2018 سنة الانبطاح السياسي الكردي
شيروان ملا إبراهيم
بعد العام 2000 تحول الكرد إلى لاعبين أساسيين في سياسة المنطقة، لكن منذ الشهر العاشر من العام 2017 بات الوضع الكردي يتخذ منحى معاكس تماماً لما كان عليه، لدرجة أن بعض السياسيين الكرد، بات جل انتصارهم هو كيفية (التنازل للقوى الأخرى للخروج بخسائر أقل) بعد أن كانوا يؤثرون على مراكز القرار السياسية الإقليمية والدولية.
في كردستان العراق:
بالنظر إلى الأبراج والمباني السكنية العالية الفخمة، يكتشف المرء مدى التطور الحاصل، لكن بالنظر إلى اسفل تلك المباني وملاحظة سوء تجهيز عملية الصرف الصحي، وعدم حل مشكلة انقطاع الكهرباء الحكومية حتى الآن، يكتشف المرء أيضاً حجم وهول اهمال الأسس والبنية التحتية، وعلى هذه الشاكلة العمرانية، فإن الحالة السياسية شبيه بذلك، فلقد بنى الإقليم جيشاً قوياً وعلاقات دولية ممتازة، لكن في المقابل، فإن الصراع الحزبي الكردي وتعميق فجوة الخلافات منذ العام 2010 وحتى الآن، كانت السبب الرئيسي لما يحدث في الإقليم من انكسارات سياسية، فعلى سبيل المثال، قام إقليم كردستان بإغضاب أكبر حلفائه في المنطقة والغرب، بسبب الاصرار في عملية الاستفتاء، وكانت المشاكل الداخلية حول الاستفتاء موجودة أيضاً، وأن عدم اتفاق الكرد على مجريات وكيفية وتوقيت الاستفتاء والخلافات وتبادل الأحقاد المسبقة أعطت دليلاً للمتربصين باختراق البيت السياسي الكردي، وهذا ما بدى واضحاً في أحداث 16 أكتوبر في كركوك.
الآن… بعد أن كان لإقليم كردستان شأن في العراق والمنطقة وكان في مثابة الدولة، قد دخل في عزلة سياسية داخلية وخارجية، وباتت القيادات السياسية الكردية تتسابق وتتودد للتنازل لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حول العديد من المسائل.
في كردستان تركيا:
حصد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي على امتلاك رئاسة مائة بلدية، وأوصلتهم تلك الأصوات والدعم الجماهيري إلى أن يترشح زعيم الحزب صلاح الدين دميرتاش لمنصب رئيس الجمهورية، وتخوفت الحكومة التركية وباتت تحاول إرضاء الناخب الكردي عن طريق مشاريع تطويرية في مناطقهم، والسماح بفتح مراكز باللغة الكردية، واستمرت هذه التطورات حتى الانتخابات البرلمانية في يونيو 2015، ليدخل حزب الشعوب الديمقراطية قبة البرلمان ككتلة حزبية وليجتاز لأول مرة عتبة الـ10%، وعندها كانت الفرصة سانحة أمام الحزب ليدخل إلى بعض مفاصل الدولة التركية ولو بجزء يسير، خاصة أن حزب العدالة والتنمية حينها حصل على 40%، أي انه كان بحاجة إلى 10% لتشكيل الحكومة، أي أن الشعوب الديمقراطية الذي كان قد حصل على 13%كان بإمكانه المشاركة مع حزب أردوغان، وحتى لو كانوا غير قادرين على تغيير المسارات الجذرية لسياسة الدولة، فإن وجودهم كان أفضل من أن يستمروا كأعداء لحكومة الدولة الثانية في الناتو، بل كان سيشكل تهديداً لحكومة حزب أردوغان، كون انسحابهم منها في أي وقت كان سيضع تلك الحكومة أمام مآزق كبيرة، لكنهم لم يشاركوا في الحكومة، حتى تم إعادة الانتخابات بشكل استثنائي، ليحصل حزب العدالة والتنمية على النسبة التي مكنته من تشكيل الحكومة لوحده، وفي المقابل خسارة الشعوب الديمقراطية لبعض أصواته، ليبدأ مسلسل الانكسار الكردي، فالحزب الذي كان يفاوض على الافراج عن “أوجلان” زعيم الكردستاني والوساطة بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، وصل به الحال الآن إلى المطالبة بالإفراج عن برلمانييه وقيادييه المعتقلين حالياً، هذا عدا الدمار والمعارك التي لحقت ببعض المناطق الكردية نتيجة اقتتال عناصر لوحدات تابعة لحزب العمال الكردستاني والجيش التركي فيما بعد.
