المفاوضات … سلاح الكرد الأنجع
نصرالدين إبراهيم
“التفاوض مع النظام لحل القضية الكردية في سوريا كان خيارنا الأول منذ بدء الأزمة السورية قبل سبع سنوات, حينما دعت الرئاسة السورية الحركة السياسية الكردية وبشكل رسمي، ونشرت الخبر عبر وسائل إعلامها الرسمية, إلى عقد لقاء مع الرئيس السوري”
المفاوضات هي الوسيلة والطريق الأسلم, وربما الحتمي لفضّ أي نزاع أو خلاف بين فرقاء متنازعين على قضية ما, بغض النظر عن المدة والأحقية وتطورات هذا النزاع, حتى ولو بلغ حدّ الاقتتال, والأساس في التفاوض هو التوصل لصيغة توافقية من الحلول المرضية لأطراف الصراع, ولو بشكل متفاوت حسب الظروف الذاتية والموضوعية لكل طرف.
وتاريخياً كان التفاوض هو الملجأ والحل للعديد من القضايا الكبرى في العالم, والتي أرهقت شعوب المتنازعين وبلدانهم بالقتل والتدمير, فبعد ملايين القتلى في الحربين العالميتين( الأولى ” 1914- 1919″ , والثانية “1939-1945″ ) كان المآل النهائي التفاوض وضع حدّ لهما, وكذلك الحرب الإيرانية العراقية” 1980 – 1988 “, والتي استمرت ثمانية سنوات, انتهت بتفاوض على انهائها.
واليوم يشهد الصراع الأمريكي – الكوري الشمالي بداية مرحلة جديدة من السير نحو الحل, وذلك عبر مفاوضات مباشرة.
وكردستانياً أيضاً جاءت اتفاقية آذار للحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق عام 1970م من خلال مفاوضات بين الكرد والنظام العراقي, ومن المفاوضات ما لم تر النور, وفي أصعب مراحل التاريخ التحرري الكردستاني, فبعد عمليات الأنفال قامت القيادة الكردستانية وعبر بحر دماء الشهداء بالتفاوض مع النظام العراقي, إبان انتفاضة آذار, وبروز مرحلة جديدة في العراق والمنطقة بعد الغزو العراقي للكويت.
الحركة التحررية الكردستانية كانت مؤمنة وبشكل فعلي بأنه لا حل للقضية الكردية في أجزاء كردستان المختلفة إلا عبر التفاوض والحوار, وما حالات النزاع المسلح سوى دفاعٌ عن النفس والشعب, وإجراء احترازي في وجه ما يحاك ضد شعبنا, وقطعاً ليس إيماناً بالحلول العسكرية, التي أرهقت كاهل شعبنا وشعوب المنطقة.
انطلاقاً من هذا السرد, ندخل إلى المشهد السوري اليوم, حيث الحديث الرسمي والشعبي عن بدء مفاوضات بين الكرد وبين النظام السوري, أو الرغبة في حدوثها.
التفاوض مع النظام لحل القضية الكردية في سوريا كان خيارنا الأول منذ بدء الأزمة السورية قبل سبع سنوات, حينما دعت الرئاسة السورية الحركة السياسية الكردية وبشكل رسمي, ونشرت الخبر عبر وسائل إعلامها الرسمية, إلى عقد لقاء مع الرئيس السوري, حينها كان قرارنا في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا( البارتي) هو القبول بهذا اللقاء, وكذلك كان موقف أغلبية الأحزاب الكردية, وبعدها سيتم تقييم اللقاء والقبول بعملية تفاوضية من عدمها, إلا أنه وللأسف ولعدة عوامل, لسنا بصدد ذكرها الآن, تم رفض اللقاء, أو بالأحرى تم التهرّب منه بحجة التأجيل, هذا في الوقت الذي أعرب مهندسو إفشال اللقاء عن ندمهم وحسرتهم بعد عدة سنوات ومازالوا يرددونها.
بإمكاننا القول أنه إلى الآن لم تتلق الحركة الكردية على اختلاف أطرها أية دعوة رسمية من النظام للتفاوض حول القضية الكردية, كل الذي حدث إلى الآن لا يتخطى دعوات أو تلميحات عبر وسائل الإعلام من باب طرح التفاوض كأحد الخيارين الذي لا ثالث لهما, إلى جانب حملات تشويهية ممنهجة تسلكها وسائل إعلام النظام في سياق الحرب النفسية .
وفي حال تحقيق هذا الزعم على أرض الواقع, فإننا نعتقد بأن القبول بالتفاوض من دون وجود أية شروط مسبقة, لا يعني قطعاً قبول إملاءات طرف بعينه, بل أن ذلك يعتبر خطوة واقعية للدخول في عملية التفاوض, وعرض كل طرف لوجهات نظره للمسائل المطروحة.
المهم بالنسبة لنا كردياً هو وجود ثوابت واستراتيجيات في حال البدء بالتفاوض وإظهار النظام للجدية خلالها, وأهم تلك الثوابت والاستراتيجيات هي أن تتمخض أية مفاوضات عن إقرار دستوري بالحقوق القومية والوطنية المشروعة للشعب الكردي في سوريا وفق العهود والمواثيق الدولية, مع تحديد النقاط والمواد فوق الدستورية والمتعلقة بذات الشعب الكردي وخصوصيته القومية, واعتماد الديمقراطية التوافقية في جميع المسائل السيادية, إضافة إلى لامركزية نظام الحكم في البلاد, كما أنه لا بدّ من تحديد القضايا الأخرى التفصيلية كنسبة الكرد في سوريا, و نسبتهم في الحكومة السورية, وحصتهم من الميزانية العامة للدولة, بشكل يتوافق مع نسبتهم, وحجم الثروات المعدنية والباطنية في مناطقهم, والقضية الأخرى الهامة وهي القوات الكردية ومستقبلها في سوريا, ونوع الإدارة التي ستتمتع بها المناطق الكردية، واسم الدولة واللغة الكردية… وغيرها من القضايا الحساسة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في أية مفاوضات قد تجري.
بالنسبة للوفد الكردي المفاوض من الضرورة بمكان لكي يكون لهذا الوفد ثقله السياسي والجماهيري فلا بد أن يكون وفداً سياسياً شاملاً لمختلف الأطر السياسية الكردية قدر الامكان, وأن يتمتع بقبول جماهيري.
وليكون الكرد في موقع وموقف قويين, وخاصةً أنهم اليوم جزء أساسي من التحالف الدولي, ويمتلكون قوة شعبية لا يستهان بها, فلا بد من البدء سريعاً بتوحيد الموقف والصف الكرديين, من خلال لقاء عاجل وبدون أية شروط مسبقة, كل شيء فيه يطرح للنقاش, وبروح عالٍ من المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق القوى السياسية الكردية, وفي مقدمتها الأطر الثلاث ” التحالف الوطني الكردي والمجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي(Tev-Dem).
ختاماً, اليوم نحن بحاجة إلى مفاوضين مهرة من طراز مفاوضي شعبنا في سيفر, وعلينا الحذر كل الحذر من مفاوضي لوزان, كي لا تتكرر مأساتنا على يد أحفاد “حسن خيري “.
نشر هذا المقال في العدد /81/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/7/2018
التعليقات مغلقة.