ماذا لو عملت الأحزاب الكردية في سوريا كالأحزاب السياسية في ألمانيا

76

ليلان هكاري

لا شك في أن للأحزاب السياسية دور استراتيجي في المجتمع ويُعتبر وجودها حالة صحية وترسيخ لمفاهيم الديمقراطية التي أصبحت معاييرها ضرورة من ضرورات الحياة. تعود نشأت الأحزاب تقريباً إلى التاريخ الذي بدأت فيه الجماعات البشرية بانتخاب مجموعة او فئة لتمثل الأغلبية، وقيل إن تاريخ الأحزاب يعود إلى الحضارة الإغريقية، بمعنى أن هذه العملية ضاربة جذورها في التاريخ. حديثاً بات وجود الأحزاب والتنظيمات السياسة ضرورة ملحة في تنظيم المجتمعات وتمثيل الفئة المنتخبة للمجتمع المتواجد فيه والذين يحملون نفس المبادئ والغايات. وترجمة تطلعاتهم ومتطلباتهم إلى أهداف وسبل للوصول لحالة مجتمعية سياسية واجتماعية صحية. في حالتنا الكُردية في كُردستان سوريا أيضاً كان وجود الأحزاب السياسة ضرورة ملحة وكان الكُرد السباقون في أيجاد الأحزاب وتنظيماتها السياسية في سوريا ولا شك أن الحزب الأم “الپارتي الديمقراطي” مثلاً يعتبر من أقدم الأحزاب السياسية التي تأسست في سوريا. ومازال وجودها وإدارتها للمجتمع والشعب الكُردي ضرورة في غاية الأهمية وخاصة في السنوات الأخيرة من الحرب الدائرة منذ سبع سنوات ، حيث يعاني المجتمع الكُردي من ضغوطات وأعباء مضاعفة إذا ما قورن بالمكونات الأخرى، وتحاكياً مع المرحلة الحالية والمتغيرات السياسية على الساحة السورية والإقليمية والعالمية  وتفاقم حالة الفوضى التي زعزعت الهدوء النسبي في المناطق الكردية كان من المنتظر أن تقوم الأحزاب الموجودة على الساحة السورية بواجباتها كاملاً أتجاه الشعب الكُردي ولعب دور الوسيط بين الكُرد وكل من له دور على الساحة السورية وتأثير، و ترجمة متطلبات هذا الشعب إلى أهداف يدق بها كل باب من الممكن أن يكون حليفاً فعلياً لهم وبضمانات. والعمل الجاد على تحييد الكُرد بعد أن وُجهت الثورة السورية إلى المواجهة المسلحة مع النظام والحيلولة دون استغلال شباب الكُرد كوقودٍ لحرب لا يجنى منها سوى الخسارة والفشل، كان منتظراً من الأحزاب الكُردية أن تمنع بكل قوتها تهجير الكرد من أرضهم  كان عليها أن لا تغمض عيونها عن التوطين المتعمد للعرب في مدن وقرى الجزيرة الكُردية لتغيير ديمغرافية مناطقها وتغيير نسبة الأغلبية الكُردية هناك كان عليها أن لا تكون شريكة بصمتها المشين على ما يحصل الان في عفرين، وقبل كل هذا ومن أولويات الأولى لهذه الأحزاب كان عليها  تنظيم المجتمع والشباب الكُردي والتعامل مع الجماهير بشفافية وثقة متبادلة وتحفيزهم على القيم التي من شأنها المحافظة على تماسك وترابط البيت الكُردي والحفاظ عليه من كل هذا التشرذم الذي قسم الكُرد وفرقهم . وجمع وتوحيد الجماهير على المطلب الكُردي الأسمى وهو الحرية والعيش الكريم والاستقلال من المحتل الذي لم ينفع معه اية دعوة ومحاولة للعيش السلمي المشترك.. وهكذا وما أطولها لوائح وجداول الأعمال التي من المفترض بالأحزاب الكردية القيام بها.

