تركيا من الدولة العلمانية لدولة الخلافة

41

 

عبدالسلام أحمد

يكاد يتفق معظم المراقبين السياسيين والمتابعين للشأن التركي بأن أردوغان اختار الوقت المناسب لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بما يضمن فوزه بأغلبية الأصوات ، وهو ما حصل  بعد أن أغلقت المراكز الانتخابية أبوابها والبدء بفتح الصناديق وفرز الأصوات. زعيم الحركة القومية طرح موضوع تقديم موعد الانتخابات ليوم ٢٤ حزيران  والتي كان من  المقرر إجراءها في تشرين الثاني ٢٠١٩ وتلقف أردوغان الطلب مباشرة لاتفاق مسبق بينهما، أما الأسباب التي حدت به على الموافقة فهي أولاً: الاستفادة من نتائج عدوانه العسكري على الشمال السوري واحتلاله مدينة عفرين في كسب أصوات الناخبين القوميين والإسلاميين كسلطان فاتح. ثانياً: ضعف الاحزاب المعارضة وغياب البديل المنافس، وخاصة حزب الشعب الجمهوري  وريث الكمالية الذي  فقد رصيده الشعبي نتيجة أخطاء قياداته وموقفه السلبي من القضية الكردية، ومن الأسباب الأخرى للانتخابات المبكّرة المسألة الاقتصادية؛ فقد شكلت لدى أردوغان هاجسا  أقضّت مضجعه، فتدهور قيمة الليرة التركية أمام الدولار  وهروب الرساميل والاستثمارات  في الوقت الذي تشهد فيها العلاقات التركية الأزمة مع الولايات المتحدة  الأمريكية والموقف الأوربي المناهض لتركيا الذي قد يتبعه عقوبات اقتصادية مما ينذر بانهيار الاقتصاد وتدهور الحالة المعاشية  للمواطن التركي مما يستوجب إيجاد حلول اقتصادية عاجلة، تعيد الثقة للمستثمرين وتضع حدّاً لهروب رؤوس الأموال، ويقتضي ذلك الإسراع  بتطبيق النظام الرئاسي وحصر كل الصلاحيات بيد الرئيس واتخاذ قرارات حاسمة في كل الشأن التركي.

ما كان يخشاه أردوغان ترشح عبدالله غول للانتخابات الرئاسية كمرشح للمعارضة، لذلك أرسل إليه قائد الجيش مهددا، وما خفي عن وسائل الإعلام بأنه حصل اتفاق بين حزب الشعوب الديمقراطية وحزب الشعب الجمهوري وحزب السعادة الإسلامي على ترشيح السيد عبدالله غول  ووافق الأخير على أن ينزل الانتخابات منافسا لأردوغان  إلا أن عدم انضمام  ميرال أكشنر رئيسة حزب الخير القومي لهذا الحلف والإصرار على أن ترشح نفسها والضغوط التي مارسها أردوغان حالت دون ترشحه.

 كل المعطيات كانت تشير إلى أن اردوغان  قد ضمن الفوز  حتى قبل إعلان النتائج، ففي ظل حالة الطوارئ والاعتقالات التي طالت آلاف المعارضين السياسيين والعسكريين بعد الانقلاب العسكري الفاشل في ١٥ تموز ٢٠١٦ وتسخير كل إمكانات الدولة المادية والماكينة الإعلامية الضخمة في خدمة الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، وسيطرة أنصاره  على كل مفاصل المؤسسات المدنية والعسكرية، والإرهاب المعمّم وكمّ الأفواه في المناطق الكردية  مكّنت أردوغان  من الفوز بالجولة الأولى بمنصب الرئاسة ونال ٥٢،٦0٪ من أصوات الناخبين في تركيا، بينما حصل حزب الشعوب الديمقراطية على ٦٧ مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة ٦٠٠ مقعد وتجاوز حاجز ١٠٪ رغم المعوقات وحالة الإرهاب والاعتقالات والقتل، والكثيرين عوّل على خسارة أردوغان  أصوات الكرد وخاصة بعد إعلانه العداء الصريح للشعب الكردي وتدمير جيشه مدن وبلدات كردية في شمال كردستان وقتل وتشريد الآلاف من سكانها، وتآمره على إقليم جنوب كردستان ومعارضته الاستفتاء على الاستقلال واحتلاله عفرين والتهديد باجتياح روجآفا، إلى أن  ما يؤسف له بأن قطاع واسع من الشرائح الكردية صوّتت لأردوغان لاعتبارات دينية وعائلية، ونجح أردوغان في شراء ذمم الكثير منهم،  ومن المعلوم بأن الرئيس صلاح الدين دمرتاش رئيس الحزب خاض السباق الانتخابي من داخل معتقله في مدينة أدرنة ولم يعطى إلا بعض الوقت لشرح برنامجه، وخاطب جمهوره من وراء قضبان السجن لدقائق قليلة.

