الانتخابات التركية.. فاز دميرتاش وخسر أردوغان!

32

 

جوان اليوسف

نجح دميرتاش في الوصول إلى المرتبة الثالثة في السباق الرئاسي مخالفا كل استطلاعات الرأي وتجاوز حزبه العتبة الانتخابية التي خوّلته دخول البرلمان بـ 68 مقعدا. وخسر أردوغان رهان طيّ صفحة حزب الشعوب الديمقراطية، ولم يجاري الله أهواء بعض المعتوهين الكرد الذين تمنوا (الدعاء وألف دعاء بسقوط “HDP”).

رسميّاً أصبح أردوغان رئيسا فعليّا لتركيا، بصلاحيّات تنفيذيّة واسعة، مع نهاية يوم 24 حزيران، ولم يعد أمامه غير المباشرة بتعيين وزراءه وقضاته وفقا للتعديلات الدستوريّة الأخيرة.

لقد اختارت تركيا تحويل نظام الحكم فيها من برلماني إلى رئاسي في تعديل دستوري أُقِرّ في نيسان/ أبريل من عام 2017، على أن تتم الانتخابات المحليّة (البلديّة) في آذار/ مارس في 2019، والانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه.

لكن ما الذي جعل أردوغان يستبق الانتخابات البلدية ويستعجل في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية؟

ثمّة أزمة حقيقية عصفت بتركيا في السنوات الأخيرة عبّر عنها الرجل صراحة” أن تبكير الانتخابات فرضته أزمات خارجيّة بينها الوضع في سوريا والعراق”، مشيراً إلى أن “تدهور وضع الليرة مقابل الدولار جزء من مسعى خارجي لإضعاف تركيا وإلهائها عن التدخُّل في محيطها، ولعب دور فاعل فيه” رغم ذلك استطاع أردوغان أن يكسب أصوات الناخبين.

كيف أدار العملية الانتخابية؟! الرجل بارع في إدارة العملية الانتخابية؛ فمنذ أن انتقل من لاعب لكرة القدم إلى عمدة مدنية إستانبول، ومن ثم سجينا بتهمة التحريض على الكراهية الدينيّة، أظهر قدراتٍ مذهلة في إدارة العمليات الانتخابية، فهو بلا شكّ “عبقري الصناديق” فمنذ ثمانية عشر عاما استطاع أن يستثمر كل التطورات السياسيّة الإيجابية لصالحه ويستبق آثار التطورات السلبيّة عليه.

من هنا كان التبكير بالانتخابات بمثابة هندسة انتخابية، لها علاقة باستثمار نتائج عملية “غصن الزيتون في عفرين” التي رفعت شعبيته وحزب العدالة والتنمية بشكل ملحوظ، استثمرها وجعلها من أهم أدوات الدّعاية الانتخابية قبل أن يخبو وجه الانتصار وتتقادم وتتراجع أهميتها لدى الناخب التركي.

استثمار العلاقة مع روسيا التي كانت حاضرة بقوة؛ إذ لم يكن عبثا أنّ أحد الناخبين كتب اسم بوتين بدلا من اسم أردوغان في ورقته الانتخابيّة، فقد شكل التفاهم الروسي_التركي انتقالا نوعيا للسياسة التركية، بالرغم مما يعتريها من الشك والضبابية وكان لابد من الاستفادة منها قبل أن تحترق على صفيح الأزمة السورية فالتفاهم مع روسيا سهّل له احتلال عفرين، وحوّله من لاعب خارجي – إقليمي – قلق يؤرقه صعود نجم حزب الاتحاد الديمقراطي المتحالف مع أمريكا إلى لاعب داخلي يهدد بملاحقة حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي أقضّ مضاجعه حتى الحدود العراقيّة وذلك بعد إخراجه من عفرين، لكن المهمة تعثرت ولم يستطع تجاوز عفرين وبدا وهج الانتصار يخفت وأخذت الشكوك تحوم حول مصداقية الروس الذين لم يسمحوا له دخول تل رفعت، وأخذت تحوم الشكوك حول إمكانية ملاحقة حزب الاتحاد الديمقراطي حتى الحدود العراقية كما وعد، فكان الاستعجال في الانتخابات لقطع الطريق على  فرص التأثير السلبي في إخفاقه بإبعاد شبح “الحزب” عن الحدود التركية.

