ترتيب البيت الكردي الإشكالات والآمال

56

 

خبات محمد

كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن وحدة الموقف وترتيب البيت الكردي, مع أن هذه الرغبة التي ما فتأت الأوساط الكردية تطالب بها منذ زمن وبقيت كحلم يراود نشطاءها, لكن ما يؤسف له أنها لم ترى النور بعد.

إن ما يشهده الحراك السياسي الكردي في سوريا من انقسام واضح بين أطرافه الرئيسية لا يبشر باقتراب اللحظة التاريخية المنشودة، وهو ما يدعو إلى البحث ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لتدارك المخاطر المحدقة بقضيتنا وحقوق شعبنا، هنا أود التذكير أن ما كانت تعانيه الحركة الكردية الممثلة بأحزابها وما تزال من أزمة بنيوية أثرت على تطوره الطبيعي وأدت إلى التشرذم المعيق لأدائه كحركة وطنية ديمقراطية لتتحول إلى رافعة لكل القوى الوطنية السورية، بل ولم تستطع حتى المأساة السورية دفعها لتجاوز أزمتها ومحاولة إيجاد مخارج مُرضية من تلك الأزمة، أي أن هذا الانقسام ليس نتيجة من النتائج الكارثية للأزمة السورية بل إنها تعمقت أكثر وأخذت منحىً تصعيدياً أكثر خطورة من ذي قبل وهذا بالضبط ما حاولت بعض القوى الخارجية الاستثمار فيه، ودفعها باتجاه التعقيد معتمدة على بعض القوى السياسية التي استعجلت الفوز بما تراءى لها أنها مكاسب على حساب أطراف أخرى وهو ما زاد الشرخ وشجع على العمل المنفرد وشكل محاولة يائسة للطيران بجناح واحد، هنا كان لابد من الخروج من عنق الزجاجة التي وضعت الحركة الكردية نفسها فيه لتأتي الاتفاقات التي أبرمت بين أطرافه الرئيسية برعاية أخوية من قوى كردستانية كانت تدخلاتها في الشأن الكردي السوري جزءاً من المشكلة محاولة أن تصبح جزءاً من الحل وكل حسب هواه وارتباطاته الإقليمية مما زاد من وتيرة الشحن والتخندق لصالح هذا الطرف على حساب الآخر المختلف في ظل الانقسام بين تلك القوى الإقليمية لتتعقد المشكلة أكثر وتتوسع الهوة بين الأطراف الكردية السورية.

إن القفز على مجموعة من الحقائق والمكتسبات ضمن هذه المرحلة الحرجة لن يساهم في إيجاد الحلول المناسبة ومنها الإدارة الذاتية القائمة رغم ما شاب نشوئها من أخطاء وما تعانيها من عثرات وحقيقة التضحيات الجسام التي قدمتها وحدات حماية الشعب والمرأة ومقاومتها لأعتى قوى الإرهاب وحمايتها للمناطق الكردية وتحويل الكرد إلى رقم يصعب تجاوزه حين تحين لحظة إيجاد الحلول السياسية للأزمة السورية، من هذا المنطلق يجب التركيز أن أي بادرة باتجاه ترتيب البيت الكردي يجب أن ترتكز على ما هو منجز وإمكانية البناء عليه وتطويره وإغنائه والخروج به من حالة تمثيله لطرف معين إلى حالة مجتمعية تمثل جميع شرائحه ومكوناته. إن ما شهدناه في الآونة الأخيرة من أحداث مفصلية كاحتلال عفرين من قبل تركيا والفصائل الموالية لها والتداعيات التي نتجت عنها وما أتبعه من جرائم بحق أهلنا في عفرين كاف لنأخذ منها العبر والدروس محاولين ترتيب أولوياتنا وتفضيل الأهم على الأقل اهمية ضمن سياقات زمنية مدروسة إن الايحاء بوجود مشاريع للتقارب بين الخصوم السياسيين دون آليات عمل واضحة والتعويل على الأطراف الخارجية فقط ومحاولة تصيّد أخطاء الخصم لإبراز الذات هي محاولة لذرّ الرماد في العيون.

 إن ما يجب العمل به عاجلا ً وليس آجلاً أن يعلن الحزبان الرئيسان في كتلة المجلس عن موقفهما من العدوان التركي واحتلاله لعفرين وتهديده باستمرار عملياته ضد التواجد الكردي، واعتبار هذا العدوان ومن يقف معه أعداء للشعب الكردي وقضيته العادلة، والانسحاب من جميع الأطر التي تمثل الغطاء السياسي لهذا العدوان، في المقابل على حزب الاتحاد الديمقراطي الدعوة إلى تشكيل لجنة تحضيرية من الأحزاب الرئيسية للحركة الحركة الكردية ” حزب الوحدة الديمقراطي الكردي ، الحزب الديمقراطي التقدمي والحزبان الرئيسيان ضمن المجلس الوطني ” والعمل معاً لعقد مؤتمر قومي كردي في سوريا تتمثل فيه جميع فعاليات ومكونات المجتمع تمثيلاً حقيقياً للوصول إلى مرجعية سياسية حقيقية من المؤكد أن حدث احتلال عفرين هو الحدث الأبرز، لكن ما رافقها من شحن قوموي ديني طائفي يشكل خطراً كبيرا على مجموعة مكتسباتنا في الفترة المنصرمة، وهو بالتأكيد نتاج الدوائر الاستخباراتية المعادية لوجودنا وحقوقنا ويشمل تهديدا حقيقيا لمشروع التحالف الدولي في شرق الفرات، ولم يكن الحدث المفتعل في مخيم الجزيرة اليونانية وتضخيمها إلا أحد تجلّيات ذاك الشحن وما سينتج عنه ضمن الجغرافية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ورهان تلك الدوائر على زعزعة الاستقرار النسبي فيها محاولة الاستثمار في البيئة الخصبة لإنتاج التطرف بكل أشكاله.

إن بناء هذه المرجعية ستغير الكثير في المعادلات الدولية والإقليمية وستؤسس لعلاقة مريحة أكثر مع باقي المكونات. إن حماية وصيانة المكتسبات تلحّ علينا كلٌ من موقعه وكلٌ حسب مسؤوليته وفاعليته العمل بكل جدّ وإخلاص لإنجاح المساعي لعقد هكذا مؤتمر، تبقى الآمال معقودة على الخيّرين ضمن كل الأطراف للارتقاء إلى مستوى التحديات التي تواجهنا في هذه المرحلة المصيرية.

نشر هذا المقال في العدد /79/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/6/2018

 

التعليقات مغلقة.