الانتخابات التركية.. جولة أردوغان الثانية مع الكُرد

42

 

فريد إدوار

يبدو أن السّباق للفوزِ بمنصبِ الرّئيس الثالث عشر للجمهورية التركية؛ ليس بالأمرِ الصّعب على زعيم حزب العدالة والتنمية المنتشي بانتصاراتٍ يراها معارضوه أنها «وهميّة»، عَقِبَ تثبيت أقدامه في جزءٍ مهم داخل سوريا على حدوده الجنوبية التي تُعد الأخطر بالنسبة لمستقبل تركيا الحديثة.

برغم ذلك؛ فإن الأوضاع الاقتصادية المُتدهْورة التي تعيشها البلاد منذ سنوات؛ قد تتسبّب بحرمان رئيس بلدية اسطنبول الأسبق، من تحقيق حلمه في البقاء لولايةٍ رئاسيةٍ جديدة حتى عام 2023م، وهو العام الذي ستحتفل فيه البلاد بذكرى مرور مائة عامٍ على قيام جمهورية “أتاتورك”.

حظوظ زعيم حزب العدالة والتنمية في اعتلاء كرسي الرئاسة مُجدّداً، ربما كانت ستتلاشى لو أن الانتخابات أجريت في 3/11/2019 وهو الموعد المُحدّد في الدستور التركي الجديد الذي تم الاستفتاء عليه عام 2017؛ وذلك لأن الرئيس الحالي يحتاج لاقتصادٍ قويٍ للفوز في الانتخابات القادمة، ومن المُستبعد أن يكون أداء الاقتصاد في عام 2019 بنفس مستوى 

2018، في ظل انهيارٍ غير مسبوق لليرة التركية، وكان ذلك سبباً كافياً لمطالبة رجب طيب أردوغان بإجراء انتخاباتٍ مُبكّرة في /24/ يونيو حزيران القادم، لاستباق أي تدهورٍ اقتصاديٍ قد يؤثّر على سير الانتخابات لمصلحته.

في معركته الانتخابية إلى القصر الرئاسي، التي قد تكون الأخيرة بالنسبة له، لم يبخل أردوغان في منح أيّ وعودٍ اقتصادية للشعب التركي، خاصةً تلك التي تتعلّق بالمستوى المعيشي، بعد أن تعهّد برفع متوسط دخل الفرد إلى /25/ ألف دولار سنوياً في حال فوزه في الانتخابات المُقبلة، إلى جانب إطلاق وعودٍ تتعلق بتجاوز تركيا مستوى الحضارات الحديثة المعاصرة في المرحلة الجديدة، من خلال إنعاش التجارة، الزراعة، الري والصناعة وحتى تطوير الدفاعات التركية.

 قبل نحو شهرٍ ونصف الشهر من توجّه الناخبين إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم المُقبل، أظْهر استطلاعٌ للرأي أجرته شركة (أبتيمار) التركية للأبحاث في /27/ ولاية تركية، تَفوّقَ أردوغان على منافسيه في الانتخابات الرئاسية القادمة بنسبة /51/ بالمائة من أصوات الناخبين، نتائجٌ قد تكون منطقيةً بالنظر لحنكةِ أردوغان السياسية التي جعلته ضمن القائمة السنوية لمجلة (تايم) الأميركية عام 2017 لأكثر /100/ شخصية مؤثّرة حول العالم.

غير أن الرجل الذي غادر منصب رئيس الوزراء في الانتخابات التشريعية 2015 مُصمّماً على الاحتفاظ بالسلطة في تركيا من موقع الرئاسة، قد يَصْطدم بمنافسين عنيدين مثله.

ستة مرشحين سيكونون خصوماً لـ أردوغان في السباق الرئاسي، “محرم إنجلي” المنافس الأقوى عن حزب الشعب الجمهوري، و”ميرال أكشينار” عن حزب «الخير»، و”صلاح الدين ديمرتاش” عن حزب الشعوب الديمقراطي، و”تمل قره أوغلو” عن حزب السعادة، و”نجدت أوز” عن حزب العدالة، و”دوغو بارينجاك” عن حزب الوطن.

وقد يكون ملف الحريات هو الملف الوحيد الذي يمكن للمرشحين الستة المراهنة عليه لإطاحة أردوغان من سدة الرئاسة قبل حلول 2019، خاصةً بعدما ردّ باسلوبٍ قمعيٍ قاسٍ على محاولة الانقلاب الفاشلة التي شَهِدَتها تركيا منتصف يوليو تموز 2016، اسلوبٌ أضرّ بصورته كرجلٍ ينادي بالديمقراطية، ففرض حالة الطوارئ في البلاد ومدّدها /7/ مرات، والتي تسببت باعتقال أكثر من /60/ ألف شخص، وإقالة أكثر من /160/ ألفاً آخرين من وظائفهم في مختلف مؤسّسات الدولة.

لكن ما يُسعِفُ الرجل القوي في تركيا، هو تشتّت المعارضة وفَشلِها في الإجماع على مرشّحٍ واحد، وباستثناء “محرم إنجلي” مرشح حزب الشعب الجمهوري أقوى أحزاب المعارضة، فإن بإمكان  “ميرال أكشينار” المرشح عن حزب «الخير» والمُلقبة بـ «أنثى الذئب» أن تكون أيضاً منافِسةً قوية، كونها تستمد قوتها الانتخابية من القاعدة الشعبية ذاتها التي يعتمد عليها الرئيس الحالي، فهي إضافةً لثقة رجال الأعمال بها على أنها تستطيع إجراء تغييرٍ في البلاد؛ فهي مدعومةٌ أيضاً من ناخبين محافظين وقوميين ومُتديّنين سَبَقَ لهم وقدّموا الدعم لزعيم العدالة والتنمية.

في المقابل؛ تبقى فُرص “ديمرتاش” مرشح حزب الشعوب الديمقراطي ضئيلةً لاعتلاء عرش السيادة في تركيا، لأن الانتخابات البرلمانية التي أُجريت عام 2015 كشفت أن /20/ بالمئة من أصوات حزب العدالة والتنمية مصدرها الأكراد المحافظون، وبالتالي لن يُحظى إلا بعددٍ قليل من أصوات الناخبين الكرد الذين يبلغ نسبتهم بنحو 20% من سكان تركيا البالغ عددهم نحو /80/ مليون نسمة.

لذا؛ فإن فرصة حزب الشعوب الديمقراطي للنيل من أردوغان وهزيمته سياسياً، قد تكون بمنح أصواته لصالح أقوى المنافسين، على اعتبار أن المعارضة لم تجتمع على رأيٍ واحد.

فيما يبدو أن أردوغان سيلعب مرةً أخرى على الورقة الكردية، بعد أن سبق ونجح في ذلك خلال الانتخابات البرلمانية عام 2015، خاصةً في ظل المسار التصاعدي للحزب الحاكم في المدن الكردية والحساسية العالية التي يُبديها المسؤولون الأتراك تجاه الشعب الكردي والذي تُوّجَ بمنح وعودٍ  تتعلق بامتيازات اقتصادية في مناطقهم، فضلاً عن تحسين الخدمات، عدا عن وجود أحزابٍ كردية داعمة للرئيس الحالي كـ حزب الدعوة الحرة أو الهدى بار وهو حزب إسلامي كردي، وكل ذلك قد يصبّ في مصلحة مُرشح حزب العدالة والتنمية ضد ستةِ منافسين معارضين لم يعرفوا كيف يتفقوا على صيغةٍ واحدة لمواجهة خصمهم العنيد.

نشر هذا المقال في العدد /78/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/5/2018

التعليقات مغلقة.