في كردستان سوريا
حقق حزب الاتحاد الديمقراطي نجاحاً في الحفاظ على المدن الكردية بغية عدم تحويلها إلى ساحات معرضة لبراميل النظام، وبالرغم من سوء الأحوال المعيشية في مناطق سيطرته، لكنها تبقى أفضل مقارنة مع المناطق السورية الأخرى، وفي الطرف الآخر كان المجلس الوطني الكردي طرفاً أساسياً في أطر المعارضة السورية والمؤتمرات الدولية المتعلقة بسوريا، لكن في المقابل فإن طريقة حكم حزب الاتحاد الديمقراطي بأساليب شمولية، بالإضافة إلى عدم المقدرة على الانفصال من العمال الكردستاني!، أدى بالحزب إلى أن يبقى وحيداً في الساحة من الناحية الكردية، حتى من الأحزاب التي كانت تقف إلى جانبه في العديد من المواقف مثل الحزب التقدمي وأحزاب التحالف الكردي، وفي الطرف الآخر، أي المجلس الوطني الكردي، فبالرغم من وجود فرص ذهبية سياسية حصل عليها، لكنه كان ولازال مجرد ظاهرة صوتية لم يقدم شيئاً سوى انتقاد ممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي، والتعويل والاعتماد المفرط على دعم كردستان العراق، حيث كان ولازال المجلس يعتبر فقط وجوده داخل الائتلاف وتلقيه الاعتراف من كردستان العراق، هو أكبر وآخر انجاز حققه بالنسبة للكثيرين من قياديه، دون أن ينظروا إلى الحالة الهشة والمفرطة في تنظيماتهم الداخلية، وكذلك عدم التوصل إلى صيغة معينة لبلورة خطابهم، لدرجة أنه عندما يسأل أحد الصحفيين الأجانب لقيادي في هذا المجلس الوطني حول مطالبهم ومشروعهم السياسي، فإن جوابهم لا يتعدى الشعارات الرنانة والخطوط العريضة دون شرحها.
حالياً، تعرض حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب لانكسار عسكري وسياسي في عفرين بعد مقاومة دامت شهرين، ومازال أردوغان يهدد بالدخول إلى المناطق الكردية الأخرى، في المقابل بات المجلس الوطني الكردي في المعارضة السورية مجرد اسم ديكوري، لدرجة أن الائتلاف بات يكتب ويصيغ بياناته دون الرجوع اليهم.
في كردستان ايران:
حدث ولا حرج، فإن شدة قوة النظام الإيراني يوماً بعد يوم، هو كارثة لكل أطراف المعارضة الإيرانية بما فيها الكردية، فالأمور باتت صعبة للغاية ضمن جمهورية الخامنئي.
التبرير الكردي:
بالتأكيد وبعد كل انكسار سياسي أو عسكري، تخرج القيادات الكردية لتكرار الاسطوانة المعروفة وهي: (خيانة الدول العظمى لنا، كل العالم ضدنا، بالإضافة إلى اتهام منافسهم الكردي على أنه كان السبب وراء ذلك)
الحل:
بعيداً عن الكلام الطوباوي والشعارات الرنانة من قبيل (على الكرد أن يتوحدوا) يجب على قيادات الصف الأول في الأحزاب الكردية الرئيسية أن تقتنع بأنها باتت تعيش في العام 2018 وأن زمن 1988 قد ولى، ويجب أن تنتهي الأساليب القديمة المتبعة منذ العقود الماضية، كما أن عليها أن تقتنع أن الحدود التي رسمت من قبل سايكس – بيكو لا يمكن أن تتغير، وبما أن الكرد في سوريا وتركيا والعراق أبدعوا في فنون التنازلات للغريب، فإن اجتماعاً واحداً بين قيادات الصف الأول لأربيل – قنديل – السليمانية بالإضافة إلى السياسيين المتنفذين في سوريا وتركيا، هو كافي بإجراء تغيير نوعي في السياسة الكردية ضمن الساحة الإقليمية والدولية.
نشر هذا المقال في العدد /77/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/4/2018
التعليقات مغلقة.