حزب  العدالة والتنمية  والذي تأسس في ١٤ آب  ٢٠٠١ من قبل رجب طيب أردوغان وعبدالله غول وبولند اريج المنشقين عن حزب الفضيلة الإسلامي حقق فوزا كاسحا في انتخابات عام ٢٠٠٢ وتوالت النجاحات نتيجة تحسن الوضع الاقتصادي وخاصة فترة السلام التي شهدتها البلاد مع حزب العمال الكردستاني واستغل أردوغان ذلك في تثبيت أركان حكمه، واستفاد من تجارب من سبقوه من قادة تركيا ونجح في التغلغل ضمن المؤسسة العسكرية التركية حامية الإرث الكماليّ طيلة السنوات التي حكم فيها بحيث استطاع توجيه ضربة للإنقلابيين واتخذها ذريعة للتخلص من الجنرالات العلمانيين ولتصفية كل خصومه السياسيين بمن فيهم رفاقه ممن أوصلوه إلى سدة الرئاسة والحكم.

أردوغان مقبل على تشكيل حكومة بدعم من حليفه حزب الحركة القومية برئاسة دولت بخجلي فحزبه لم يحصل على الأغلبية البرلمانية الكافية التي تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، ففي الوقت كان فيه يملك الأغلبية البرلمانية ٣١٧ مقعداً في انتخابات واحدة نوفمبر ٢٠١٥ حصل في الانتخابات الحالية على ٢٩٣ مقعد، إلا أن حصر كل الصلاحيات التنفيذية بيد الرئيس تجعله قادراً على تنفيذ المشروع الذي يعمل عليه عندما  قاد مسيرة العدالة والتنمية لتغيير وجه تركيا العلمانية باتجاه أسلمة المجتمع والجيش وإدخال مناهج الشريعة الاسلامية في المدارس والجامعات مما يمكنه إعادة الخلافة الإسلامية لتركيا والتمدد باتجاه العالم العربي من خلال دعم جماعات الاسلام السياسي وبناء القواعد العسكرية في البلاد العربية.

نسف الأسس التي بنى عليها أتاتورك دولته عام ١٩٢٣ جار على قدم وساق منذ أن استلم حزب العدالة والتنمية الحكم، وهو ماض في ذلك، ويضع علمانية الدولة اليوم على المحك، ويجد الإخوان المسلمون في العالم في نهضة تركيا بقيادة أردوغان نهضة الأمة الإسلامية، ويراهنون عليه في إعادة الخلافة، وأصبحت اسطنبول اليوم قبلة لكبار قادة الإخوان في العالم، وبقية التيارات الإسلامية بما فيها السلفية الجهادية  الأكثر تطرفاً.

تركيا من “صفر” مشاكل في الداخل ومع الأسرة الدولية في الحقبة الأولى من عمر حكومة العدالة والتنمية إلى الغرق في المشاكل مع الجوار والحلفاء وفي الداخل بعد نسف مبادرة السلام وإعلانه الحرب على الشعب الكردي، بعد ٢٤ حزيران ٢٠١٨ ولمدة طويلة لن يكون بمقدور أي حزب سياسي معارض في تركيا استلام السلطة عن طريق صناديق الانتخابات، اللهم إلا إذا حدث انقلاب عسكري من حيث لا يحتسب أردوغان الدكتاتور، وليس من المستبعد حدوث ذلك فالتاريخ التركي حافل بالانقلابات العسكرية.

نشر هذا المقال في العدد /80/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/7/2018

التعليقات مغلقة.