الشبح

50

وحشة زاوية يكتبها طه خليل

 

استمر المقاتلون في مسيرهم ليقطعوا سهلا طويلا تتخلله بعض التلال والمرتفعات، وكان ضوء الفجر قد بدأ يفرق بين الخيطين الأسود والأبيض، وبدأ رفاق المسير يثرثرون ويتحدثون فيما بينهم، وعرف يارو الصامت انهم قد وصلوا مكان آمن, وفي هذا الاثناء شعر يارو بيد تربت على كتفه، وحين التفت إلى الخلف رأى قسما من جسد الشبح، فأعاد رأسه كما كان، واستمر في السير، صامتا قلقا من هذا الشبح الذي يلاحقه، قرب الشبح فمه من أذن يارو حتى شعر بحرارة أنفاسه، وسمعه يقول له: هل تعرف الشاعر أحمدي خاني؟

” نعم, لقد سمعت به, هو من كتب قصة مم وزين الشعرية ” أجاب يارو بصوت مسموع، لكن لم يلتفت إليه أحد, فأكمل الشبح قائلا: هذه السهول تدعى: “دشتا خاني” أي سهل خاني، حيث كان أحمدي خاني يقيم، انظر إلى تلك الحجارة، وتلك الآثار، هي أثاره يا يارو.”

“لا داعي لتتحدث أو تجيبني بصوت عال, إنني اسمع أعماقك، فقط فكر بما ستقوله وأنا سأسمع.” أضاف الشبح.

“لكن قل لي من انت.؟”

أنا من يسمع أعماقك، هل تعرف أحدا يعرف كيف يقرأ ما يدور بذهنك؟

“لا ولكنك تخيفني، ولولا حرجي ممن حولي لأخبرت الكل عن وجودك، لكنني أخشى أن لا يصدقونني، وسينظرون إليّ كشخص يدّعي الهلوسة للتخلص من الحرب.؟”

سأخبرك يوما عني، الآن مهمتي أن أوصلك بسلام إلى المكان الذي تتجهون إليه.؟

“أوَتقدر على حمايتي أن تعرضت المجموعة لكمين.؟”

لن يكمن لكم أحد, أنا من يكمن للجميع، أنا سيد هذه الجبال، وأعرف كيف أبعد أبناء سلجوق عن طريقك.؟

“ولكن هل كنت في هذه الجبال يوما.؟” 

قلت لك إنني سيد هذه الجبال كلها، انظر أمامك.! هل ترى تلك القمم؟ تلك القمة التي تبدو لك بيضاء هي قمة سنبل، هناك ينتظرني حصاني، وان لم تسرعوا اليوم للوصول هناك سيموت الحصان من البرد والصواعق.؟

” ألا تقدر أن توقف الصواعق.؟ كيف إذا ستمحيني.؟”

لا.. لا أتدخل بشؤون الصواعق، هي غضب السماء، ومرح الأرض, ولا أتدخل بشؤون الطبيعة، الطبيعة وحدها تقدر أن تعاقب.!

” إنني لا أرى أمامي أيها الشبح، لقد تعبت كثيرا من السير.”

أنت لا ترى الطريق، بل هو يراك، وما عليك إلا أن تمد رجليك، وستجدها في المكان الصحيح, سأدعك الآن، وسأسبقكم لأرى أن كان هناك من يكمن في السفح الآخر من تلك الهضبة.

رفع يارو بصره إلى السماء، فلمح أطراف جلباب الشبح وهو يسبح في الفضاء كانت الشمس ساطعة، ودخان يرتفع من الثلج كما لو أنه يحترق، في هذا الأثناء سمع أحدى المقاتلات تقول:” حوامات، حوامات حربية تتجه صوبنا.” نظر الجميع إلى حيث تشير المقاتلة, فانبطحوا على الوحول والثلوج، وهم يرون سوادا بعيدا في الفضاء.

“هي ليست حوّامة” قال يارو، فصرخ به قائد السريّة:” اخف رأسك يا يارو، لم تمض لك في الجبل إلا أسابيع، وتريد أن تفرق بين الطائرات والطيور.؟”

فأخفى يارو رأسه وراء صخرة كبيرة وهو يتمتم: ” لكنه قال لن يراه أحد غيري..؟ فكيف رأته تلك الرفيقة.؟ “.

ومن هنا بدأت الوحشة، الوحشة التي لم أجد متسعا من الوقت لأحكي للرسولة عن الروح كيف تتلف مع الايام.

  • من رواية لسع الثلج – قيد الطباعة

 

نشر هذا المقال في العدد /80/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/6/2018

التعليقات مغلقة.