لكن وللأسف الذي ما بعده أسف أستغل العاملين والمتسلقين في هذه الأحزاب حالة اللامسائلة واستغل فرصة عدم وجود رقيب ومحاسبة واستغل ثقة الشعب به واعتماده الجهة المخولة لتمثيله والتصرف باسمه ونتيجة لعوامل كثيرة منها الجهل حيث نرى الأنسان الحزبي وقد تحول لببغاء يعرف ويردد ما يُلقن من قبل مرؤوسيه فقط، الأنانية الشخصية والأنانية الحزبية وقصر النظر حيث كل شخص حزبي أصبح يفكر في مصلحته الشخصية فقط ضمن حزبه وفِي مصلحته الحزبية فقط في وجه الأحزاب الأخرى و أصبح الأنسان الحزبي بعيداً فعلياً عن الواقع والشعب وأصبحت جّل اهتماماته حزبية يدور في دوامة حزبه المفرغة، وفقدان شعور التضحية والتكاتف في سبيل المصلحة العامة وبمجرد خلاف صغير  يقرر عدد من الأعضاء الانشقاق وفي غضون أيام ترى الساحة الكردية ولادة حزب جديد ربما عدد أعضائه لا يتجاوز عدد الأصابع ولَم تعد المصلحة العامة من الأولويات وباتت أذهانهم مشدودة في نطاق المصالح الحزبية الضيقة، الانتهازية المفرطة في بيع وتسويق الحزبيين شعارات وكلام للعامة هم لا يؤمنون به قطعاً وكم من مسؤول حزبي يتغنى بالتضحية والفداء وحب الوطن بينما هو وأفراد أسرته من الأوائل الذين غادروا البلاد إلى نعيم أوربا وأمريكا وتركوا أهالي الشهداء والمعتقلين والفقراء لمصيرهم المؤلم، الفساد وهو ما نخر الجسم الحزبي لنرى أن الكل في الحزب الواحد يتكالب ليرتقي المناصب لا ليعمل جاهداً لتقديم خدماته في سبيل رفعة حزبه وتعليه المقدمة في خدمة شعبه بل العكس يريد له منها مأرب ومنافع شخصية فقط. الخوف من المحتل وعقدة التبعية حيث من المفترض بالشخص الحزبي أن يكون السباق في كسر حاجز الخوف نرى في حالتنا الحزبية العكس حيث تعمل الأحزاب على وأد كل فكرة تدعو إلى الوقوف بحزم في وجه التحديات وتسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة واللف حول الحقيقة دون الوقوف عليه أم عقدة التبعية  إلى الأن  مستفحلة وليست لديهم رغبة فكها. أما نسبة اختراقها من الأعداء فحدث ولا حرج. وهكذا نرى أن هذه الأحزاب وبكامل حلتها بدل أن تكون عوناً وسنداً للشعب أصبحت سببا في زعزعة الاستقرار وعامل تفرقة فرقت وشرذمة الشرائح المختلفة من فئات الشعب ومن أهم منجزاتها الانشقاق وتفريخ الأحزاب حزب تلو الأخر حتى أصبح أعدادها مصدر قلق وتواجدها لا يعبر عن حالة مجتمعية صحية وديمقراطية بل لتصبح وبالاً زاد على الوضع الكُردي المأسوي مأساة أخرى وأصبح وتواجدها فقط لخدمة أعضائها. والحقيقة إن الأحزاب الكُردية أنتجت حالة مجتمعية لا تقل سوءً عن التي أنتجتها حزب البعث في سوريا.

لكننا لو ابتعدنا عن الوضع اللاصحي للأحزاب الكُردية وإلى ما أوصلت الكُرد اليه جراء سياساتها الفاشلة أو بالأحرى جراء عدم معرفتها وخبرتها بفن السياسة أصلاً وألقينا نظرة على وضع الأحزاب الألمانية وألية عملها للحفاظ على المجتمع الألماني وتنظيمه ومعايير الديمقراطية المتبعة فيه فأننا سنتعرض للتشاؤم بمجرد أن التفكير بتأمل أية منفعة لوجود كل هذا الكم الهائل من الأحزاب الكُردية. وهنا قد ترجمت للعربية لمحة سريعة عن الأحزاب الألمانية (ما لها وما عليها) في جمهورية ألمانيا الاتحادية:

الامتيازات:

في الدستور تشكل الأحزاب العنصر أو القوى الفاعلة في النظام السياسي للبلد.

  • الأحزاب هي القوى السياسية التي تبلور الرؤية العامة للشعب وتطلعاته وتترجمها كرؤية وأهداف أساسية للحزب.
  • نظامها الداخلي يجب أن يحاكي المعايير الديمقراطية المسنة في دستور البلاد. 
  • اعتماد الشفافية والإيضاح بالنسبة للمبالغ المتلفات وألية إنفاقها.
  • مكان الإقامة أو التواجد يجب أن تكون في نفس المساحة الملزمة بذاك الدستور، أي دستور البلاد.

الواجبات:

  • حسب القانون الأساسي للبلاد يجب على الأحزاب بلورة الإرادة العامة للشعب ومتطلباتهم كمطالب سياسية أساسية للحزب. 
  • الضغط على الرأي العام والتأثير عليه بهذه المطالَب.
  • تعميق وتكثيف التعليم السياسي والتشجيع عليه.
  • تشجيع النشاط من المجتمع على ممارسة العمل. 
  • تثقيف الأعضاء والمواطنين المخولين لتولي المناصب،  ولأن ألمانيا دولة ديمقراطية مؤسساتية لا يمكن لأي مؤسسة تجاوز مؤسسة أخرى وفيها من القيم والأسس التي تعمل كل الأطراف على الحفاظ عليها، والتي من شأنها البقاء على المجتمع الألماني صحياً وديمقراطياً نرى أن الأحزاب كباقي المؤسسات والتنظيمات أيضاً تقوم بدورها الفعّال تجاه الشعب الذي ينتخب أعضائها في انتخابات نزيهة وتحافظ على ثقته التي منحها إياه. وكمثال بسيط على ذلك وفي الأزمة الألمانية الأخيرة بسبب اللاجئين في عام 2017 والتي لم تعشه البلاد من سبعين سنة، وفي ذروة الأزمة التي كادت أن تعصف بالعملية السياسة في البلاد وقف السيد فالتر شتاين ماير رئيس ألمانيا والرئيس السابق لحزب السوسيال SPD بحزم وقال: “أتوقع من الجميع  تحمل مسؤولياته والاستعداد لدخول المفاوضات وأعرب عن أمله في تشكيل الأحزاب الحكومة الائتلافية بناءً على نتائج الانتخابات البرلمانية وأطلب أيضاً احترام نتائج الانتخابات وإرادة الشعب الألماني عندما أنتخب لتتجاوز البلاد أزمتها”. فشتان بينه وبين من يدعي أنه يمثل الكُردي وأنه صوت الشعب وممثله على المستوى الداخلي والخارجي.

نشر هذا المقال في العدد /84/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/10/2018

التعليقات مغلقة.