن أي عملية في إدلب مخافة وقوع كارثة إنسانية على المدنيين و يبلغ عددهم ما يقارب ثلاثة ملايين، فعشية لقاء قمة إيرانية تركية روسية دعت كل من بريطانيا وفرنسا بالإضافة إلى ألمانيا وبلجيكا وإيطاليا والسويد وهولندا وبولندا، دعت هذه الدول روسيا وإيران إلى الالتزام بوقف إطلاق النار في محافظة إدلب السورية رافضة استخدام الأسلحة الكيماوية، كما سبقها تحذير أمريكي بريطاني فرنسي مشترك من استخدام النظام للسلاح الكيماوي في إدلب متعهدة بالرد المناسب.
هذه الأجواء شجعت تركيا لرفض أي عمل عسكري والبحث عن مخرج يبقيها على ماهي عليه من نفوذ في إدلب، في السابع من أيلول اجتمع رؤساء روسيا وتركيا وإيران في طهران في قمة كانت جلستها علنية رفضت فيها تركيا العمل العسكري على إدلب واستطاع فيها أردوغان الخروج بإمهال العمل العسكري لمرحلة أخرى وبزيادة تفصيل ميداني عبر التمييز والفصل بين الفصائل ” المعتدلة والمتشددة ” ، ومستغلاً التباين في أهداف الوجودين الروسي والإيراني على الأراضي السورية التقى أردوغان ببوتين في سوتشي في الثامن عشر واتفقا على منطقة منزوعة السلاح في إدلب حيث نقاط المراقبة المشتركة بين القوتين الروسية والتركية .
هذه الجهود التي اشتركت فيها تركيا مكنتها من إحكام سيطرتها على إدلب ولو إلى حين لكن بالمقابل ألقت على كاهلها تعهدات أمام روسيا بإخراج جميع الفصائل الجهادية بحلول العاشر من تشرين الأول، ونزع الأسلحة الثقيلة من دبابات وصواريخ ومدافع هاون التي بحوزة تلك الجماعات كما ستقوم وحدات من الشرطة الروسية والتركية بمراقبة المنطقة منزوعة السلاح، وهو ما اقترحه أردوغان، وستنسحب جميع الفصائل المسلحة من تلك المنطقة بما فيها هيئة تحرير الشام” جبهة النصرة ” كما سيتم فتح الطريق الدولي بين حلب واللاذقية، وبين حلب وحماه قبل نهاية هذا العام.
في المقابل ليس معلوماً مضمون البروتوكولات الملحقة بهذا الاتفاق فيما يخص بعفرين و مناطق الشهباء وما هو موقف الروس من عفرين التي احتلت من قبل تركيا والفصائل المرتبطة بها وكذلك المناطق المتبقية تحت سيطرة وحدات حماية الشعب في ناحية فافين ومناطق الشهباء الخاضعة لتوازنات متعرجة وحادة لا سيما وأن أردوغان يطلق تصريحات بين الفينة و الأخرى تهدد سلامة الأراضي في شمال شرق البلاد التي تتجه نحو استقرار إداري تقوده مجلس سوريا الديمقراطية عبر توحيد الإدارات الذاتية والمدنية للمناطق التي تخلصت من إرهاب وظلامية داعش ، تصريحات أردوغان هذه تتجاهل الوجود الأمريكي في المنطقة والقواعد العسكرية المنتشرة والدعم السياسي غير المسبوق للتمثيل السياسي لشمال شرق سوريا، حيث ذكرت المجموعة المصغرة من أجل سوريا المكونة من ( الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، السعودية، مصر والأردن) بضرورة تشكيل لجنة دستورية تضم كل من النظام وممثلي شمال شرق سوريا وكل من يؤمن بمبادئ الحل التي سلمتها هذه الدول لديمستورا في الرابع عشر من أيلول في جنيف.
وصحيح أن المهمة الأساسية لبقاء القوات الأمريكية في شمال سوريا تحمل عنوان هزيمة داعش بالاشتراك مع قوات سوريا الديمقراطية، لكن مؤخرا قررت إدارة الرئيس ترامب البقاء حتى خروج القوات الإيرانية ووكلائها من كامل الأراضي السورية كما أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تؤكد على دعم الاستقرار في شمال شرق سوريا فالانتقال السياسي في سوريا جزء من هزيمة داعش حسب المسؤولين الأمريكيين وهو ما يضمن مشاركة كردية فاعلة عبر تمثيل شمال شرق سوريا في العملية السياسية المرتقبة إذا ما انطلقت.
نشر هذا المقال في العدد /84/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/10/2018
التعليقات مغلقة.