لكن التوقيت “المبكر جداً” للانتخابات له دلالة أخرى مستقلة بذاتها متعلقة بشكل أساسي بإدارة المعركة الانتخابية التي يجيدها أردوغان، فمدة 67 يوماً بالنسبة للمعارضة لم تكن كافية لترتيب أوراقها وبناء تحالفاتها، ولا التوافق على مرشِّح رئاسي قوي، كما أن حالة الطوارئ؛ التي مددتها حكومة حزب العدالة والتنمية قبل الإعلان عن الانتخابات المبكرة بخمسة أيام فقط، وهي المرة السابعة على التوالي، أَخلَّ بالتوازن وأفقد المعارضة مرونة الحركة في ظل سيطرة حزب العدالة على جميع وسائل الإعلام.

 وقبل إحكام السيطرة، تم إقرار قوانين “قرقوشية” سبقت الانتخابات مستفيدا من الأغلبية البرلمانية التي يمتلكها مع حزب الحركة القومية، إذ أقر قانون قبول أوراق التصويت دون التقيُّد بالختم الرسمي، أيضا عدّل من آلية اختيار رئيس مجلس مراقبة الانتخابات في المناطق؛ وهو باب واسع للتحكُّم في نتائج الانتخابات ونزاهة العملية الانتخابية برمّتها كما عبّرت عنها المعارضة في حينه.

هذه عوامل أساسيّة وجوهريّة في حسم الانتخابات من الجولة الأولى؛ ليست جزئيات يمكن تجاهلها في نجاح حزب العدالة والتنمية ومرشِّحه أردوغان.

أما المنافس الذي قاد حملته الانتخابيّة من وراء القضبان وليس في الساحات العامة؛ كما فعل أردوغان الذي استخدم كل إمكانيات الدولة بما فيها الطائرة الرئاسيّة ليهبط في مطار إستانبول الثالث قبل أن ينتهي بناءه! ليستخدم هذا الإنجاز مادة في حملته الانتخابية ويغشي عين الناخب عن الأزمة الاقتصادية العميقة التي بدأت تعصف بتركيا.

أيضا، لا يمكن التغاضي عن قانون نقل المراكز الانتخابية من المناطق التي يشكل حزب الشعوب الديمقراطية أغلبية فيها إلى المناطق التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية وهي محاولة واضحة لحرمانه من تجاوز العتبة الانتخابية التي هي في كل الأحوال تكاد تكون الأعلى في العالم.

في هذا الجو لا يمكن الحديث عن تنافس شريف بين أردوغان الطائر من ولاية إلى ولاية وبين دميرتاش القابع في السجن مع العشرات من قيادات حزبه بتهمة “الإرهاب ” وهي التهمة الجاهزة في تركيا كتهمة مناهضة أهداف ثورة الثامن من آذار في سوريا.

نجح دميرتاش في الوصول إلى المرتبة الثالثة في السباق الرئاسي مخالفا كل استطلاعات الرأي وتجاوز حزبه العتبة الانتخابية التي خوّلته دخول البرلمان بـ 68 مقعدا. وخسر أردوغان رهان طيّ صفحة حزب الشعوب الديمقراطية، ولم يجاري الله أهواء بعض المعتوهين الكرد الذين تمنوا (الدعاء وألف دعاء بسقوط  (“HDP”، فنجاح حزب الشعوب الديمقراطية هو تعبير مدنيّ وسياسيّ عن قطاع واسع من الذين لا صوت لهم في تركيا من كرد وأرمن وترك و.. غيرهم.

ولكن يبقى هذا النجاح الجزئي مثار استفهامات حقيقية، تحتاج إلى التفكير والتمعُّن، فأين النصف الآخر من الناخبين الكرد، ولِمَ لمْ يستطع الحزب استقطابهم؟!

نشر هذا المقال في العدد /80/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/7/2018

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.