قوة الكرد في اتحادهم ..!
أكرم حسين
يعاني الشعب الكردي في أماكن تواجده من عدم القدرة على بناء كيانه القومي لوقوعه تحت سيطرة عدة دول ترفض أنظمتها السياسية تمكين الكرد من نيل حقوقهم وبناء دولتهم، وترى في أي كيان كردي تهديداً لأمنها القومي ووحدة أراضيها، وفي هذا السياق يمكن قراءة الموقف التركي الحادّ في مواجهة الاستفتاء والإدارة الذاتية وأية حالة أو وضع قد يستجد لاحقا في أماكن اخرى، دون أن تتمكن هذه الأنظمة من إيجاد صيغة سياسية تساعد الكرد على تجاوز الإحساس بالغبن الوطني والقومي سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
وفي سوريا غض النظام الطرف عن نشاط الاحزاب الكردية لاقتصار هذا النشاط على المنطقة الكردية! وكان يمنع اتصالهم أو مشاركتهم في الشأن الوطني العام لا بل كان يلجأ في مثل هذه الحالات إلى الترهيب والاستدعاء وأحيانا الاعتقال والسجن، رغم أن الكرد في روجآفاي كردستان لم يمارسوا يوماً التطرف ولم يمتشقوا السلاح في وجه السلطة، وكان نضالهم مطلبياً يرتكز على المساواة والغاء المشاريع الشوفينية من خلال شعار الاخوة العربية الكردية وتامين الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية بشكل سلمي وديمقراطي وفي إطار وحدة البلاد.
وقد شارك الكرد في مقاومة الفرنسيين في الخمسينيات وكان منهم إبراهيم هنانو ويوسف العظمة ، ووقفوا في وجه حركة الاخوان المسلمين في الثمانيات أثناء صراعها مع السلطة.
الآن النضال الكردي أخذ مسارات متعددة ومتعرجة ومعقدة بعد انقسامهم في محاور وتحالفات متعارضة فبات جزءا منهم في الهيئة العليا للتفاوض وآخر في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وثالث يحاور النظام وروسيا! وبين هذه التيارات لا يوحد أي تفاهم أو تنسيق وهذا يصب في صالح الأنظمة بالتأكيد لأن ضعف الكرد في انقسامهم وتناحرهم. والكرد لا يمكن لهم أن يهزموا إذا توحدت كلمتهم كما يقول مولتكه (الماني ، جنرال في الجيش البروسي) وفي كتابه “صبح الأعشى ” وصفهم القلقشندي بأنهم شعب قوي ولولا اقتتالهم لفاضوا على البلاد. من هنا يمكن أن نتفهم كل المساعي والجهود التي تبذل في سبيل فرقتهم وتشتتهم كيلا يسودوا في البلاد وتعلى رايتهم ويبقوا تحت رحمة شعوب المنطقة وفي دائرتها رغم انهم كما يقول هادي العلوي أسبق وجودا في المنطقة ” من أولى الموجات السامية كالأكاديين.
ومن المؤكد أنهم أقدم من الاراميين العرب ولا شك أنهم أقدم من الاتراك الذين لا يزيد عمرهم في اسيا الصغرى على السبعة قرون ” مجلة الحوار العدد 22 شتاء 1999″
منذ سنوات لم يكن للأحزاب الكردية السورية تصور واضح وموثق يتعلق بحل القضية الكردية ما خلا “استراتيجية ايجاد حل عادل للقضية الكردية” ، وكان الأساس الذي قامت عليه العلاقات الكردية مع بقية القوى الوطنية والديمقراطية في سوريا, ولذلك كنا نرى تأييداً لهذه الاستراتيجية “الغامضة” والتي كانت تأول بطرق مختلفة !. ولم يكن موقف القوى الوطنية السورية من هذه القضية أفضل حالاً. بل ظل في الغالب موقفاً تابعاً وفي إطار موقف النظام الذي كان يرفض وجود قضية كردية سورية، ما عدا موقف حزب العمل الشيوعي والذي تبنى شعار حق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا بما فيه الانفصال، وهذا الموقف استقطب العديد من الشباب الكرد حيث قضوا سنوات في السجون والمعتقلات.
اليوم بعض الكرد ليسوا أحسن حالا مما كانوا في عهد سليمان القانوني حين بنى جدارا من لحم ودم الكرد. بين الامبراطورية العثمانية وبين الجورجيين والايرانيين لحماية مملكته، حيث ينفذون أجندات لا ناقة لهم فيها ولا جمل ولا تصب في خدمة قضاياهم، ولا ننسى أن نؤكد في هذا السياق بان معظم الانتكاسات والهزائم الكردية كانت بسبب التنازع الداخلي وكأن الكثير من الكرد يقوم بما قام به هارباك الميدي الذي كان قائدا عاما للجيش في عهد الملك الميدي استياك وجمع كبار رجال الدين والسياسة والجيش وتحالف سرا مع كورش الفارسي وحثه على مهاجمة عاصمتهم اكباتانا عام 550 قبل الميلاد، وأسر الملك استياك وزجه بالسجن مما جعلت مملكة ميديا تحت سيطرة الفرس. كما أن العثمانيين أيضا لجأوا إلى إثارة الفتن وخلق التناقض بين الكرد والأرمن وبين الكرد أنفسهم تارة أخرى عبر انشاء الفرسان الحميدية عام 1891، وفي العهد الصفوي نقل قسم من الكرد إلى خراسان في شمال ايران لحماية الحدود.
ما أريد قوله من كل ما سبق ينبغي أن لا يقع الكرد في نفس الأخطاء ويستفيدوا من تجاربهم السابقة وأن لا يبقوا في التاريخ. التاريخ الذي لم يجلب لهم سوى الخيبات والألم, بل عليهم قراءة التاريخ من أجل استخلاص العبر وعدم البقاء في الحاضر والسير نحو المستقبل بخطى ثابتة لأن القرن القادم سيكون لهم إن استطاعوا أن يستقيدوا من تناقضات الصراع على قيادة العالم، كما عليهم أن يتسلحوا بوحدتهم، وأن يتجاوزوا خلافاتهم، وأن يسيروا خلف قياداتهم التاريخية.
نشر هذا المقال في العدد /83/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/8/2018
التعليقات مغلقة.